الانتخابات الجزائرية بين سلطة الارهاب وهيمنة السلطة

 شبكة النبأ: يلقي العنف المتصاعد ضد المدنيين في الجزائر خلال الايام الماضية ظلالا قاتمة على مدى اقبال الجزائريين على صناديق الانتخابات التي جرت لاختيار البرلمان في هذه الدولة الافريقية المهمة من حيث تصدير النفط والغاز الى اوربا وشمال امريكا.

وياخذ جانب عدم الثقة حيزا مهما لدى المواطنين في ان يلبي برلمان جديد طموحات الشعب الجزائري بحياة مرفهة بعيدا عن الفقر والارهاب.

واختار الجزائريون الذين يساورهم القلق من احتمال اندلاع أعمال عنف سياسية برلمانا جديدا  لكن كثيرا منهم يشكّون في أن تتمكن تلك المؤسسة الضعيفة سياسيا من انجاز شيء يذكر لاعادة الاستقرار في هذا البلد المضطرب.

والرئاسة هي أقوى مؤسسات الدولة في الجزائر التي تصدر النفط والغاز الى أمريكا الشمالية وأوروبا ويميل الجزائريون الى الاعتقاد أن البرلمان تسيطر عليه السلطة التنفيذية القوية وأنه موجود للموافقة على قراراتها فقط دون امكانية الاعتراض. حسب تقرير لرويترز.

وكتب علي بهمان الصحفي بجريدة الوطن اليومية أن الجزائريين لديهم صورة مشؤومة عن البرلمان. وذكر أنه لن يفاجأ اذا عبر الناخبون عن رفضهم لمجلس غير مستقل ولا جدوى منه بالامتناع عن الادلاء بأصواتهم.

والانتخابات التي جرت لاختيار المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب) الذي يضم 389 مقعدا هي الثالثة منذ اندلع تمرد اسلامي بعد الغاء نتائج انتخابات عامة أجريت عام 1992 وأوشك حزب اسلامي أصولي محظور حاليا على الفوز فيها.

وقتل ما لا يقل عن 200 ألف شخص في أعمال عنف سياسية منذ ذلك الحين. ورغم تراجع العنف بدرجة كبيرة في الاعوام القليلة الماضية هددت سلسلة تفجيرات نفذتها جماعات اسلامية مسلحة محاولات الجزائر لاعادة البناء.

وكانت ثلاثة تفجيرات انتحارية زعم تنظيم القاعدة أنه مسؤول عنها قد أسفرت عن مقتل 33 شخصا يوم 11 ابريل نيسان الماضي وأثارت مخاوف من احتمال عودة أعمال العنف بالاسلوب الذي شهدته الجزائر في التسعينيات. لكن المشاكل الاجتماعية ما زالت موضع الاهتمام الرئيسي للجزائريين.

ويتهم خصوم المؤسسة السياسية المتكتمة بتبديد عائدات كبيرة لتصدير النفط والغاز مع وصول نسبة البطالة بين الجزائريين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما الى مستوى يثير القلق هو 75 في المئة وعدم استطاعة معظم من يجدون عملا الحصول على أجر يزيد على 25 ألف دينار (352 دولارا) شهريا.

ومن العاصمة الجزائر المكدسة بالسكان الى مدينتي ادرار وحاسي مسعود المنتجتين للنفط والغاز في الصحراء الغربية يحق لزهاء 18 مليون ناخب الادلاء بأصواتهم للاختيار من بين 12229 مرشحا ينتمون لاحزاب سياسية ومستقلين أعضاء مجلس النواب للسنوات الخمس المقبلة.

ويتوقع أن يحتفظ حزب جبهة التحرير الوطني بوضعه كأكبر حزب في البرلمان يليه حزب التجمع الوطني الديمقراطي المؤيد للحكومة في المركز الثاني.

ويشغل حزب جبهة التحرير الوطني 199 مقعدا في البرلمان المنتهية دورته بينما يشغل حزب التجمع الوطني الديمقراطي 47 مقعدا. ويشكل الحزبان مع حزب اسلامي معتدل حكومة ائتلافية.

وقاطع حزب جبهة القوى الاشتراكية أحد أقدم الاحزاب المعارضة الانتخابات ويقول انها لا يحتمل أن تتسم بالشفافية وان البرلمان ليس له دور يذكر. وكان حزب جبهة القوى الاشتراكية العلماني وهو القوة السياسية الرئيسية في منطقة القبائل التي يتحدث سكانها بلغة البربر قد قاطع الانتخابات التشريعية السابقة عام 2002.

ولم يرفض البرلمان من قبل أي مشروع كامل لقانون اقترحته الحكومة كما لم يشكل قط أي لجنة للتحقيق.

وذكرت قناة الجزيرة أن تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي الذي زعم المسؤولية عن تفجيرات 11 ابريل نيسان دعا الجزائريين الى مقاطعة الانتخابات التي وصفها بأنها "مهزلة". ويتوقع بعض المراقبين أن يحاول المتمردون عرقلة الانتخابات.

وأسس العديد من الاحزاب حملته الانتخابية على الثناء على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي سحق معظم الحركات الاسلامية المتشددة ونجح في اجتذاب استثمارات اجنبية تحتاجها الجزائر بشدة.

وقال محمود بلحيمر الصحفي بجريدة الخبر اليومية انه أيا كانت نسبة الاقبال على التصويت

في الانتخابات وأيا كان الفائز فيها فلن تحدث تغيرات رئيسية تؤدي الى تطوير الديمقراطية

في الجزائر وان المجلس الشعبي الوطني سيظل أداة في يد الحكومة.

بصيص أمل

بعد أن لازمتها المذابح على مدى سنوات تضع بلدة الشلف الجزائرية بعض الآمال على الانتخابات البرلمانية ربما لأن التجربة المريرة علمتها أن تفضل بطاقات الاقتراع على طلقات الرصاص. حسب تقرير لرويترز.

والشلف التي تحيط بها جبال خلابة وبساتين فاكهة هي عاصمة لولاية الشلف التي تحول فيها عشرات الالاف إلى ثكإلى أو فقدوا أطرافا أو يتموا بسبب العنف الذي مزق الجزائر في التسعينات ومطلع القرن الجاري.

ويسهم موقعها الجغرافي المميز في توضيح سبب كونها مرتعا لاعمال العنف. فالجبال والبساتين وفرت أماكن اختباء للجماعات الاسلامية المسلحة التي كانت تسعى لاقامة حكم اسلامي.

أما الان فينظر إلى أي شيء يمثل بديلا للعنف على أنه شيء ايجابي وهي المشاعر التي كانت في الصدارة يوم الاثنين خلال زيارة ضمن حملة بالانتخابات البرلمانية قام بها رئيس الوزراء السابق أحمد أويحي.

وردا على سؤال بخصوص ما يمكن أن تفعله الانتخابات البرلمانية للجزائر قال كاملي امال أحد الحضور الذين استمعوا إلى أو يحي بنبرة تنطوي على الفخر إنها "ستجلب المزيد من الوطنية."

وقال سكان بالبلدة بينما كانوا يستمعون إلى ترويج أويحي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه والموالي للحكومة إنهم يعتقدون أنه يتمتع بنفوذ بين المؤسسة السياسية الجزائرية لمساعدتهم في الحصول على الوظائف والمنازل والرعاية الطبية اللائقة التي يحتاجون اليها بشدة.

وقالت زهرة بوازديا وهي امرأة في منتصف العمر حضرت التجمع الانتخابي لاويحي "لا

أملك شيئا.. لا أملك حتى شقة. لا نعيش مثل الناس في أوروبا أو الاتحاد الاوروبي."

غير أنها عندما سئلت عما اذا كانت حياتها ستتغير بأي حال بعد الانتخابات أجابت قائلة "ان شاء الله."

واضاف "ستتعافى الجزائر. لدينا الحق وفرصة العيش مثل الاخرين."

ومن الصعب العثور على مثل هذه الثقة في العملية السياسية في بلد يرى الكثيرون فيه البرلمان خاضعا لهيمنة الرئاسة ذات النفوذ.

وليس لدى أويحي مشكلة مع وجود جهة تنفيذية قوية. وقال لرويترز إن السياسيين يكافحون من أجل ايجاد برلمان يمنح السلطة التنفيذية المتمثلة في الرئيس أغلبية قوية لمواصلة عملية تحديث الجزائر.

وتحولت منطقة شلف إلى معقل للجماعة الاسلامية المسلحة التي ارتكبت عشرات المذابح بالداخل. ولم ينج الاطفال من ذلك حيث تعرض الكثيرون منهم للضرب أو الحرق حتى الموت.

وفي بلدة الشلف نفسها كانت الشوارع تخلو من المارة بعد الخامسة مساء بسبب المخاوف من الهجمات.

وانخفضت أعمال العنف بشدة خلال السنوات الاخيرة وباتت القضايا الاجتماعية وعلى رأسها الاسكان والبطالة المهيمنة حاليا.

كما عاد نوع خاص من الحالة السوية الجزائرية إلى شوارع شلف حيث يجلس شبان عاطلون ويقفون في الشوارع طوال اليوم وحتى بعد حلول المساء. وتحت كل عمود انارة بالشارع أو نخلة يتسكع شبان لا يجدون ما يفعلونه.

وحثّ متمرد اسلامي بارز سابق الجزائريين على الادلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية يوم الخميس قائلا إن قوى المعارضة كانت مخطئة بالدعوة الى المقاطعة لان الحكومة ستتجاهل ذلك ببساطة. حسب تقرير لرويترز.

وأضاف مدني مزراق القائد السابق للجناح المسلح للجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة حاليا في بيان أنه يريد من الناخبين اختيار المرشحين الاسلاميين ولكن اذا تعذر ذلك فعليهم دعم مرشحي أكبر الاحزاب الموالية للحكومة أو المرشحين القوميين.

وأبلغ مزراق الذي تفاوض حول استسلام جماعته المسلحة عام 1997 رويترز عبر الهاتف أن المقاطعة هي الخيار الامثل لكن المعارضة كلها تعلم أن السلطات لن تحترم هذا الخيار.

وأضاف أن أولى نصائحه هي التصويت للمرشحين الاسلاميين وأن النصيحة الثانية التصويت لجبهة التحرير الوطني وأن نصيحته الثالثة والاخيرة هي التصويت لمرشح من التيار القومي.

وما زال مزراق يريد اقامة دولة اسلامية قاتل في سبيلها خلال التسعينيات لكنه ، شأنه شأن كثير من الاسلاميين الاخرين من أبناء جيله ، يقول انه ملتزم بالسياسة السلمية.

ودعا مزراق المقاتلين الاسلاميين المتشددين الذين ما زالوا يقاتلون للموافقة على مطالب الحكومة بتسليم أسلحتهم.

ولم يأت على ذكر دعوة أطلقتها يوم الاثنين جماعة اسلامية جزائرية مسلحة تدعى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي تحث فيها الجزائريين على مقاطعة الانتخابات.

وكان الصراع قد اندلع في الجزائر عام 1992 بعد أن ألغت السلطات بدعم من الجيش انتخابات برلمانية كاد حزب اسلامي أن يفوز بها. وقتل ما يصل الى 200 ألف شخص.

واليوم أصبح مزراق المتحدث غير الرسمي لجماعة من كبار الاعضاء السابقين بالجناح المسلح للجبهة الاسلامية للانقاذ.

وتسمح له السلطات بعقد مؤتمرات صحفية لكنه وزملاءه السابقين ممنوعون من المشاركة في الانتخابات المقررة يوم 17 مايو أيار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 18 آيار/2007 -29/ربيع الثاني/1428