جرائم في مدن ديالى على الطريقة الوهّابعثية

 شبكة النبأ: ان التركيز على خطة امن بغداد لوحدها خلق بصورة طبيعية دائرة مفرغة يدور بها الارهاب ويختار المنطقة التي يجد فيها سعة وحرية اكثر لإدارة عملياته ويمكنه ان يتحرك الى مناطق اخرى كلما وجد ان هناك قوة رادعة عسكرية تؤثر عليه وهكذا فان البعثيين والتكفيريين يملكون المبادرة ومرونة المكان الذي يعضد افعالهم الدموية من خلال حواضن الارهاب المنتشرة في جميع المناطق ذات الاغلبية السنّية والتي تقدم الدعم اللوجستي والمعلوماتي لهم.

فعند اشتداد الملاحقة للفلول الارهابية في الرمادي والفلوجة من قبل القوى الامنية والجيش وابناء العشائر في الانبار نزحت تلك القوى الظلامية لتتخذ من بعض اطراف محافظة ديالى مقرا لها وبما يسمى الامارة الاسلامية، وهكذا نجد بان من بين اسباب هشاشة الخطة الامنية انها افتقدت الى الشمولية وتحولت الى نوع من "العمليات الترقيعية" في اغلب الفعاليات التي يقوم بها الجيش، إضافة الى انها تركز على منطقة جغرافية واحدة المتمثلة بخطة امن بغداد.

في حين نرى ان هناك فظائع ترتكب من قبل التكفيرين وايتام صدام  بحق ابناء ديالى من قتل وتهجير وتدمير للمؤسسات العامة، وقد سبق لاهالي ديالى ان استجاروا بالحكومة مرارا وتكرارا وقاموا باعتصامات كثيرة كان آخرها في محافظة كربلاء دون ان يطرأ أي اجراء او فعل من شأنه ان يجد الحل الجاد في التصدي لتلك القوى وقطع دابرها.

وفي تحقيق لمحمد العزاوي في بوك ميديا يقول فيه:

رياض غازي احمد، شاب من مواليد 1982 أنهى دراسته الاولى في احدى قرى بلدة الوجيهية التابعة لمدينة المقدادية في ديالى والتحق بمعهد المعلمين المركزي في مدينة بعقوبة ليتخرج معلما يساهم في اشاعة النور بين ابناء قريته فضلا عن مهنة الزراعة التي ورثها عن اسرته، الا ان هذا الامر بالتأكيد لا يروق للمجرمين الأفّاقين وابنتهم غير الشرعية "دولة العراق الاسلامية".

وفي ظهيرة يوم قائض رجع رياض من بستان اهله، فاستغل وجود الكهرباء ليأخذ قيلولة قصيرة تذهب عنه تعب النهار، فخلد الى النوم حتى دون أن يتناول غداءه خشية انقطاع الكهرباء..

كان رياض تعبا جدا في ذلك النهار، وما ان وضع رأسه على المخدة حتى ذهب في نوم عميق، وجاء ابنه الوحيد كي ينام في احضانه، الا ان زوجته سحبته كي لا يزعج الاب التعبان، وكانت العائلة في باحة الدار منشغلة في امورها اليومية ولم يدر في بالهم ان المجرمين من البعثيين والتكفيريين قد تسللوا خفية من الطرف الاخر للمنزل مستصحبين معهم مستلزمات الموت والفناء كعادتهم منذ 1963.

دقائق قصيرة واطبقت سماء المنزل على الارض.. هوت الغرفة التي ينام فيها رياض عليه، لم تعرف العائلة ما حدث، الا انهم اسرعوا الى الغرفة المهدمة فشاهدوا النيران والدخان يتصاعد.

بشكل او اخر نجحوا في اطفاء الحرائق وانتشلوا رياض من تحت الانقاض، ولكن اي رياض هذا الذي انتشلوه؟ ابنهم الشاب المليء حيوية ونشاطا اصبح جزءا من الانقاض، واجزاء مقطعة حالها حال الامتعة والاغراض المحترقة، ولكن ما الذي حدث؟ لا احد من العائلة يدري، الان ان الجيران الذين اسرعوا الى النجدة اخبروهم بان شابا ملثما خرج من الساحة الخلفية لمنزلهم وامتطى دراجة نارية كانت تنتظره وتوارى عن الانظار سريعا.

اسرعت العائلة الى نقل ابنهم الى مستشفى بعقوبة (حوالي 20 كم عن بلدتهم الوجيهية)، ولكن اي مستشفى؟ فالارهابيون يسيطرون على الطرق الخارجية المؤدية اليها فضلا عن ان المخلصين والحريصين من ملاكاتها تم تهجيرهم، فمن الذي يهتم برياض، قررت العائلة نقله الى بغداد رغم صعوبة الموقف والنزيف المستمر، العناية الربانية شاءت ان يصل رياض الى احد مستشفيات مدينة الصدر وفيه رمق من الحياة، اسرع الاطباء ومساعدوهم الى انقاذ ما يمكن انقاذه، ادخلوه الى صالة العمليات فورا، اخرجوا مئات الشظايا من جسده، اوقفوا النزيف وبدأ البتر الاضطراري لما تقطع من جسده، ساعات طويلة قضاها رياض في صالة العمليات بينما كان الانتظار والترقب يقتل زوجته وامه، وخرج الطبيب الجرّاح من الصالة يبشر العائلة بان رياض استجاب للعملية، وانه حي يرزق، لكنه لن يعود كما كان، سجدت العائلة لله،(انها ضريبة الولاء ويجب ان ندفعها) قالتها ام رياض للطبيب المعالج.

وبعد فترة علاج وتضميد استغرقت اكثر من شهر، ترك رياض المستشفى وخرج ولكن على كرسي للمعوقين، وبتر في مفصل اليد اليسرى والرجل الايسر وكسور في الرجل الايمن وفقد للبصر والسمع تماما.

هل انتهت المأساة الى هنا؟ كلا لم تنته، وانما بدأت الصفحة الاخرى التي كانت اكثر ايلاما وقساوة، فقد شرع التكفيريون بالحملة الشاملة للتقتيل والتهجير! ولان اسرة رياض هي من الاسر الصفوية والرافضة حسب وصف التكفيريين لها، فعليها اما مواجهة الموت مرة اخرى او الهجرة الى ارض الله الواسعة! ولكن هل ما زالت ارض الله واسعة فعلا!!(وين نروح رياض، حتى فلوس الكروة ما عندنا، نروح للمحافظ فهو ابن ولايتنا، بلجي يشوفلنا جاره) قالتها زوجته بحرقة!! رفض رياض هذا الطرح تماما مشيرا الى انه سيذهب الى مدينة الغرباء والشهادة، الى كربلاء المقدسة، ولكن هل انتهت مشكلة رياض في كربلاء؟

كلا بالتاكيد، يقول رياض "منذ 4 اشهر ولم استلم راتبي لانه ببساطة في مديرية تربية ديالى، وانا لا امتلك همرا! لذلك لا استطيع الوصول الى ديالى، ثم اني اسكن في بيت من التنك في منطقة تسميها ادارة محافظة كربلاء بالمتجاوزين على ارض الدولة!!! تصوروا انا الذي تعوقت من اجل هذه الدولة، وانا الذي تم الاستيلاء على داره وبستانه، امسيت متجاوزا على الدولة واراضيها، ترى هل انا من الواق واق؟ هل الخلل فيّ انا ام في هذه الدولة؟ ام في ملاكاتها؟ ترى هل بامكانك ان توصل صوتي هذا الى اولي الامر؟

قدموه على طبق مشوياُ الى امه؟!

علي احمد جعفر طفل يبلغ من العمر 4 سنوات و5 اشهر، له اخت واحدة هي مروة لها من العمرعام واحد وكم شهر، يتيم الاب، كان يسكن في حي التحرير بمدينة بعقوبة، كان ذكيا محبوبا، وامه تشم فيه رائحة الزوج الحبيب الذي خطفه مرض السرطان الخبيث وحول ربيع ايامها الى خريف تساقطت فيه احلامها الوردية التي خططا لها سوية ايام الدراسة الجامعية، السيدة ام علي ترى فية قرة عين وسلوى بعد فقد الحبيب، تداعب ابنتها مروة التي لم تبلغ من العمر عام واحد " لاتهتمي يا ابنتي ان كان المرض قد خطف اباك وانت مازلت جنين في احشاءي، فان اخاك علاوي بالتاكيد سيكون ابوك واخوك، وانه رغم عدم احساسك بما اقول فانه اخ ودود و متفاني ويؤثرك على نفسه، وها هو اليوم قد رفض الاكل لانك مريضة ولاترضعين".

السيدة ام علي ورغم انطفاء النور ومغادرة الفرح من عشها الصغير بعد وفاة حبيبها وزوجها ابو علي اثر مرض عضال لم يمهله طويلا، حريصة جدا على ان تخفي حزنها عن ابنها علي البالغ من العمر 4 سنوات و5 اشهر، وتؤمن له كل وسائل اللعب التي من شانها ادخال البهجة الى نفسه، واللحيلولة دون شعوره باليتم المبكر، كانت تتحاشى الزيارات المتكررة لاقرباءها كي تمنع ابنها من سماع كلمة بابا التي ينادي بها اقرانه اباءهم.

كانت ترى المستقبل المشرق فيه، وكانت تفكر بان تدخله الى الروضة والابتدائية ثم الجامعة وان تدخله نفس الكلية التي درسا فيها، وتامل نفسها ان يحقق علاوي لها ما عجز عنها الزوج لم يدر بخلدها ابدا، بانها تحلم مرة اخرى، وان مجرد احلامها هذه غير مسموحة عند الجانب الاخر الذي يتسيد مدينة بعقوبة ولاسيما حي التحرير الذي تسكنه .

السيدة ام علي حريصة على اقامة الشعائر الدينية شانها شان الاسر الشيعية، وخاصة في شهر محرم الحرام، واعتادت ومنذ زواجها ان تقيم ( الهريسة ) وتوزعها على الجيران في اليوم العاشر من محرم، وكان الجيران يعاونونها حتى في ايام المقبور، والكل يهرول الى بيتها حيث نكهتها الخاصة في اعداد الهريسة، لم تبالي السيدة ام علي بالظروف والاجواء الجديدة التي طرأت على مدينة بعقوبة منذ العام الماضي، وما ان جاء شهر محرم لهذا العام حتى اعدت العدة لعمل الهريسة وكان لها ذلك، لكن الاوباش الذين يزعمون بانهم جنود دولة اسلامية في بعقوبة كان لهم رأي آخر، فقد اجتموا في احدى اوكارهم النتنة وبعد مزاولة الرذيلة قرروا تلقين درس قاس لهذه السيدة الارملة( تصور شجاعتهم وبسالتهم التي ورثوها عن الصنم المتهاوي ).

وجاء العاشر من محرم وانهت السيدة عمل وتوزيع هريستها، و رغم خشيتها الا ان الامر مر بسلام، وانشغلت السيدة بتنظيف الاواني والقدور الكبيرة، وومن شدة التعب والارهاق ذهبت مبكرة على غير عادتها للنوم، ولم تدر هذه السيدة بالقرار والحكم الجائر الذي اتخذه ابناء البعثووهابية بحقها .

جاء مساء ذلك اليوم، ويا ليته لم يأت، انها نسخة مكررة من ذات الليلة في كربلاء 61 للهجرة بل كانت اكثر قساوة ومأساوية، اقتحم الباب 4 مسلحون ملثمون، كسروا الابواب ،لم يكن هناك رجل او شاب في البيت، فعن ماذا يبحث هولاء الافاقين ؟ بعثروا الاثاث وكسروا البعض الاخر وسط سيل من الشتائم والكلام البذئ، كان علاوي هو الاخر نائما فاستيظ مذعورا، فاشار احدهم اليه وتحرك اثنان تجاه وبحركة سريعة تم لفلفته مع بطانيته والخروج به الى خارج المنزل، لم تجدي توسلاتها ودموعها نفعا مع هولاء غلاظ القلوب، خذو كل شئ واتركوا علاوي، ماعندي غيره، قالتها السيدة للمجرمين، ( غدا سنعيده لك) كان هذا كل  جوابهم.

تصورت السيدة ان المجرمين يساومونها بالاموال، فراحت تجمع ما تبقى من مخشلاتها الذهبية والاموال التي صرفت الجزء الاكبر منها على مرض زوجها، وتوجهت الى كتاب الله والادعية المتوفرة في مكتبتها وسهرت حتى الصباح على امل ان يعودوا بعلاوي، ولكن متى ينبلج الصباح من هذه الليلة الكانونية؟.

كانت مستغرقة في صلاة الفجر عندما سمعت السيدة ام علي طرقا خفيفا على الباب، اكملت صلاتها وذهبت الى الباب، وياهول ما شاهدت عند الباب... الله اكبر الله اكبر...ابنها علاوي مشويا مع الطماطة والبصل والبهارات في احدى صينياتها التي فقدت يوم امس.... الله اكبر الله اكبر صاحت باعلى صوتها.. على الدنيا بعدك العفا يا علاوي... الحمد لله ...، انا لله وانا اليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون، ان كان هذا يرضيك فلا اعتراض... يا ربي تقبل هذا القربان بقبول حسن، قالتها السيدة المنكوبة المفجوعة بابنها الوحيد.

هذه الفاجعة هل سمع بها المشهداني والعطية عندما كانا يتبادلان الضحك بينما كانت النائبة بشرى الكناني تسردها امام مجلس النواب الموقر!، وهل يدرك السيد هادي العامري حجم مأساة هذه السيدة عندما يحاول هو الاخر تهميش قضية ديالى من خلال تعميم الطرح وتسويفه؟ ترى لمن تشكي هذه السيدة اذا كان اولي الامر من امثال المشهداني والعطية!!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 18 آيار/2007 -29/ربيع الثاني/1428