المسيحية معززة بالتوراة مبررا للحرب الامريكية في الشرق الاوسط

شبكة النبأ: رغم أن العديد من رجال الدين المسيحيين رفضوا الحرب في العراق وشددوا على أنها حرب غير شرعية، كما رفضوا إضفاء طابع الدين أو الشرعية الإنجيلية عليها بمن فيهم الراحل البابا يوحنا بولس الثاني وخلفه البابا بنديكت الـ16 وعشرات القساوسة الكاثوليك والبروتستانت والإنجيليين، الا ان الفكرة الرئيسية والمحورية التي اخذ يرددها القساوسة الإنجيليون خلال صلاة  يوم الأحد هي أن الولايات المتحدة بقيادة بوش مفوضة وتعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض!، وهذه المسألة لم تقتصر على رجال الدين الإنجيليين وحسب بل رددها العديد من السياسيين سواء بشكل مباشر ام ضمني. حيث يعتقد هؤلاء ان الحرب على العراق واحتواءه هي جزء اساسي من حرب نهاية العالم التي ستجري بين قوى الخير والشر.

وخلال الحملة الانتخابية للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة قال جورج بوش الابن إن السيد المسيح هو أفضل فيلسوف سياسي لديه لكونه أنقذه من طريق الضلال ودلّه على الصراط المستقيم.

وهذا التقرير الذي نشره موقع تقرير واشنطن يحاول إبراز مدى التسويغ الديني لغزو أفغانستان والعراق من خلال التركيز على التصريحات الصادرة عن الرئيس بوش نفسه و"الفتاوى" الصادرة عن الكنائس الأميركية التي رددتها وسائل الإعلام الدينية التابعة لليمين المسيحي عموما وللصهيونية المسيحية خصوصا واستخدامها لنصوص من الإنجيل وأسفار التوراة (العهد القديم) لتبرير الحرب في الشرق الاوسط وبالذات في العراق.

بوش: الله اختارني!؟

يرى بعض المراقبين أن الرئيس بوش ومساعديه يتعمدون استخدام العبارات ذات المعنى المزدوج التي تظهر على أنها عادية بالنسبة للمستمع العادي، لكنها تحمل في طياتها إشارات مشفرة لا يستطيع فكها سوى الشخص الذي يفهم معناها الحقيقي ويدرك المرجعية الدينية التي تستند إليها.

بعبارة أخرى، عندما يقول الرئيس بوش مثلا إن "منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة تاريخية ومفصلية يتوجب على شعوبها الاختيار بين الديمقراطية والحرية وبين الاستبداد والتطرف" يتلقى الشخص العادي هذه العبارة بمعناها السطحي والمظهري على أنها تنم عن حسن نية والتزام الرئيس بوش بالمبادئ الأميركية الراسخة المتمثلة في الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان.

لكن بالنسبة للشخص المتدين، وأعني هنا بالتحديد الملايين من أتباع الكنائس الإنجيلية الذين يشكلون القاعدة الانتخابية للرئيس بوش ولليمين المحافظ، تبرز التزام الرئيس بوش بتطبيق حكم الله في الأرض، وتحقيق الرؤية التي نص عليها الإنجيل والعهد القديم ووردت في سفر الرؤية، أي تخليص منطقة الشرق الأوسط من قوى الشر الذي هو شرط أساسي لعودة المسيح، وتحضير المنطقة لخوض المعركة الأخيرة التي سينتصر فيها الخير على الشيطان وبالتالي إقامة دولة الله على الأرض.

ومنذ الوهلة الأولى لدى وقوع هجمات 11 سبتمبر أضفى بوش على ما يجري صفة النزاع الكوني والأبدي، الذي ينص عليه الإنجيل والتوراة، بين المؤمنين والدجالين أتباع الشيطان. وقال عقب ساعات قليلة من وقوع الهجمات إن تلك الهجمات تمثل "انطلاقة الحرب الكونية ضد الشر".

وأضاف أن الولايات المتحدة مدعوة لكي تتحمل "مهمتها التاريخية" وأن "الرد على هذه الهجمات هو تخليص العالم من الشر". وشدد على أن النصر مؤكد في هذه الحرب لأن الله يقف إلى جانب قوى الخير التي تمثلها الولايات المتحدة.

وردد حينها خلال خطاب بثته وسائل الإعلام المزمور التوراتي رقم 23 الذي يقول "تقدم إلى الأمام ودافع عن الحرية وعن كل ما هو خير وعادل في عالمنا".

وخلال جميع التصريحات التي سبقت الحرب في أفغانستان واستمرت حتى بعدها وصولا إلى الحرب في العراق، واصل الرئيس بوش استخدام التعبيرات الدينية والاستشهاد بفقرات من الإنجيل في محاولة لتوضيح نظرته الخاصة لما يجري في العالم.

الكنائس تحشد للحرب استشهادا بالإنجيل

وأظهر استطلاع للرأي العام الأميركي أجراه معهد بيو لاستطلاعات الرأي في مارس 2003، قبل أيام قليلة من الحرب في العراق أن نسبة 77% من الإنجيليين البيض يؤيدون استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية للإطاحة بنظام حكم صدام.

ويجب الإشارة هنا إلى أن مجموع الإنجيليين بلغ أكثر من 60 مليون شخص خلال عام 2000 وهو في تصاعد مستمر، وهو ما يظهر مدى تأثير الكنائس الإنجيلية والقساوسة في بلورة رأي هذه الشريحة الاجتماعية التي تشكل قاعدة انتخابية رئيسة للرئيس بوش والمحافظين الجدد، وذلك من خلال الترويج للفكرة التي تعتبر أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس بوش "القائد المتدين والتقي الورع" تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض.

العراق نقطة محورية خلال أحداث نهاية العالم

يعتبر تيم لاهاي أحد أبرز الإنجيليين المقربين من الرئيس بوش وقال عنه معهد دراسة

الإنجيليين الأميركيين أن لاهاي يعتبر الزعيم الإنجيلي الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة على مدى السنوات الـ25 الأخيرة من القرن العشرين.

ظهر لاهاي مرات عدة على شاشات التلفزيون والبرامج الحوارية الإذاعية للتصريح بأن الحرب سواء في أفغانستان أو العراق ضرورية بالنسبة للمؤمنين.

وذهب إلى حد القول خلال العديد من المناسبات إن "العراق يشكل نقطة محورية خلال أحداث نهاية العالم" حيث إن العراق سيلعب دورا أساسيا في معركة هرمجدون التي ستقع في مجدو في فلسطين.

وقال في سلسلة مقالات وتصريحات صحفية بوصفه أكبر خبير ديني في شؤون الحشر ويوم القيامة إنه "بعد غزو العراق وتخليصه من حكم الطاغية وإعتاق شعبه وإعادة إعماره سيصبح العراق الدولة العربية الوحيدة التي لن تدخل في حرب ضد إسرائيل وضد جيش الله خلال الحرب الأخيرة".

صدّام وإخراج اليهود

بناء على رؤية أن العراق يمثل جزءا محوريا من الصراع الهادف إلى تحضير منطقة الشرق الأوسط للحرب الأخيرة، حاول بعض القساوسة الإنجيليين ومن أبرزهم بات روبرتسون وهو مؤسس ورئيس شبكة التلفزيون المسيحية CBN ومؤسس بعض المراكز والجامعات الخاصة بتدريس المسيحية، الربط بين صدام حسين و"نبوخذ نصر"، وهو الملك الكلداني الذي حكم بابل خلال القرن الخامس قبل الميلاد وقام بغزو القدس وأحرق هيكل سليمان وأخرج اليهود من أرضهم وقام بتهجيرهم خلال ما يعرف بالسبي البابلي. وقد نصت عليه التوراة (وثيقة العهد القديم) في رؤية دانييل (إصحاح4:4-18).

وحاول روبرتسون مرات عدة خلال برنامجه الشهير "نادي السبعمائة" تهويل الخطر الذي يشكله صدام حسين على إسرائيل وقال إنه يمثل قوى الشر المعادية للمسيح التي تحاول تقويض قيام الدولة الموعودة "دولة الله في الأرض" التي ستقام لمدة 1000 سنة بعد عودة المسيح وذلك بطبيعة الحال وفقا لمعتقدات المسيحيين الذين يؤمنون بالألفية.

وقبيل الحرب في العراق خصص روبرتسون حيزا واسعا من برنامجه نادي السبعمائة وخطبه لتوضيح أهمية موقع العراق والشرق الأوسط عبر التاريخ وعبر توافد العديد من الإمبراطوريات عليها وكان يُظهر خرائط للعراق مشددا على الإشارة إليه باسمه القديم ومثلما ورد في الإنجيل وهو بلاد الرافدين.

فالويل: الله مؤيد للحرب

يعتبر جيري فالويل من أبرز الإنجيليين اليوم في الولايات المتحدة ومن مجموعة القساوسة القلائل المقربين من الرئيس بوش. هو رئيس قساوسة كنيسة طريق توماس المعمدانية في لينش بورغ بولاية فيرجينيا، وهو مؤسس بعثات فالويل المسيحية ومستشار ومؤسس جامعة الحرية الدينية بفيرجينيا أيضا، ولديه برنامج تلفزيوني وآخر إذاعي.

وقال مرة تلو الأخرى عقب هجمات 11 سبتمبر إنه يتعين على الرئيس بوش والقوات الأميركية تعقب أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وجميع من وصفهم بالإرهابيين في جميع أنحاء العالم مهما استغرق ذلك من وقت وقتلهم باسم الله.

وفي الوقت الذي كانت فيه حكومة الرئيس بوش تدق طبول الحرب التي ستشنها على العراق كان فالويل يشدد خلال عظات يوم الأحد على ضرورة تأييد قرار الحرب لأنها حرب مقدسة، وقال "إننا عندما نشن الحرب في العراق سنقوم بذلك لإعادة المسيح إلى الأرض لكي تقوم الحرب الأخيرة التي ستخلص العالم من جميع الكافرين".

وكان فالويل يقول دائما  إن الإنجيل ينص على أن الله يوجب على المؤمنين معاقبة الكافرين مستشهدا بسور من الإنجيل. وقد أصدر مقالا مثيرا للجدل أطلق عليه عنون "إن الله مؤيد للحرب" يبرر فيه سبب وضرورة غزو العراق والإطاحة بنظام حكم صدام، وقال إن المسيحيين كانوا يجادلون بشأن قضية شن الحرب ضد قوى الشر منذ عقود طويلة وأضاف أن "الإنجيل لم يلتزم الصمت بشأن هذه القضية"، وأضاف أنه في الوقت الذي نص فيه الإنجيل مرات عدة على ضرورة أن يجنح المرء للسلم نص أيضا على الحرب.

وقال "إنه في الوقت الذي يعتبر فيه رافضو الحرب أن السيد المسيح مثال للسلام غير المتناهي، يتجاهلون الرواية بكاملها التي وردت في الرؤية التاسعة عشرة ويظهر فيها المسيح في يده سيف حاد يصعق الأمم ويحكمهم". وأضاف أن الانجيل ينص على أن هناك وقتا للسلم ووقتا للحرب.

لاند: حرب ‏العراق عادلة

القس ريتشارد لاند هو رئيس لجنة الأخلاق والحرية الدينية في مجمع الكنسية المعمدانية الجنوبية التي يبلغ عدد أتباعها أكثر من 16 مليون شخص ولديها أكثر من 42 ألف كنيسة عبر الولايات المتحدة. ويعتبر أيضا من أبرز الزعماء الإنجيليين المقربين من الرئيس بوش والمدافعين الشرسين عن سياساته خلال ظهوره بشكل مستمر على البرامج التلفزيونية على شاشات MSNBC وCNN وABC وCBS وFox News وغيرها ولديه برنامجان إذاعيان يوميان وثالث أسبوعي تذاع جميعها على موجات عدد من الإذاعات المسيحية.

وبالإضافة إلى تسخير جميع تلك البرامج لحشد التأييد لسياسات الرئيس بوش المحافظة، ما يتعلق منها بقضية الإجهاض وزواج المثليين والأبحاث العلمية الخاصة بالخلايا الجذعية، كانت برامج لاند الحوارية بوقا للتسويق لقرار الرئيس بوش شن الحرب في أفغانستان والعراق وحشد التأييد الشعبي لها ومنحها التبريرات الدينية.

خلال العام 2002 وجه لاند رسالة نيابة عن خمسة قساوسة إنجيليين تناقلتها وسائل الإعلام الأميركية بشكل واسع يعتبر فيها أن شن الحرب الاستباقية ضد العراق حرب مشروعة لأنها تتوفر على جميع شروط "الحرب العادلة" المنصوص عليها في الدين المسيحي. وقال في الرسالة "إننا نؤمن بأن سياساتك المعلنة والمتعلقة بصدام حسين هي سياسات حذرة وتندرج في الإطار الزمني النزيهة الذي تنص عليه نظرية الحرب العادلة".

ستانلي: دعم الحرب واجب ديني

وقال تشارلز ستانلي القس بالكنسية المعمودية الأولى بأتلانتا خلال إحدى عظات الأحد التي يشاهدها ملايين المشاهدين عبر شاشات التلفزة "يتعين علينا أن نقدم المساعدة في شن هذه الحرب بأي شكل من الأشكال".

وأضاف ستانلي وهو زعيم سابق لمجمع الكنسية المعمدانية الجنوبية "إن الله يقاتل ضد الذين يعارضونه ويقاتلون ضده وضد أتباعه". ليكون بذلك القس ستانلي قد أضفى الشرعية الدينية الكاملة على الحرب ومباركة الله لها، وبالتالي فإن تأييد الحرب التي يقودها بوش هو واجب ديني ومعارضتها هي معصية لمشيئة الله.

وعلى ما ذكر أصبحت الفكرة الرئيسة والمحورية التي يرددها القساوسة الإنجيليون خلال صلاة  يوم الأحد هي أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس بوش تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض.

وهذه المسألة لم تقتصر على رجال الدين الإنجيليين وحسب بل رددها العديد من السياسيين سواء بشكل مباشر وواضح أم بشكلي ضمني. ففي أكثر من مرة قال النائب توم ديلي عندما كان يتولى منصب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب إنه يتعين دعم الحرب ضد العراق لأنها "البشير الذي يسبق عودة المسيح إلى الأرض ويفسح المجال لحدوثها".

فالجنرال بويكن قائد العمليات السرية في الجيش الأميركي ذكر في العديد من التصريحات أن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد ما تصفه بالإرهاب هي صراع بين القيم المسيحية اليهودية والشيطان.

وكان الجنرال يويكن يتولى مهمة القضاء على أسامة بن ولادن وصدام حسين وعُين فيما بعد نائبا لوزير الدفاع لشؤون الاستخبارات قال في يونيو 2003 في كلمة بإحدى الكنائس بولاية أوريغان إن "المتطرفين الإسلاميين يكرهوننا لأننا أمة مسيحية، ولأن أساسنا وجذورنا تنبعث من القيم اليهودية المسيحية". وتابع يقول إن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الإرهاب "هي حرب ضد عدو اسمه الشيطان".

وقال إن الرئيس بوش "تولى منصب الرئاسة في البيت الأبيض لأن الله اختاره لتولي ذلك المنصب". وقال في كلمة بإحدى الكنائس عام 2002 وهو يرتدي الزي العسكري الأميركي "إننا جيش الله، في بيت الله، وقد أقيمت مملكة الله لمثل هذه الأوقات التي نعيشها".   

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من رجال الدين المسيحيين رفضوا الحرب في العراق وشددوا على أنها حرب غير شرعية كما رفضوا إضفاء طابع الدين أو الشرعية الإنجيلية عليها بمن فيهم البابا يوحنا بولس الثاني وخلفه البابا بنديكت الـ16 وعشرات القساوسة الكاثوليك والبروتستانت والإنجيليين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء  16 آيار/2007 -27/ربيع الثاني/1428