الحل الجديد: تقسيم بغداد طائفيا تمهيداً لإعادة الاحتلال أو تكريسه

 شبكة النبأ: الفرز الطائفي في جنوب بغداد الذي يتقاسم فيه السكن والمصالح مجتمعات سنّية وشيعية قسّمها إلى كانتونات متداخلة تسيطر عليها مليشيات مسلحة، وقد يبدو للوهلة الاولى ان هذه العصابات وجدت لحماية أهل المنطقة ولكن قيامها بأفعال انتقامية خارج نطاق المنطقة التي تتواجد بها بالاضافة الى قيامها بأعمال تطهير عرقي وفرز مذهبي أكسبها طابعا اجراميا وخروجا فاضحا على القانون، في حين يعمد ارهاب القاعدة المحسوب على السنّة والمدعوم من فصائل سنّية مسلحة على تاجيج اعمال العنف الطائفي من خلال تفجيرات عشوائية مريعة في الاسواق والاماكن العامة لغرض ايقاع اكبر عدد من الخسائر بين المدنيين في مناطق الشيعة وبالتالي التحريض على قيام الشيعة باعمال انتقامية مما يؤدي الى الفوضى وانعدام الامن. حيث بدأت القاعدة بالتركيز منذ العام الماضي على هذا الاسلوب بعد عجزها من مواجهة القوات الامريكية وقوات الامن العراقية.

وفي ظل ذلك يستمر الامريكان في تغيير التكتيكات وآخرها احاطة المناطق الساخنة في بغداد كالأعظمية والدورة بأسيجة كونكريتية لغرض السيطرة على مداخل ومخارج هذه المدن مما يؤدي لتكريس التقسيم الطائفي للعاصمة وزيادة العزل بين مكونات الشعب فيها، الامر الذي ستترتب عليه تداعيات اجتماعية وانسانية سلبية اكثر مما هو في الوقت الحاضرعلى العلاقات بين المواطنين.

وقال شهود عيان في منطقة حي العامل الوقعة جنوب بغداد ان الاشتباكات ما زالت متواصلة بين القوات الأمريكية ومجاميع من المسلحين مجهولي الهوية، في المنطقة الممتدة على طول شارع نيسان المركزي في المنطقة والذي فصل المنطقة الى منطقة شيعية على جهة نقطة مركزية لأسواق البيت الياباني، المتخصص بتسويق قطع غيار السيارات، والتي تسكنها عشائر المكاصيص المتحدرة من مدينة العمارة، مقابل الجهة الاخرى التي تسكنها عشائر الجنابيين، وتسكن فيها صاحبة القضية المعروفة صابرين الجنابي.

وقال ر.ص احد الساكنين في هذه المنطقة لـ الوطن ان الفصل الطائفي بات واضحا، لترحيل الشيعة او السنة من كلا الجانبين، حتى ان بعض السكان اخذوا يتبادلون الدور لترحيلهم الاجباري على ضفتي الشارع، في الجهة الشيعية هناك مكتب لجيش المهدي، يدافع عن الشيعة والسنة فيها، مقابل جهات غير معروفة في الجهة الاخرى، ترفض الدفاع عن الشيعة وتقوم بترحيلهم منها، مؤكدا ان اغلب المقاتلين في ذلك الجانب هم من الافغان العرب، ذوي الضفائر والملابس المعروفة من الدشاديش القصيرة، والعصائب التي لا تعرف الانتماء الى اية ازياء عراقية او عربية.

ولا يمكن لأي صحافي التجول في هذه المنطقة، او حتى محاولة الدخول اليها، وتبدو من منافذها مقفرة ومهجورة من ساكنيها الذين فضّلوا الارتحال الى مناطق اخرى خارجها، كما فعل أبو ابراهيم، الذي وجد سكنا له ولعائلته المؤلفة من 14 فردا في منطقة شارع فلسطين، التي تبدو اكثر امنا من منطقة الاشتباكات في حي العامل، ويقول لم نستطع الخروج لأعمالنا في مركز بالعاصمة الا باتباع طرق بديلة، جعلت اولادي يبكرون يوميا بمعدل ساعة او اكثر فقط للوصول الى نقطة مواقف السيارات الصغيرة الكيا، في حين لم يكن ذلك يتجاوز عدة دقائق،من اجل الوصول الى مركز بغداد. وهناك مخاطرة كبيرة بالدخول والخروج يوميا الى هذه المنطقة، حيث يقوم القناصة من كلا الجهتين باستهداف عشوائي لأي مار في الازقة المتقابلة على الجهتين.

وفي وصفه لمواقف القوات العراقية والقوات الامريكية في الرد على القناصين، يقول ابو ابراهيم لـ الوطن انه طلب من قوات البشمركة المتواجدة في المنطقة اقامة سيطرات ثابتة للرد على القناصة، فكان جوابهم، ان الاوامر تفيد بعدم الرد الا في حالة استهدافهم شخصيا، وترك اية مصادر لاطلاق النار، في حين كانت قوات المغاوير او حفظ النظام، وهي قوات تابعة لوزارة الداخلية، ترد على القناصة من اية كانت، مبينا ان شيعة المنطقة ينظرون بعين الريبة لتصرفات البشمركة كونهم يصلون في جوامع السنة، على حد قوله!

شارع الموت

ويضيف ابراهيم، إبنه البكر، انه حينما تصل القوات الأمريكية الى المنطقة يختفي المسلحون من كلا الجانبين، ويسود الهدوء في هذا الشارع الذي اخذ الاهالي يطلقون عليه تسمية شارع الموت، وفي احدى المرات، ردت القوات الامريكية على مصادر النيران فور وصولها، ولكن بعض الاطلاقات من المدفع الرشاش للهمر الامريكية اصاب امراة وطفليها، حيث خرج الصبية لمشاهدة القوات الامريكية فاصيبوا وخرجت الام وراءهم فاصيبت هي الاخرى.

الخبير الامني، عميد الشرطة المتقاعد قاسم الدراجي قال لـ الوطن ان احدى الصعوبات التي تواجه القوات الامنية في مسك زمام الامور في منطقة مثل حي العامل وجود حالة واضحة من الفرز الطائفي تتمثل في وجود قواعد لجيش المهدي من جهة وقواعد للجيش الاسلامي وتنظيم القاعدة من جهة اخرى في منطقة لم تكن يوما في اية من ازقتها خالصة الانتماء للشيعة او السنة.

ويضيف حالة الفرز الطائفي أدت الى توفر ملاذات آمنة لكلا الجانبين لتنفيذ عمليات انتقام  متبادلة، لا يمكن للسيطرات المتواجدة في شارع الموت ايقاف القناصة، وعملياتهم التي تظهر وتختفي بمجرد الرد على عمليات قام بها الطرف الاخر، كما هي حالات اطلاق قذائف الهاون من كل طرف ضد الاخر.

وفي رده على سؤال الوطن عن الحل، قال الخبير الامني الحل بيد القيادات السياسية التي تزود كلا الطرفين بالمال والسلاح لخلق حالة الفصل الطائفي في منطقة كانت حتى وقت قريب منسجمة ولا يوجد فيها توتر مذهبي، وليس بيد القوات الامنية وحدها، والقرار ليس بيد من يضع يده على الزناد ليقتل على الهوية، بل في تلك الايادي

العراقية والاقليمية والدولية التي تزود الجميع بمبررات هذا الفرز الطائفي والمال السياسي الحرام!!

خطوط بديلة

من جانبه، قال كريم علوان الغزي، وهو سائق سيارة نقل كانت تعمل على خط حي العامل ـ البياع، ان الكثير من زملائه قد استبدلوا مساراتهم الى خطوط بديلة، وما زال يواصل عمله في هذا الخط كونه يسكن في المنطقة ومعروف من قبل الجانب الشيعي فيها، لذلك هناك الان شبه اتفاق لتشخيص السيارات منها ما يأخذ طريقه باتجاه منطقة الاسواق في الجانب الشيعي، والتي توصل من تبقى من السكان الى منازلهم بامان نسبي من الجهة الخلفية لازقتهم، كما يقوم السنة باتباع ذات الاسلوب لسيارات وسواق بعينهم، باتجاه منطقة النفوذ السني.

ويرد العميد المتقاعد الدراجي ذلك الى ما كان يحصل خلال الحرب الأهلية في لبنان، وتقسيم بيروت الى كانتونات لنفوذ المليشيات، لان المواطن الساكن في اية منطقة لا يرغب الا بالامان في وصوله الى منزله، ولا يسأل عن نتيجة هذا الفرز الطائفي الذي يبدو انه اخذ يترسخ في هذه المنطقة تحديدا وهو حالة قائمة ليس في حي العامل لوحدها بل في مناطق مختلفة من صوب الكرخ، الذي تنتشر فيه المليشيات في ظل غياب نسبي لخطة فرض القانون، التي لم تصل بعد الى مناطق مثل حي الجهاد، او مناطق الدونمات في حي المواصلات القريبة من منافذ بغداد المفتوحة على مناطق وصول الجماعات المسلحة من خارج بغداد.

خطوة أخرى على طريق التقسيم

يقول الكاتب ماك اسكل في صحيفة الغارديان، تعكف الادارة العسكرية الامريكية في العراق على بناء جدار إسمنتي يمتد ثلاثة اميال طولا في قلب مدينة بغداد الذي يضم اكثر خطوط التماس خطورة بين المسلمين السنة والشيعة.

ومن الواضح ان هذا الجدار الذي يشكل اعترافا بالانقسام الطائفي القائم في العاصمة هو جزء اساسي من جهد اخير من جانب الرئيس جورج بوش لتهدئة الاوضاع في المدينة، وكان العمل قد بدأ به تحت جنح الظلام في العاشر من ابريل، ومن المتوقع ان يكتمل بناؤه في نهاية هذا الشهر.

وكان لابد ان يثير هذا الجدار الذي ينطوي على بُعد رمزي كبير مقارنات مع حواجز تقسيمية اخرى كتلك القائمة بين البروتستانت والكاثوليك في بلفاست، وكالجدار الممتد على طول حدود الضفة الغربية الفاصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

يقول الكابتن سكوت ماكليرن الذي يعمل في معسكر النصر وهو قاعدة امريكية تقع في ضواحي بغداد: يأتي الشيعة الى احياء السنّة ويمعنون فيه تخريبا ردا على عمليات التفجير الانتحارية والسيارات المفخخة، ويرد السنّة بهجمات انتقامية عبر الشوارع، لذا اعتقد ان بناء مثل هذا الجدار يمكن ان يكون مفيدا.

لكن بالرغم من امتلاء بغداد بالحواجز ونقاط التفتيش لاسيما حول المنطقة الخضراء التي يتمركز فيها الامريكيون والبريطانيون والحكومة العراقية، الا ان هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إقامة جدار على أسس طائفية.

ويأتي بناؤه بعد ان بدأ الوضع الأمني يزداد تدهورا في الآونة الأخيرة بالرغم من زيادة عدد الجنود الامريكيين بالعراق.

فقد أدى التفجير الضخم، الذي وقع الاسبوع الماضي في سوق الصدرية ذي الاغلبية الشيعية إلى مقتل 140 شخصا، وهذا أكبر عدد للضحايا الشيعة ضمن تفجير واحد في العاصمة منذ الغزو الامريكي للعراق عام 2003.

ولاشك أن نصب الجدران مسألة مثيرة للجدل عموما فالحكومة الاسرائيلية تؤكد أن الجدار الذي بنته في الضفة الغربية يقلل التفجيرات الانتحارية لكن الفلسطينيين الذين تأثرت معيشتهم على نحو خطير بسبب هذا الجدار يقولون إنه يرسخ الانقسامات ويؤيدهم في هذا بعض الإسرائيليين ايضا.

والآن يقوم الجنود الامريكيون من معسكر التاجي الواقع على مسافة 20ميلا تقريبا إلى الشمال من بغداد ببناء الجدار الذي يرتفع إلى ثلاثة أمتار ونصف المتر وكانت 12 شاحنة كبيرة قد نقلت في الليلة الأولى من العمل حواجز خرسانية ضخمة يزن الواحد منها 6300 كيلو غرام ثم بدأت الرافعات بحراسة الدبابات ـ بنصب الجدار الذي لا يزال العمل متواصلا فيه كل ليلة منذ ذلك الوقت وإلى الآن.

والمثير أن اخبار إنشاء هذا الجدار جاءت في وقت أثار فيه السيناتور الديموقراطي هاري ريد سخطا جديداً داخل البيت الابيض عندما زعم ان وزيري الدفاع روبرت غيتس والخارجية كوندليزا رايس يعرفان ان الحرب في العراق خاسرة.

بيد أن غيتس خلال زيارته الأخيرة لبغداد قال: إني أختلف تماما مع ريد حول ما نسبه لي بشأن الحرب.

والحقيقة ان عمليات التطهير العرقي التي بدأت بعد الغزو الامريكي ادت الى تغييرات واضحة سكانياً جعلت بغداد مدينة مقسمة طائفياً، فالسنة يعززون مواقعهم في المنطقة الواقعة غرب نهر دجلة الذي يمر في منتصف المدينة، بينما يعيش الشيعة في المنطقة الواقعة شرقي النهر.

ويبدو ان اخبار هذا الجدار لم تنتشر سريعاً الا اخيراً، فقد قال الميجر جنرال وليم كولدويل، الذي يتحدث باسم الولايات المتحدة في بغداد عادة انه لم يكن على علم بجهود بنائه واضاف: ان هدفنا هو توحيد بغداد لا تقسيمها الى جيوب منفصلة.

الا ان النشرة العسكرية الصحفية الصادرة عن معسكر النصر قدمت تفاصيل وافرة حول انشاء الجدار فقد ذكرت ان المنطقة التي سيحميها الجدار هي اكبر حي كان يهيمن عليه السنة في شرقي بغداد، وكان الجدار هو جزء رئيسي من استراتيجية جديدة للتآلف والقوات العراقية لوقف دورة العنف الطائفي.

وتتضمن هذه الاستراتيجية انشاء سلسلة من البوابات عبر الجدار تسيطر فيها القوات الامريكية على حركتي الدخول والخروج وذلك بهدف منع تحرك المتمردين والتفجيرات الانتحارية.

بيد ان هذا الجدار يثير مشاعر متباينة لدى سكان الاعظيمة، فقد قال احمد عبدالستار الذي يعمل موظفاً حكومياً: لا اعتقد ان هذا الجدار سيحل مشكلات الامن في المدينة فهو لن يؤدي إلا الى زيادة الانفصال بين الناس مما يؤجج نيران الحرب من جديد.

انتقادات للجيش الأمريكي حول "سور الأعظمية"

وتتعالى الانتقادات ضد جدار الأعظمية، الذي يشيده الجيش الأمريكي لتطويق الحي السني، ووصفه البعض بـ"العقاب الجماعي" فيما قال الجيش الأمريكي إن الجدار لحماية الحي "الواقع في وسط دوامة عنف طائفي وهجمات انتقامية"، على حد زعمه. بحسب الـ CNN

وكشف الجيش الأمريكي الأسبوع الفائت عن خطة بناء جدار الأعظمية، بطول خمسة كيلومترات وارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر، لحماية هذا الحي السني في بغداد، نافياً أن يكون الهدف منه تكريس تقسيم العاصمة العراقية.

وستعمل قوات الأمن العراقي على حراسة مداخل ومخارج الحي، وفق بيان الجيش الأمريكي.

وتثير الخطوة قلق الكثير من سكان الحي الذين نفوا مشاورة القوات الأمريكية لهم قبيل تنفيذ المشروع.

وعلق أحدهم قائلاً "السور سيحول الحي إلى سجن.. هذا عقاب جماعي لسكان الأعظمية.. سيعاقبوننا جميعاً من أجل قلة من الإرهابيين."

وأضاف قائلاً: "هذا العام الرابع من الاحتلال ونشهد تزايد الحوائط العازلة يوماً بعد يوم لتزيد من اختناق الشعب أكثر وأكثر."

ويشار أن القوات الأمريكية والعراقية تقيم المزيد من المتاريس والحواجز الإسمنتية العازلة حول الأسواق والقواعد العسكرية ونقاط التفتيش في بغداد وبعض المدن الأخرى كالرمادي في محاولة لصد الهجمات، تحديداً الضربات الانتحارية بواسطة السيارات المفخخة، إلا أن مشروع الأعظمية هو الأضخم لاستخدام الحواجز للفصل بين الشيعة والسنة.

وقال مواطن عراقي آخر إن القوات الأمريكية تعمل جاهدة لتقسيم أحياء العاصمة إلى طوائف، ونوه قائلاً "هذا جيد إذا كانت خطوة مؤقتة للمساعدة في القضايا الأمنية، وسيعد كارثة على المواطنين إذا بقى على المدى الطويل."

وفي نفس السياق نقلت وكالة(اصوات العراق) قول مصدر أمني مسؤول في الشرطة العراقية  ان القوات الامنية في قضاء المقدادية باشرت بوضع جدار عازل في وسط القضاء ضمن اجراءات أمنية تتخذها السلطات في القضاء.

وأوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في إتصال هاتفي، ان القوات الامنية باشرت بوضع جدار كونكريتي وسط قضاء المقدادية ضمن اجراءت أمنية اتخذتها السلطات في القضاء الى جانب حماية عدد من الاحياء."

وأضاف أن "الجدار سيمّكن من وضع منافذ محددة لقضاء المقدادية الامر الذي يفرض سيطرة كاملة على مداخل ومخارج المدينة للحد من الهجمات المسلحة التي تشن في القضاء الى جانب فرض نقاط سيطرة على تلك المداخل ضمن اجراءات امنية جديدة تفرض في المقدادية."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23 نيسان/2007 -6/ربيع الثاني/1428