أبقار الحب ودراجات الموت في السودان

شبكةالنبأ: السلام النسبي بعد حرب أهلية لأكثر من عشرين عام في جنوب السودان يدفع الناس الى فسحة أمل في التفكير بالزواج والاستثمار، وهما أمران كلاهما لا يتعدى بشكل تقليدي تقديم أبقار او الاحتفاظ بها.

ويطالب اولياء العروس بالابقار التي تم التعهد بتقديمها كمهر خلال سنوات الحرب الطويلة، وقد أدى ذلك بالاضافة إلى زيادة مفاجئة في الاموال المتوفرة الى رفع سعر الماشية بشكل كبير.

ولكن من عادة السودانيين، حسب تقرير لرويترز، الاحتفاظ بأبقارهم وعدم بيعها مما يدفع التجار في اوغندا المجاورة استغلال ارتفاع الاسعار لبيع ماشيتهم في السودان، وقد أدى التدفق الكبير للأبقار على السودان من أوغندا في خلق عجز تجاري وتشجيع سرقة الماشية وإلحاق أضرار بالمراعي.

وتحاول السلطات في السودان تغيير مفاهيم الناس وتشجيعهم على التحول الى الرعي بهدف الربح وبيع ابقارهم الفائضة على فترات منتظمة لتحقيق ارباح مالية.

وهذه ليست مهمة سهلة، فالابقار خلال عقود من الحرب كانت أحد المقومات القليلة للثروة لكثير من الناس ولاسيما أحفاد الرعاة الذين يعيشون على لبنها أو دمها أو لحومها ويحسبون ثروة الرجل بناء على حجم قطيعه.

وقالت سارة نياندنج التي تعيش في جوبا عاصمة الجنوب ولكنها قادمة من مناطق رعوية في الشمال"عليك أن تقدم أبقارا من أجل الزواج ولا تستطيع تحقيقه مجانا او المقابل مال حتى."

وعلى الرغم من استمرار الصراع في اقليم دارفور الواقع في اقصى غرب السودان فان اتفاقية ابرمت بين الشمال والجنوب عام 2005 أدت الى إحلال السلام في الجنوب بعد حرب أهلية استمرت اكثر من 20 عاما.

وادى تدفق المال الذي جلبه السلام بالاضافة الى تراكم الطلب على الابقار لتدفع كمهور للزواج الى رفع الاسعار ووقف تدفق سابق للماشية من السودان الى اوغندا.

وتقول السلطات انه منذ اتفاقية السلام التي ابرمت في يناير كانون الثاني عام 2005 استورد السودانيون الابقار بأعداد لم يسبق لها مثيل.

وقال جون اوجوسو كانيسيو مدير عام التخطيط والاستثمار والتسويق بوزارة الثروة الحيوانية

والسمكية "اعتدنا خلال الحرب تزويد شمال اوغندا بأكثر من ألفي رأس ماشية شهريا." وتأتي الان الاف من رؤوس الماشية من اوغندا .

وقال فيستو كومبو وزير الثروة الحيوانية والسمكية "نحتاج الى إعادة تثقيف الناس بشأن استخدام الابقار للمكسب الاقتصادي. فلنستخدم حيواناتنا لتحقيق مزيد من الاموال لنا وليس الاحتفاظ بها بأعداد كبيرة.

"كنا نملك حيوانات اكثر من اوغندا لكنها يأتون بها الى هنا، سوقنا اكثر ربحا لاننا جعلناها غالية."

واضاف أن الاوغنديين لهم الحرية في نقل ماشيتهم الى السودان بموجب اتفاقية اقليمية للتجارة الحرة.

وقال كومبو إن بيع الماشية في السوق هو الحل الوحيد لمشكلة الرعي المفرط مع بدء اتلاف القطعان المتزايدة لبعض من المراعي الكثيفة بجنوب البلاد.

وقالت نياندنج ان الماشية اصبحت اغلى ولكن تقديم ما بين 100 و100 رأس للعروس أمر عادي في منطقتها.

وذكر احد سكان جوبا من الرعاة النمطيين أن بيع الابقار من اجل المال فكرة جديدة عليه.

وهو يعتقد انه مع وجود كثير من الابقار فانه يعتبر غني وسعيد وبإمكان اولاده ان يتزوجوا بعد ذلك.

واشار سكان جوبا الى اسعار مختلفة للابقار خلال الحرب وقالوا انها تتفاوت من مكان لاخر مع مقايضة كثير منها بدلا من بيعها. ولكن الجميع اتفقوا على ان الاسعار الحالية والتي تزيد عن ألف دولار للبقرة في جوبا وما بين 400 دولار والف دولار في الاجزاء الشمالية النائية بشكل اكبر أغلى من ذي قبل.

وقال امبراهام جادا الذي لا يخطط للتخلي عن اي رأس من قطيعه ان "السعر ارتفع منذ حلول السلام في الجنوب. "

وقال كانيسيو الذي تخطط وزارته لاجراء مسح للسوق الاقليمية "عندما كانت الحرب مستعرة كان كل شيء رخيصا ولكن الان هناك اموالا متداولة والقوة الشرائية للناس زادت."

ومازالت الابقار تعتبر افضل وسيلة للاستثمار في بعض مناطق الجنوب. وقال كانيسيو "نفتقر الى البنوك ومن ثم فان افضل وسيلة للناس في المناطق المحفوفة بالمخاطر شراء أبقار."

ويقدر كانيسيو ان الجنوب يملك ما بين ثمانية وعشرة ملايين رأس ماشية. وهذا يعني بقرة لكل شخص اذا صحت التقديرات بالنسبة لسكان الجنوب.

وتعتبر السلطات الاقليمية اوغندا وكينيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية ابرز اسواق للصادرات تليها شمال السودان ومصر وليبيا والخليج.

وقال كانيسيو انه يرى ايضا احتمالا لتسويق الابقار دوليا لانها تتغذي على طعام عضوي بنسبة 100 في المئة.

ولكنه اضاف ان المستثمرين الجادين ربما ينتظرون الى ان تعلن المنظمة العالمية لصحة الحيوان خلو السودان من طاعون الماشية.

وقال"املنا اعلان خلو البلاد بأكملها من طاعون الماشية بحلول 2008 ."

ومن البقرة الحلوب وعلاقتها بمسألة الحب وجر قدم العروس السودانية، الى آلة الحوادث المفجعة الروتينية في هذا البلد التي تتمثل بالدراجة النارية، يقول تقرير لرويترز. اذا رأيت يوما حشدا من الناس يلتفون حول شيء ما على جانب الطريق في جوبا فسيكون الاحتمال الاكبر هو أنهم يلتفون حول دراجة نارية عليها بقع دماء وسائق مذهول ضحية حادث آخر للدراجات النارية في عاصمة جنوب السودان.

وفي الغالب ستكون هذه الدراجة النارية بين الاف من الدراجات الرخيصة المستوردة من الصين التي أغرقت جوبا العاصمة الاقليمية قادمة من جمهورية الكونجو الديمقراطية وأوغندا خلال العامين الماضيين.

السودان غالبا محور أنباء عن الصراع في منطقة دارفور في أقصى غرب البلاد. ولكن في الوقت ذاته عاد السلام الى الجنوب بعد أكثر من 20 عاما من الحرب الاهلية.

يجري نقل الدراجات النارية عبر الطرق التي فتحت منذ توقيع اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب عام 2005 الى جانب سلع أخرى مثل تسجيلات الموسيقى والملابس في شاحنات.

وأصبحت الماركات الاكثر شيوعا هي ماركة "سنكي" التي أصبحت مرادفا في جوبا للموت أو لبقع الدماء في الحوادث الاقل خطورة التي يقع ضحيتها في بعض الاحيان ركاب من الاطفال كما أنها أصبحت مرادفا لثقافة جديدة للشبان تتميز بارتداء القبعات الامريكية بالمقلوب والنظارات الشمسية والقيادة السريعة.

وقالت ممرضة في مستشفى تعليمي في جوبا على بعد 1200 كيلومتر الى الجنوب من العاصمة السودانية الخرطوم "الحقيقة هي أن كل يوم لدينا حالة أو اثنتين أو أكثر في العادة من حوادث الدراجات النارية منهم أطفال. كانت سجلاتنا ترصد الجروح من الطلقات النارية ولكن هذه الحالات هي السائدة الان."

وقالت ممرضة أخرى ان جناح الحوادث والطواريء الجديد الذي تموله الوكالة الامريكية للتنمية الدولية أصبح يطلق عليه السكان المحليون بالفعل إسم"عنبر سنكي". اشارة الى ماركة الدراجات الصينية التي تقع فيها اغلب الحوادث.

يقول مايكل دوت الذي يبدو أن عمره يقترب من العشرين "أحب الركوب حتى أطير لذلك فان الماء يتدفق من عيني." وكان ينظر حالماً الى الافق وهو يصف هذه التجربة.

ولكنه ليس الوحيد في ذلك فالشبان الذين يركبون الدراجات النارية تكتظ بهم الاسواق ليل نهار يحدثون أزيزا بدراجاتهم كل منهم مع صديقه أو صديقته في الخلف.

وبعيدا عن الطرق الرئيسية يقود صبية لم يبلغوا الحلم بعد الدراجات بسرعة فائقة يجوبون الشوارع مستمتعين بزيادة السرعة بالتدريج في الوقت الذي يقفز فيه المارة الى الارصفة للابتعاد عن طريقهم ثم يختفون بعد أن يثيروا وراءهم سحابة من الغبار.

والى جانب الضجيج الذي يحدثه المحرك تثبت أجهزة "موسيقية" تخرج جلجلة مزعجة أو حتى صوت بكاء طفل بين جانبي مقود الدراجة مع وضع بطاقات بلاستيكية عليها صور نجوم الغناء في منطقة وسط افريقيا.

يعمل ايمانويل موريس في فندق اكواتوريا قرب الطريق الرئيسي في جوبا حيث يراقب الدراجات النارية وهي تمر طيلة اليوم.

وقال انه في حين أن كل المظاهر الجديدة من الموسيقى والملابس والنظارات الشمسية الرخيصة والدراجات تأتي من الدول المجاورة فان روح الاستقلالية التي تقف وراء هذا الولع بالدراجات النارية أمر يليق بجنوب السودان بالتحديد.

وقال موريس "بسبب الحرب زادت روح البطولة...لم تكن هناك حريات في جوبا في ذلك الحين. لم يكن للشبان قدرة على التعبير عن أنفسهم الا بالنشاط العسكري.. من خلال الانضمام للمتمردين."

وأضاف "الان حتى الاطفال يستأجرون الدراجات بما يملكون من مال قليل.. الذي يحاولون قوله هو انهم يعلمون شيئا. حتى اذا قدمت لهم سيارة.. فانهم سيفضلون الدراجة النارية."

وبالنسبة للكثير من الشبان في جوبا تمثل الدراجات النارية أكثر من مجرد الانطلاق والسرعة فهي أيضا مصدر دخل في بلدة تتزايد فيها نسبة البطالة.

ان عمل "بودا بودا" أو الدراجة النارية الاجرة معروف في أوغندا حيث أمضت أسرة سيمون لول السوداني حياتها خلال فترة الحرب. ولكنها مسألة جديدة بالنسبة له ولشبان وصبية اخرين في جوبا حيث تقتصر وسائل النقل العامة على طريق واحد للحافلات الصغيرة.

وقال لول "قبل السلام لم تكن هناك أي بودا بودا وعدد محدود من الدراجات النارية...اقتبسنا فكرة بودا بودا من أوغندا. أحوال العمل لا بأس بها ولكن مشكلة الحوادث موجودة. لقد تعرضت لحادث وكل أصدقائي تعرضوا لحوادث وبعضهم توفي."

لم يذهب صبي يقود "بودا بودا" ورفض نشر اسمه أبدا الى المدرسة ولكنه ادخر ما يكفي من المال لشراء دراجة نارية سنكي مع اخرين.

وقال "والديّ يعلمان ولكن لا يمكنهما فعل شيء حياله. هناك حاجة للمال. هذا أفضل كثيرا من بيع السجائر." واتفق على أن الحوادث شائعة ولا يبدو عليه الاكتراث حتى بالرغم من أنه هو

نفسه تعرض لحادث.

ومصدر القلق الاساسي بالنسبة لدراجات "بودا بودا" هو شرطة المرور.

قال لول "انها مشكلة بالنسبة لنا.. انهم يبدأون الان في المطالبة بتراخيص قيادة ولكن الواحدة تكلف 100 دولار كما أن الالواح المعدنية الجديدة للسودان تكلف مئة دولار أخرى.. ليس لدينا ما يكفي من المال لهذا."

صحيح أن اختبار القيادة ليس صعبا.. اذ ان رجل الشرطة في مخيم مؤقت لوزارة الداخلية يسأل الشخص اذا كان يستطيع القيادة أم لا ولكنه يكلف 20 دولارا أخرى الى جانب المصروفات اللازمة لاستخراج التصريح.

والى جانب الحوادث والحفر الكبيرة والمطبات المفاجئة في طرق جوبا فان الدراجات النارية المصنوعة في الصين تحتاج الى صيانة بعد وقت قصير.

وقال دنج ميجاك دنج المسؤول عن شرطة المرور في المنطقة "هؤلاء الصبية الصغار يأخذون الدراجات النارية الخاصة بأسرهم.. أناشد الاباء عبر الاذاعة أن يكونوا أكثر مسؤولية."

ولا يجري الابلاغ عن الكثير من الحوادث ولكن مكتبه سجل أكثر من 120 حادثا عام 2006 وأكثر من 20 وفاة منها لاطفال كانوا يقودون الدراجات.

ومضى دنج يقول "لا يمكننا سجنهم ما لم يقع حادث.. ولكننا نفرض عليهم غرامة ويتعين على الاباء الحضور والدفع ثم استعادة الدراجة النارية...أطلب من الاسرة ألا تسمح لهم بالقيادة مرة أخرى."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19 نيسان/2007 -28/ربيع الاول/1428