دور منظمات المجتمع المدني

في عملية التحول الديمقراطي بالعراق

 أحمد عبد الأمير الأنبا ري

  قبل التاسع من نيسان 2003،لم يكن في العراق منظمات مجتمع مدني بما تعنيه هذه المظمات من نشاطات وتأثير في حياة الأفراد، وهذا يرجع الى أسباب عديدة منها، إن النظام السابق لم يكن يسمح بوجود سلطة يمكن أن تحد من سلطة الحكومة، وكذلك لم يكن ليسمح بممارسة أي نشاط خارج  أنشطة الحزب الحاكم أو الأنشطة الموجهة من قبل الحكومة، وهذا يتنافى مع طبيعة منظمات المجتمع المدني وأهدافها وآليات عملها.

      وبعد 9/4/2003 ظهرت أعداد كبيرة جداً من منظمات المجتمع المدني في العراق، غير ان مثل هذه المؤسسات وطبيعة عملها وما يتطلبه عملها والأهداف التي تسعى لتحقيقها هي من الأمور الغامضة بالنسبة للمواطن العراقي.

      من الناحية النظرية يعتبر المجتمع المدني " الاطار الذي تنتظم فيه العلاقات بين الأفراد والجماعات على أسسس ديمقراطية، أي ذلك المجتمع الذي تحترم فيه حقوق المواطن السياسية والاقتصادية والثقافية في حدها الأدنى. إنه ذلك المجتمع الذي تقوم فيه دولة المؤسسات..".

      هذه العلاقات التي تقوم بين الافراد والجماعات يفترض ان تنتج ما تتطلبه الحياة من فكر وثقافة ومال، بواسطة بنى وتنظيمات مدنية يقيمها الافراد، على ان لاتخضع لسلطة واشراف الدولة، فهذا من شانه تنشيط عملها. كما يجب ان تكون نشاطات المجتمع المدني بعيدة عن التسييس، ذلك ان جعل هذه المنظمات ونشاطاتها في خدمة اهداف القوى والاحزاب السياسية، من شانه تفريغ المجتمع المدني من مضمونه الحقيقي.

      فالمجتمع المدني يفترض أن يكون متميزاً عن الدولة، كما يفترض أن يكون للفرد في هذا المجتمع حقوق سياسية واقتصادية وثقافية، فالمجتمع المدني يزيد من فرص الافراد بأن يُعترف لهم بحقوقهم التي يستحقونها وفقاً لانسانيتهم، وأن يُمكنوا من التمتع بهذه الحقوق.  وهذه الحقوق تمكن الفرد من حرية الأختيار.

 وأحد  أهم الوسائل لتحقيق ذلك يكون من خلال مساهمة منظمات المجتمع المدني في نشر الوعي الديمقراطي، ومساهمتها في ارساء أسس دولة المؤسسات ودورها الرقابي على الحكومة.

      والنظام السابق، كما هو حال جميع الأنظمة الدكتاتورية، لم يسمح بوجود منظمات المجتمع المدني. فالمجتمع المدني يفترض سيادة القانون، أستقلال القضاء، وجود الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات، صحافة حرة، حرية التعبير، حرية ممارسة الشعائر الدينية وغيرها من الحريات، وهذا كله يعمل على أضعاف سلطة الحزب الحاكم الذي هو الحزب الوحيد في الدولة العراقية أيام النظام السابق، وبالتالي أضعاف سلطة الزعيم الأوحد.

فالقانون لم يكن هو السائد ولم يكن فوق الجميع حيث كان بعض الأشخاص فوق القانون، والقضاء لم يكن مستقلاً فقد مورس عليه الكثير من الضغوط والمؤثرات، انعدام التعددية الحزبية، انعدام الحريات، الصحافة مقيدة وموجهة لخدمة أهداف النظام السياسي والمتمثلة بشكل أساسي في المحافظة على بقاءه ماسك بالسلطة بيد من حديد.

      ولخداع الرأي العام المحلي والعالمي يقوم النظام الحاكم باجراءات شكلية باعتبارها نوع من الأصلاحات،على سبيل المثال، اجراء أنتخابات المجلس الوطني التي في واقع الأمر تكون مرتبة سلفاً، أو اجراء أستفتاء على منصب رئيس الجمهورية والذي دائماً تكون النتائج لاتقل عن (99%)، منح الصحافة هامش من الحرية على أن تكون بعيدة عن عن المساس بالنظام السياسي والتأثير عليه، الحديث عن بعض الأزمات على أن تكون تلك الحرية في حدود متفق عليها مسبقاً ولايسمح بتجاوز هذه الحدود.

غير ان مثل هذه الحالة لامكان لها في العراق الجديد، فالتحول نحو الديمقراطية أصبح مطلباً شعبياً في العراق، فضلاً عن أن الكثير من القوى والاحزاب السياسية والنخب الثقافية  يؤمنون بضرورة هذا التحول وبامكانية نجاح التجربة. على ان نجاح مثل هذا التحول يحتاج الى:

1- الارادة الوطنية المؤمنة بالمصلحة العليا والعمل على تحقيقها.

2- توافر الرغبة الحقيقية لدى القوى والاحزاب السياسية لانجاح هذا التحول.

3- صياغة برامج التغيير نحو الديمقراطية.

4- نشر الوعي بضرورة التحول الديمقراطي الذي هو في مصلحة الجميع.

      ويمكن لمنظمات المجتمع المدني ان تلعب دورا كبيرا في عملية التحول الديمقراطي في العراق من خلال :

1- تعريف المجتمع بمزايا الخيار الديمقراطي.

2- الدفاع عن الديمقراطية، التي تمثل _ بفعل العلاقة التاثيرية المتبادلة بين الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني _ البيئة الطبيعية لوجودها والمؤاتية لترسيخها وتطورها.

3- التثقيف بشأن القواعد الحاكمة والراعية للمارسة الديمقراطية.

4- التعريف بمزايا واهمية سيادة القانون واقامة دولة المؤسسات.

5- التعريف بمبادئ حقوق الانسان، وضرورة احترامها والدفاع عنها.

6- نشر ثقافة التنوع.

7- نشر ثقافة الحوار البناء والتفاوض سبيلاً لحل النزاعات.

8- نشر ثقافة القبول بالاخر الذي نختلف معه في الراي.

9- نشر ثقافة الوحدة الوطنية وتوحيد الولاءات القبيلية والعشائرية تحت راية الولاء للوطن.

10- العمل على فضح الممارسات الخاطئة في مؤسسات الدولة، بما فيها الفساد الاداري والمالي.

11- التعريف باهمية الحفاظ على المكتسبات التي تحققت، والعمل على تصويب الاخطاء التي رافقتها.

ان تحقيق الديمقراطية ونجاها يتطلب من بين ما يتطلبه ان يكون لمنظمات المجتمع المدني دور اساسي في هذه العملية، كما ان هذه المنظمات لايمكن لها أن تعمل الا في ظل أجواء ديمقراطية " ذلك أن العلاقة التي تربط بين نشوء وتطور المجتمع المدني والممارسة الديمقراطية تجعل من الصعب الكلام عن أولوية احدها على الاخر، فليس هناك ممارسة للديمقراطية بدون حد أدنى من القدرة على الانتظام حول أفكار ومصالح وغايات محددة.

 كما ان نشوء وتكوين مجتمع مدني في غياب الحد الأدنى من حرية القول والتعبير والتجمع والانتقال والانتظام هو أمر غير ممكن. فهذه المنظمات يمكن لها ان تلعب دورا محوريا في تنظيم العلاقة بين المجتمع والدولة في العراق. كما ان من واجبها العمل على اشاعة ثقافة التواصل لتكون بديلاً عن ثقافة الاقصاء، ونشر ثقافة التنوع لتكون بديلا عن الثقافة الواحدة التي كانت سائدة سابقاً، فضلا عن ترسيخ نهج الحوار العقلاني وتقبل الاخر وفسح المجال له للتعبير عن اراءه حتى وان كانت تختلف مع اراءنا. فللجميع الحق في التعبير عن اراءه وللجميع فرص متساوية في ذلك.

كما ان الدور الذي يمكن ان تلعبه هذه المنظات في عملية التحول الديمقراطي في العراق يتمثل في العمل على ايجاد مجتمع يمكن الفرد فيه من التعبير بحرية عن اراءه وخياراته من جهة، ومن جهة اخرى تلعب دور المراقب لاداء الحكومة لرصد اي انتهاك لحقوق المواطن او اي انتهاك يقيد من حريته واختياراته. ونشر الوعي بين ابناء المجتمع العراقي باهمية المشاركة في انجاح العملية السياسية والتحول الديمقراطي التي ستكون مستقبلا الضامن لحصولهم على حقوقهم وتمتعهم بالحرية في مجتمع الرفاه المستقر الامن. 

غير ان ما يصعب مهمة منظمات المجتمع المدني في نشر الوعي الديمقراطي في العراق، هو انخفاض الوعي الديمقراطي في المجتمع العراقي وصعوبة الحديث عن انعاش هذا الوعي في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع العراقي حيث العنف باعلى درجاته واقساها، وبطالة مخيفة وليس من السهولة التغلب عليها، وغيرها من المشاكل المتراكمة، وعدم وجود اسس ثابتة واليات عمل واضحة لهذه المنظمات تمكنها من اداء عملها بشكل صحيح، فضلاً عن عدم تقبل المواطن العراقي لها بسبب السلوك النفعي لبعض هذه المنظمات مما افقد المواطن العراقي الثقة بها.

ان ايجاد اسس ثابتة وآليات عمل واضحة تسترشد بها هذه المنظمات في عملها، تكون خطوة بالاتجاه الصحيح لاداء هذه المنظمات لعملها داخل المجتمع العراقي واسهامها الفعال والمؤثر في عملية التحول الديمقراطي.

*مركز الدراسات الفلسطينية

جامعة بغداد

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19 نيسان/2007 -28/ربيع الاول/1428