إلغـاز الديمقراطية فـي العراق الجديد

د. حـميـد رمـضان الحسناوي*

 الديـمـقـراطـيـة التي تقوم على التوافق والمحاصصة والطائفية تذكي الصراع ومصيرها التبعية والتغريب فالشلل والإنسداد، وهي في الواقـع ليســــــت إلا تلويثاً للديمقراطية، وإلغازاً لها يريد أن يخفي مكان الديمقراطية ومكانتهـــــا عـــــن الشعب، ويسوِّق اليأس والإستسلام مرة أخرى.

 يـُقال: ألغزَ اليربوعُ إلغازاً، أي حفرَ حفرة ملتوية له تحت الأرض بأن يحفر فـــي جانب طريقاً، ويحفر فـي الجانب الآخر طريقاً، وكذلك في الجانب الثالث والرابع للتعمّيه ليخفي مكانــــه بذلك الإلغاز فإذا طلبه الصياد دخل بيته من باب وخرج مـــن الباب الآخر، ليختفي بســـــرعة وبشكل غامض، هذا وأن أول تجربة نووية فرنسية كانت تحت اسم ''اليربوع الأزرق''.

ما يشهده العراق وشهده منذ سقوط صدام و حتى اليوم لا يعدو عن كونــــــــه محاولــة لإخفاء مكان الديمقراطيـــــة ومكانتها، هذا والمواقف والتصريحات والتسـريبات المرتبطة لا تعكس جديداً بل تؤكد إستمرار المحاولة نفسها.

سأحاول الإشارة الى بعضها خلال النقاط التالية:

1- تضعيف الإئتلاف العراقي الموحد من جهة وحـكومـة نوري المالكــــي من جهة أخرى للتخلُّص مـنهما، والدعوة الى جبهة المعتدلين أو الى جبهة وطنية، وكمعبر الى تشــــــــكيل حكومة إنقاذ وطني بالتستر وراء شــعار مكافحــة المحاصصة المقدس، والحل العلماني كما سيأتي.

2- الإصرار على فرض الحل العلمانوي واللبرالوي وإغواء وتطميـــــع الحداثويين بذلك لضمان كسبهم الى جانب مخططات التمزيق والإقصـاء الممنهجة التي مابرحت تتواصل لحرق أوراق منْ لايرى في ذلك الإصرار طريقاً للحل.

3- إستعجال تقديم مســـودّة غير مدروسة وبتوقيت سيء لإعادة النظر في قانـون إجتثاث البعث، وكمعبر فقـط لمنح البعثيين وخــــــــــارج الأدوات الديمقراطية دوراً محورياً في الحكم بالعراق، مع التركيز علـى تســـويق المغالطة القديمة الجـديدة التي تزعم بأن العراق لن يُحكم إلا بواسطة رجل شمولي حديدي دموي، وهذا يناقض الوعود والعهود المقدمة الى الحداثويين.

4- الحوار المفتوح وغير المشروط مع المنظمات الإرهابية الدمــوية التــــي مازالت تصر على رفض الديمقراطية، و بدأت تـُظهـِرُ مؤخراً إنكـــــــــاراً لإرتباطهـــا بالقاعـــــدة، لإعفائها من الإرهاب الذي مارسته ضـــد الأبرياء بمسميات وطنية تمهيداً لإقحامها في حكم العراق وخارج الأطر الديمقراطية، وهذا أيضاً يناقض الوعود والعهود المقدمة الى الحداثويين.

5- التعامل الإقصائي مع البُنى التي قبلت بالديمقراطية وشاركت في العملية السياسية، والمرشحة للترشيد فالإندماج الأكثر في مؤسسات المجتمع المدني مــــــع الإصرار على الحل العسكري للتعامل مع ما تســــــمى بمليشيات تلك البُنى بدلاً من الملاحقة القضائية والقانونية للخارجين منهم على القانــــــون والحوار والترشيد والتأهيل، مع التنصل من مسؤولية الإخفاقات الأمنيـــة بإلقائها كاملة على تلك المليشيات، وهذا يناقــض الحوار المفتوح وغـــــير المشروط مع المنظمات الإرهابيــــــة الدمـوية كما يتعارض مع جهود تعديل قانـون إجتثاث البعث لأن من قبل بالديمقراطية والمشاركة السياسية أولــــى بالحوار وإعادة النظر، والأخطر في ذلك هو إشراكهم في الحكم خارج الأطر الديمقراطية النزيهة الشفافة.

6- إستعجال إصدار مسودة قانون النفط والغاز العراقي، والضغـط لإقراره على ما يكتنفه من غموض ويحتويه من الثغرات.

التناقض بين الخطوات المتقدمة نفسها واضح وكذلك تناقضها حتى مـــــــع الديمقراطية المشوهة الحالية، وتوضيحه كتوضيح البديهيات.

طبعاً هناك إنتقادات وتحفظات على أداء الحكومــــــــــة العراقية والإئتلاف ومكوناته وغيرها أيضاً قد نتخلف أو نتفق حولها لكن الكلام ليـــس في ذلك وإنما في اسلوب معالجة ذلك بمحاصرة الذين أتت بهم الإنتخابات، وإقصـاء هذا الطرف بواســطة ذاك لإحداث خلل فـفراغ تمهيــداً لتتويـج الرجـــــــــل الشمولي الحديدي الجديد على عرش العراق.

مـا هـو الحـلّ ؟

إيقاف مخططات الإقصاء الممنهج التدريجي تحت أي عنوان وإطلاق سراح الديمقراطية من معتقلات التوافق والمحاصـصة والطائفيـــــة، وتكثيـــــــف الجهود المدروسة للإنتقال دستورياً من هذا المثلث المشؤوم الى مثلـــــــــث الديمقراطية والأمن والرفاه لتفعيل جميع مؤسسات الدولة وتوسيع دائــــــرة المشاركة السياسية كي تشمل الجميع بمسطرة ديمقراطية موحدة تدريجياً بعد التأهيل والترشيد والمصارحة والتعويضات ووضع الإجـــراءات المتنوعــة المناسبة المجربة في عددٍ كبيرٍ من البلدان لأعقاب الصــراع أو التحول الديمقراطي موضع التنفيذ فآليات العدالة الانتقالية كثيرة ومعروفة والعراق ليس الأول في الإنتقال الى الديمقراطية، ومنطلقاتها المشـابهة في الإسلام متوافرة ومجربة مثل قاعدة الجـَب وغيره. 

*معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات-واشنطن

http://www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19 نيسان/2007 -28/ربيع الاول/1428