تأملات في صحيفة شريرة

لطيف القصاب

ذكرت صحيفة الشرق الاوسط الصادرة بتاريخ 15-4-2007 ما نصه :

(أدانت المملكة العربية السعودية أعمال التفجيرات التي طالت كلا من الجزائر والمغرب، والتي وصفتها بـ«الإرهابية الشنيعة»، وذلك على لسان مصدر مسؤول، أكد لوكالة الأنباء السعودية الليلة قبل الماضية، أن بلاده تابعت بقلق بالغ واستياء عميق هذه الأعمال الإجرامية التي روعت الآمنين وحصدت العديد من الأرواح البريئة ودمرت الممتلكات في البلدين الشقيقين.

 وأكد المصدر أن السعودية وهي تعبر عن إدانتها الشديدة لهذه الاعمال الاجرامية التي تتنافى ومبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليمها وجميع القيم الإنسانية فإنها تتقدم بأحر التعازي لأسر الضحايا وحكومتي الجزائر والمغرب وشعبيهما الشقيقين وتدعو الله عز وجل للمصابين بالشفاء العاجل).

في البداية ليس ثمة اي اعتراض على التعاطف الانساني النبيل انى كان مصدره وباية صيغة ورد  فلا غرو ان العامل الذي تشترك فيه العائلة الانسانية جمعاء هو ذلك الذي يوحد مشاعرها تجاه الجريمة التي تصيب سهامها فردا من افرادها بصرف النظر عن لونه ومعتقده,  وما وقع في المغرب والجزائر امثلة قاطعة على الجريمة المستهجنة انسانيا, تثير في القلب السليم الحسرة والتوجع لاشك في ذلك ولا اشكال لكن ثمة شك واشكال يتعلق بقلب المملكة العربية السعودية المريض فهو لا شافاه الله  يكاد يموت من شدة الخفقان حينما ينظر الى مايجري في بلاد المغرب  لكنه يصاب بسكتة غير قاتلة ـ مع الاسف ـ    حينما يتعلق الامر بجاره العراق.

هل يعلم السيد السعودي المسؤول "على حد تعبير الصحيفة" بان مشاعر الانسان النبيل لا تقبل القسمة الى جزئين غير متناسبين ازاء جرم واحد يضرب في مكانين مختلفين من المعمورة , فتتبلد مشاعره وتتحول الى برود قاتل في مكان وتجيش وتتفجر كالسيل الهادر في مكان اخر.

اعتقد ان المصدر السعودي المسؤول الذي نقلت كلماته صحيفة الشرق الاوسط  او (الشر الاوسط اختصارا) لن يقبل مني نقدا وعظيا كهذا مطلقا وسيتهمني قطعا بضيق الافق الذي يخلط على نحو غير واقعي بين الاخلاق والسياسة ويتغاضى عن ذكر المعطيات والحقائق التالية:

1- ان العراق بلد مسلوب السيادة وهو بلد محتل كما عبر عن ذلك جلالة الملك بنفسه في قمة الرياض الاخيرة بينما الحال في كل من الجزائر والمغرب لا يفتقر الى شيء من السيادة ولاهم يحزنون...

2- العراق بلد مجاور للمملكة وينبغي ان يكون ضعيفا مفككا, وللسعوديين تجربة مرة مع العراقيين كما هو معلوم  ذكرهم بها مؤخرا السيد جون بولتون مندوب  اميركا السابق في الامم المتحدة حين انتقد اقوال جلالة الملك بشان احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة مذكرا جلالته بفضل بلاده على مملكته, فقد حمتها بحسب تعبيره من المصير الاسود الذي كانت ستلقاه على ايدي صدام حسين اسوة بشقيقتها الكويت عام 1991, ومن نافلة القول ان المغاربة لم يكونوا يوما من الايام مصدر تهديد لاهل الخليج ومنهم المملكة العربية السعودية.

3- العراق غالبيته العظمى على مذهب الامام جعفر الصادق وغالبية اهل المغرب والجزائر على مذهب الامام مالك بن انس وبحسب فتاوى مشايخ السعودية  "لادية للمقتول.. من غير المذاهب الاربعة  " وبما ان الدية منتفية فمن باب اولى ان ينتفي موضوع الاسف على حال الضحايا الابرياء في العراق ويتواجد في المغرب والجزائر من ناحية فقهية على اقل تقدير.

4- العراق منافس عملاق على صعيد النفط واذا صحت الروايات فانه يمتلك  احتياطا عالميا ينافس المملكة نفسها  واذن فالخير للمملكة كل الخير  ان يحترق العراقيون بنفطهم لا ان تتوجع  عليهم  ,ورغم ان الجزائر بلد نفطي هو الاخر الا انه لايشكل ندا حقيقيا للسعوديين  فضلا عن المملكة  المغربية الشقيقة  التي لا تعد ولا تفقد في سوق المحروقات.

5- العراق يحتوي على عمق حضاري يمتد الى سبعة الاف عام  وليس مفيدا بطبيعة الحال بالنسبة للمملكة ان يكون الى جوارها حيا يُرزق جار يشعرها  بالدونية الثقافية والحضارية..

6- العراق يُعد افضل حاوية من وجهة نظر المملكة للتخلص من نفايات ابن لادن واضرابه الذين يضمرون الحقد التاريخي لبني البشر عموما  ولآل سعود بنحو خاص لاستئثارهم بالكعكعة كاملة غير منقوصة من دون عوائل الصحراء الاخرى ,على ان المملكة الحنون تتمنى في السر كما تدل على ذلك مؤشرات عديدة في ان تعود للجزائر دوامة الارهاب التي عصفت بها في عقد التسعينات من القرن الماضي ثانية ولا ضير من وجهة نظر الاجندة السعودية السرية في ان تمتد مذابح الارهاب  الى المملكة المغربية الشقيقة ايضا , فلعبة التكفير قد خرجت عن نطاق السيطرة وبات مؤمنو الامس القريب يكفر بعضهم بعضا الامر الذي يحتاج الى قارة باكملها  لتصديرفائض الارهاب الوهابي الهائل.

7- العراق منطقة فصل بين الدولة العربية في السعودية من جهة وايران الدولة الفارسية من جهة اخرى ولا يخفى ان الضغائن بين القوميتين العربية والفارسية اكثر خطرا بالقياس الى  القوميتين العربية والبربرية او العربية والامازوغية , ما يستدعي وجود عازل معين بين العرب والفرس ومهما كان العازل سريع الاشتعال ويساعد على الاشتعال تستطيع المملكة بمساعدة اصدقائها في المنطقة  ان تُبقي الحريق العراقي بعيدا عن المملكة المحروسة.

8- عدم نجاح التجربة السياسية الراهنة في العراق  انتصار اكيد للمملكة والنجاح كارثة عليها كما لايخفى على ذلك المسؤول صاحب التصريحات السابقة ,  لذا فلابد من اسقاط النموذج العراقي والتلذذ في رؤيته لا التاسف عليه حتى وهو يهوي في صورة اشلاء متناثرة لاطفال ونساء فالغاية تبرر الوسيلة على اية حال والسياسة شيء والاخلاق شيء اخر على حد فهم اهل الحل والعقد السعوديين.

9- النظام السياسي في المغرب ملكي تماما مثل اخيه السعودي وشبيه الشيء منجذب اليه.., والنظام الجزائري نظام دكتاتوري وهو من هذه الناحية افضل للمملكة من اي نظام ديمقراطي بكل تاكيد.

 10- قتل شيعة العراق بهذه الطريقة الفظيعة ابلغ  رسالة لشيعة السعودية ترغمهم على  ادامة التسبيح بحمد المملكة وشكر الاقدار التي نات بهم بعيدا عن ارض العراق ومن ثم فلاغنى لهؤلاء الشيعة من التفكير مليون مرة قبل المطالبة بحقوق تساويهم بمواطنيهم الوهابيين  لا قدر الله.

وختاما فلا مناص من الاجابة عن تساؤل قديم نسبيا جابهني به موقع "كتابات" حيث انحى باللائمة علي لكتابتي اسم صحيفته المفضلة بالصيغة المختصرة الواردة اعلاه.. ,  ورغم انني بررت ذلك حينها  بالاختصار فلاباس بهذه المناسبة من ذكر سبب اخر اعتقد ان فيه جوابا مقنعا  للتساؤل المذكور , فقد لاحظت مع ملايين العراقيين  غيري ان  قناة الجزيرة القطرية تمثل ما يمكن تسميته  (بالشر الاقصى) من بين كل وسائل الاعلام العربي التي تنهش في جراح العراقيين يوميا  , كما ان قناة العربية بادارتها الحالية قد تراجعت بشهادة الكثيرين ايضا الى مرتبة يمكن تسميتها جريا على التصنيف السابق (بالشر الادنى), وبين هذه وتلك توسطت صحيفة سعودية الهوى والتمويل ,تنشر احياناـ"من باب ذر الرماد في العيون"ـ مقالات للبعض من المغتربين العراقيين بشرط عدم المساس باخلاق المملكة الفاضلة طبعا.. , هذه الصحيفة ولكونها توسطت بين شرين مستطيرين كما اشرنا الى ذلك انفا فقد استحقت وبجدارة منقطعة النظير ان تُسمى  صحيفة (الشر الاوسط).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 18 نيسان/2007 -27/ربيع الاول/1428