جنون وقود الإيثانول الحيوي قد يفتح حرب غذائية عالمية

شبكة النبأ: يشكل "جنون الإيثانول"، الذي بدأ يجتاح الولايات المتحدة ودول أمريكا الوسطى والجنوبية باعتباره وقوداً حيوياً وصديقاً للبيئة أرخص من البنزين، ضغوطاً متزايدة على الإمدادات العالمية من الذرة، والمواد الغذايئة الاخرى.

ليس هذا فحسب، بل يعمل أيضاً على رفع أسعار المواد الغذائية، وعلى وجه الخصوص نبات الذرة، الذي يعد واحداً من أهم مصادر وقود الإيثانول، إلى جانب أن هذه الثمار تدخل في صناعة علف الحيوانات، وغيرها من المواد الغذائية.

فقد ارتفع سعر مكيال الذرة من دولارين، وهو السعر السائد منذ سنوات، إلى أكثر من أربعة دولارات، فيما تشير التوقعات إلى أن هذا السعر سيرتفع إلى مستويات أعلى خلال السنوات الخمس المقبلة. بحسب الـ (CNN).

ويأتي الاهتمام الأمريكي بالذرة بسبب الاهتمام الواسع والتوسع في اعتماد الإيثانول، المستخرج من الذرة، وقوداً للسيارات.

ويحتوي هذا الوقود على 85 في المائة من غاز الإيثانول العضوي، كما أنه يساهم في تخفيض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي فهو يعتبر وقوداً صديقاً للبيئة.

ودفعت زيادة المواد الغذائية بسبب ارتفاع سعر الذرة المكسيكيين إلى التظاهر احتجاجاً على ارتفاع أسعارها إضافة إلى أن تكلفة لحوم الدواجن والأبقار ارتفعت بصورة كبيرة في الولايات المتحدة نفسها، نقلاً عن الأسوشيتد برس.

جراء ذلك كله بدأت التكنولوجيا الحيوية في البحث عن حلول جديدة، فقد بدأ العلماء في هندسة بكتيريات ميكروسكوبية وراثياً بحيث يمكنها استخلاص الوقود من مصادر أخرى غير الذرة، بما في ذلك فضلات الإنسان والفطر الروسي وغيرهما.

وبات العلماء والباحثون في سباق مع الزمن مع وجود 114 محطة بنزين توفر وقود الإيثانول و80 أخرى قيد الإنشاء، فيما بلغ حجم إنتاج هذا الوقود حوالي خمسة مليارات غالون في العام الماضي، بزيادة تصل إلى 25 في المائة عن السنة السابقة.

ورغم أن ارتفاع أسعار الذرة يصب في مصلحة المزارعين، إلا أنه ألحق الضرر بالمستهلكين بسبب تضاعف أسعارها خلال العامين الماضيين مع استمرارها في الارتفاع هذا العام على ما يبدو.

وفي هذا الخصوص، خصصت وزارة الطاقة الأمريكية في فبراير/شباط الماضي، 385 مليون دولار لستة مشاريع على مدى أربع سنوات بهدف إنتاج إيثانول سيليلوزي وتجنب أزمة الذرة عن طريق إنتاج الوقود من القصب وغيرها من المخلفات الزراعية.

وكانت تكلفة إنتاج الإنزيم المستخدم في صناعة وقود الإيثانول الكبيرة سبباً في عدم إنتاجه بكميات كبيرة، غير أن انخفاض تكلفة الإنزيم من نحو خمسة دولارات للغالون الواحد إلى أقل من 20 سنتاً جعل الأمر ممكناً، وسوف يصبح والإيثانول السيليلوزي متاحاً بصورة أكبر مع انخفاض التكلفة إلى أقل من سنت واحد.

يشار أن أسعار النفط ومشتقاته ارتفعت بشكل جنوني خلال العامين الماضيين، ما جعل البحث عن بدائل لها أمراً مهماً بالنسبة لأكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم، أي الولايات المتحدة.

كذلك تشكل جماعات المحافظة على البيئة المزيد من الضغوط على الدول للبحث عن سبل جديدة لتخفيف نسبة التلوث العالمي، والذي بات يؤثر سلباً على مناحي الحياة والمناخ على الأرض.

من جهتها توقعت دراسات أمريكية متخصصة، أن يشهد موسم القمح الأمريكي هذا العام محصولاً قياسياً، بعدما عمد عدد كبير من المزارعين الأمريكيين الى تخصيص أراضيهم لزراعته مدفوعين بالارتفاع الكبير المتوقع في الأسعار، على خلفية الطلب المتزايد على الحبوب لإنتاج وقود الإيثانول.

وقد أكد تقرير صادر عن وحدة الدراسات الاقتصادية بوزارة الزراعة الأمريكية هذه التوقعات، كاشفاً أن مجموعة من العوامل تضافرت هذا العام لتسجيل موسم لم يسبق له مثيل من حيث الحجم والأسعار بتاريخ البلاد.

وأظهرت الدراسة أن الطلب على القمح تزايد هذا العام بشكل رئيسي، بسبب موجة الجفاف التي ضربت الأراضي العام الماضي، مما شكل ضغطاً كبيراً على احتياطي الحبوب الأمريكي إلى جانب تراجع موجة الحميات الغذائية التي تستبعد الخبز من قوائم طعامها.

كما أشارت الى ان عدداً كبيراً من مربي الماشية يبحثون حالياً عن مواد جديدة لاستخدامها علفاً لحيواناتهم هذا الموسم، مع الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار القمح في الأسواق، علماً أنهم كانوا يعتزمون استخدام هذه المادة كبديل عن الذرة التي باتت "الذهب الزراعي" الجديد.

ولفتت وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن سعر كيلو القمح الواحد (يوازي ثمانية غالونات) سيبلغ 4.30 دولاراًَ، بفارق بسيط عن أعلى سعر وصلت إليه هذه المادة وهو 4.55 دولاراًَ عام 1995 - 1996 وذلك بالرغم من أن محصول هذا العام أضخم بكثير من محصول السنوات الماضية في أمريكا والعالم.

وكان مزارعو الولايات المتحدة قد عمدوا إلى مضاعفة الأراضي الزراعية المخصصة للقمح الخريف الماضي، بعدما بلغت الأسعار حداً غير مسبوق في تلك الفترة وفقاًَ للأسوشيتد برس.

وقد خصصت مساحة 3.5 ملايين إيكر إضافي لزراعة القمح الشتوي، أضيفت إلى المساحات الشاسعة التي أُعيد زراعتها هذا العام بعدما حالت موجات الجفاف دون ذلك العام الماضي، مما سيرفع إجمالي الأراضي الزراعية المخصصة للقمح هذا الموسم إلى 60 مليون إيكر.

وتوقعت التقارير أن تخصص النسبة الأكبر من الإنتاج المحلي للاستهلاك الداخلي، مع ارتفاع الحاجات المحلية وانخفاض الطلب الخارجي المترافق مع التوسع المتزايد في زراعة القمح حول العالم.

يذكر أن الطاقة البديلة باتت هاجس الإدارة الأمريكية الجديد لأسباب سياسية واقتصادية وقد شكلت المحور الأساسي لجولة جورج بوش إلى أمريكا الجنوبية حيث وقّع مع نظيره البرازيلي: "اتفاقية الإيثانول."

وقد قال بوش آنذاك أن زيارته تهدف لتشكيل تحالف للدول المصدرة للإيثانول، والترويج لإنتاج الوقود المستخرج من الذرة في أمريكا الوسطى ودول الكاريبي، لمواجهة زيادة الطلب على هذا الوقود الحيوي.

الا أن بعض الخبراء يحذرون من أنه قد يؤدي الى معاناة كثير من البشر الجوع بسبب ارتفاع أسعار الطعام.

ويتنبأ بعض الخبراء بتغير دائم في اقتصاديات الغذاء اذا حصل المزارعون على أرباح من المحاصيل التي ستخصص للوقود أعلى من تلك التي يحصلون عليها اذا ما زرعوا محاصيل لاطعام البشر.

ويقول خبير امدادات الاغاثة الغذائية البريطاني ادوارد كلاي "نحن نشهد بنية جديدة للاسواق." وأضاف "قد تكون لها تأثيرات عميقة على الفقراء."

وتعهد زعماء العالم في عام 2000 بتقليل سكان العالم الذين يعيشون على دولار أو أقل يوميا ويقاسون الجوع بنسبة النصف عام 2015. ويقدر هؤلاء بنحو 1.2 مليار نسمة وهو ما يساوي خمس سكان الكوكب في 1990.

وطبقا لمراجعة في عام 2006 لتقويم مدى الالتزام بالهدف السابق فان قرابة 824 مليون نسمة في العالم النامي عانوا جوعا مزمنا في 2003 وغالبيتهم جنوب الصحراء الافريقية وفي جنوب اسيا.

ومع انخفاض موارد الشركات الغربية من النفط وارتفاع أسعاره الى قرابة ثلاثة أمثاله منذ بداية 2002 لاعلى من 60 دولار للبرميل فان استخدام الوقود الحيوي على نطاق واسع بدا هدفا يمكن الوصول اليه.

ويشعر المكسيكيون بتأثير ذلك. فقد اشترك عشرات الالاف في مظاهرات في يناير كانون الثاني عندما ارتفعت أسعار الخبز المحلي الى ثلاثة أمثال السعر السابق الى 15 بيزو (1.36 دولار امريكي) للكيلوجرام. وينتج كيلوجرام الذرة حوالي 35 من أقراص التورتيا الرقيقة التي تعتبر غذاء شعبيا مكسيكيا.

وبما أن نصف المكسيكيين يعيشون على 5 دولارات أو أقل في اليوم فان هذا الارتفاع لا يعتبر طفيفا على الاطلاق. وقد تدخل الرئيس فيليب كالديرون المحافظ المؤيد لتحرير الاقتصاد من أجل تثبيت الاسعار.

وتتزايد الضغوط لتحويل الاراضي المزروعة من المحاصيل الغذائية الى محاصيل الوقود بسبب زيادة الطلب على الوقود الحيوي وهو ما سيساهم في رفع الاسعار.

وسيسهم في ارتفاع الاسعار توجه اقتصادي الصين والهند الصاعدين نحو تحقيق اكتفاء ذاتي ليس فقط من الوقود وانما من الغذاء أيضا. فالطبقة الوسطى المتنامية في الصين تريد أن تتناول المزيد من اللحوم وهو ما يتطلب انتاج مزيد من حبوب الاعلاف وهو ما سيرفع بدوره الاسعار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16 نيسان/2007 -25/ربيع الاول/1428