"من" هي الشخصية الكارزمية؟

لطيف القصاب

 وقفت في احد مؤلفات الدكتور علي الوردي على فكرة مفادها ان العراقيين وبسبب ما عاشوه من ترد وانحطاط اجتماعي طوال خمسة قرون من حكم بني عثمان صاروا يتخذون امثلتهم العليا من شرائح يفترض ان تكون تجسيدا حيا لحثالة اي مجتمع معافى، وكان يقصد بذلك رحمه الله شخصية "الشقي او الشقاوة او  الاشقياء" تلك الشخصية التي غدت في عيون الناس انذاك انموذجا يحسن الاقتداء به على اكثر من صعيد ومدعاة للتفاخر والمباهاة بين حي واخر ومحلة واخرى.

 ورغم ان الاستاذ في بيانه يعزو اهتزاز النظرة فيما يخص الشخصية "القدوة " او (الشخصية الكارزمية) الى اسباب  البؤس والقهر والحرمان والانكسارات النفسية الهائلة التي اخذت من اهل العراق كل مأخذ في تلك الحقبة المظلمة من تأريخهم الاسود الا انه في ذات الوقت يمنح القاريء انطباعا في ان مجرد فكرة  البحث عن قدوة جديرة بالاتباع او التأثر  في اي مجتمع كان يعد دليلا لا لبس فيه على وجود حاجة لابد من اشباعها وفراغ لابد من ملئه ووظيفة هامة على المجتمع ان يختار لها شخصية مناسبة بحسب ظروفه واحواله، والمجتمع بهذا الاختيارـ وبافتراض عدم وجود اجندة سياسية داخلية او خارجية ـ  يمارس لا شعوريا عملية انتخاب ديمقراطي تجري باقصى درجات العفوية ولا تحتاج الى كثير من ابواق الدعاية والاعلام للتدليل على مدى صدقها ونزاهتها، كما ان سر الاهمية في هذا المنصب الاجتماعي الخطير يتجلى  في كونه عنصرا جوهريا من عناصر وحدة المجتمع ينفخ قويا في الروح التي تربط فيما بين اوصاله وسدا منيعا يحول دون التفكك الاجتماعي او يقف عائقا دون استشرائه على اقل تقدير.

في الاونة الاخيرة استقطبت فتاة عراقية او نصف عراقية كما وصفها البعض اهتمام  كل الوان واشكال المجتمع العراقي تقريبا فحتى المع الكتاب من المثقفين  تابع بحرارة الفتى المراهق مراحل السباق الفني الذي انتهى بحصد العراقية شذى حسون لوسامه الاول، ولئن اكتفت فئة المراهقين بالرقص والهتاف  والتصفيق  فقد انغمس العديد من كتابنا في حالة من الهستيريا الثقافية وراحوا يدبجون  المقال تلو المقال انتشاءً بالنصرالعراقي المؤزر واحتفاء ببطلة الحي التي كسرت مقولة "مطربة الحي لا تطرب.. "

لااريد من ذكري لهذه الحادثة ان اثير استياءك عزيزي القاريء مطلقا واقصى ما اتطلع اليه هو الاشارة  الى مدى الحاح ظروف العراق الراهنة على مطلب اشباع حاجة عامة تتمثل في  وجود بطل عراقي  اي بطل وقدوة عراقية اية قدوة،وبالتالي الفات عناية رجال الدولة والمشتغلين في حقل صناعة الراي العام  من الادباء والفنانين والاعلاميين  الى ضرورة  العمل الجدي من اجل خلق قدوة ايجابية تساهم بشكل فاعل في الابقاء على ماتبقى من نسيج هذا المجتمع المهتريء كشخصية الطبيب الانسان..، او شخصية الزوج او الزوجة الصالحة..، او اصحاب الكفاءات والمفكرين الباقين على قيد الحياة حتى الان...،مع ملاحظة امكانية اندلاع خطر الاقتداء بشخصيات اقل سطوعا من شخصية "الشقي"، بدات تلوح في الافاق وباتت في بعض الاحياء والمحلات جاهزة لتسيد الموقف ("الاخلاقي") فعلا، كشخصية "العلاس" او "الصكاك" او "الامير"..،ومع وجود اجندات سياسية لدول شتى تتدرع بمؤسسات اعلامية عملاقة كقناة الجزيرة القطرية سعت وتسعى جاهدة لتسويق الشخصية الاخيرة على وجه التحديد باعتبار كونها تمثل شخصية البطل المخلص او القدوة الجديرة بالاتباع ومع وجود هزال حكومي واضح على صعيد الرؤية والخطاب لابد من عمل جماعي  مجاني واسع النطاق لصد الفناء الكامل او تاجيله الى حين ...

ان استكشافا سريعا لمنصب القدوة بمعناه الايجابي في تاريخ العراق المعاصر يفضي بنا اولا وفبل كل شيئ الى بريق شخصية المعلم،تلك الشخصية التي رسمت في مخيلة كل شخصية اخرى صادفتها..، صورة من التبجيل والتوقير ماتزال عصية على عوامل الاندثار والنسيان، وبخاصة مع الجيل الذي عاصر المعلم ايام تسنمه  المرتبة العليا في السلم الاجتماعي اي قبل ان تجبره الظروف اوالسلطات الى التنحي عن منصبه بالافقار تارة وبالاحتقار تارة اخرى لصالح شخصية السيد الضابط بُعيد اندلاع الحرب العراقية الايرانية مباشرة، لتستولي شيئا فشيئا عبارة  "لو مُلازم لوملازم " على عقول الناس وبخاصة النسوة منهم ولتزحف مع الاسف الشديد  على مقولة "مربي الاجيال وربما فارس الاحلام ايضا.."، الفاظ نابية لا يجدر بنا التطرق الى ذكر  شيء من ضحالتها سيما ونحن  في صدد الدعوة  الى وضع الشيء المناسب في المحل المناسب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 13 نيسان/2007 -22/ربيع الاول/1428