أقلام للبيع

عبدالامير علي الهماشي

 قد يكون هذا العنوان تعبيرا عن الألم والحسرة التي تنتاب القارئ مما يقرأه في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية التي تُسخر من أجل قضايا يشعر من خلالها أنها موجهة ضده سواءا في المجال الثقافي أو السياسي أو الديني،وأنها تجافي الحقيقة كثيرا.

ويحاول بعض أصحاب هذه الاقلام عرض بضاعته مسخرا كل إمكاناته ومواهبه في سبيل نيل رضى المشتري دون أي اعتبار للحقيقة والتاريخ وحتى الاسم الذي بذل سني عمره الثقافي من أجل صنعه، وقد يتفنن في لوي الحقيقة وتطويع موهبته الكتابية وإمكاناته الثقافية من أجل ذلك.

وهكذا نرى اليوم سوقا للنخاسة ولكن ليس لبيع الجواري والغلمان وإنما للمثقفين وعذرا لكل المثقفين الملتزمين ولكني لم أجد غير هذا التعبير.

ولكن لا لن اُعبر عنه بسوق النخاسة فهذا السوق ينشأ نتيجة الحروب والغزوات في السالف من التاريخ حيت تُسترق النساء والغلمان بعد خسارة من كاونوا ضمن قبيلته وجيشه،فلا يمكنني أن اُشبه هذه الظاهرة بسوق النخاسة، بل هي ظاهرة بائعة الهوى،ظاهرة العُهر الثقافي والدعارة الاعلامية!! حيث أن الفتاة تعرض جسدها مقابل مبلغ نقدي أو غيره في ظروف مختلفة ثم  تستمر كمهنة تمنتهنها بعد ذلك.

ولذلك عندما يعرض المثقف أو الكاتب كل إمكاناته على هذه الجهة أو تلك فإنه يمثل تلك الفتاة أو (الفتى) في هذه الأيام التي (الذي) يعرض جسده للبيع ليلتذ الاخر به، وقد تكون لهذه الافعال أثار لاتتعدى الفرد أو الفردين.

ولكن عندما يتعلق الامر بأصحاب الأقلام ومايسطرونه في هذا المجال فإن نتائجه الوخيمة والمدمرة ستظهر أثاره في المجتمع كله.

فالكاتب والمثقف عندما يتحول الى ظاهرة في المجتمع فإن حركته الفكرية من خلال ما ينشره يكون له أثر كبير في المجتمع والامة،فإما أن يكون مصدرا للاشعاع والتنوير أو يكون غير ذلك.

لقد درسنا فيما مضى الفرق بين الادب الملتزم وغيره وبين الاديب الذي يكتب لذاته والاديب الموضوعي والنتيجة أن الاديب الملتزم لابد من أنه يعبر عن ذاته ويجسدها عندما يكون موضوعيا والاديب او المثقف لايمكن أن يكون ممنفصلا عن مجتمعه وإن عبر عن ذاته وكتب  لها فهو يعكس ذات المجتمع الذي ترعرع فيه ضمن نظرية التأثير والمؤثر من الاجواء المحيطة البيئة والتربية والتراث والعامل الوراثي.

والاديب الملتزم والموضوعي لايمكن أن يكون بهذه الحالة إلا إذا شعر بها وأصبحت جزءا من المنظومة الفكرية التيس يتحرك من خلالها وإلا كان إزدواجيا يعيش حالة مرضية.

إن أخطر ما يواجه المثقف أو الكاتب هو أن يتحول الى موظف يعتاش من خلال قلمه ولنتصور ماهو رد الفعل عند الاخر عندما يسأني عن وظيفتي فأقول له مثقف أو كاتب!!

لقد استطاع النظام البائد في العراق ولعدة عقود من أن يأسر الا قلام ويقولبها في درجات الوظيفة وأصبح صاحب القلم يعتاش به ونتيجة للظروف التي سادت قمعت وكُسرت الاقلام خارج هذا الاطار وأصبحت ركاما في الوسط العراقي الثقافي.

وكان الخطر المميت هو تكريس كل المواهب والمبدعين الى موظفين مكرسين جهودهم في خدمة النظام الاستبدادي.

والمشكلة التي نواجهها بعد التغيير الكبير في التاسع  من نيسان عام 2003 وسقوط الديكتاتور هو اُلفة بعض هذه الاقلام للوضع السابق ووجود صعوبة كبيرة في الانعتاق  وكأنهم أدمنوا تلك الحالة.

والملاحظ أني لم أجد (وهي تجربة شخصية) أحدا من أصحاب الاقلام المرموقة قد سجل أو دون مخطوطات خالفت ما أنتجه في تلك الفترة كحالة وقائية وعلاجية وكشهادة تاريخية له

لانني اُحسن الظن بالكثير منهم من أنه كان مجبرا على ترويج للطاغية المقبور ومع الاسف لم أر من ذلك شيئا.

واليوم نجد أن أصحاب هذه الاقلام تمارس وظيفتها القديمة ولكنها تبحث عن من يدفع أجرا أعلى في عملية طوعية بعدما قيل سابقا أن الأمر كان قسريا.

وليس من غريب القول تنقل بعض هذه الاقلام خلال هذه السنوات الاربع بين مروج للوجود الامريكي ولليبرالية الامريكية وبين المقاوم له أو بين الاسلام الحركي والممقت له وبين الطائفي وغيره.

في عملية عرض للقلم وسيبرى لمن يدفع أكثر أو يعطي امتيازات أكثر وتلك هي الدعارة الثقافية الجديدة تحت مسميات كثيرة وتبريرات جاهزة لن أُناقشها لانني فقط احاول تسليط الضوء على الظاهرة ليس إلا.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12 نيسان/2007 -21/ربيع الاول/1428