المتجاوزون بين مطرقة القانون وسندان الفقر والحاجة

النبأ/تحقيق: عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: دولة العراق الحديثة، دولة لا زالت في دور التكوين والنمو، وهي في صحراء جافة، لا تتخاطف فيها غير العواصف، وتتكالب عليها قطعان الذئاب الشرهة في كل اتجاه، وأن امنية العراقي بالامن والاستقرار والرفاه الاجتماعي، مربوط بشكل كبير في نمو قوة الدولة واستقرارها السياسي.

الدولة العراقية من جانبها تحتاج بشكل اساس الى تاييد المواطن ومؤازرته لها، وتعاونه لانجاز هذه المرحلة العسيرة والمهمة في تأريخ العراق، وكلا الجانبين أي الدولة والمواطن لديه التقصير الذي له اسبابه وظروفه المتنوعة، فالدولة يتضح تقصيرها من خلال الخدمات، اضافة الى انها لم تحل جذر المشكلات المسببة، وخاصة التنمية الزراعية والصناعية، وهي السبب الرئيسي في التضخم السكاني في المدن، وتواجد نسبة كبيرة من المجتمع الزراعي معتاشا في اسواقها، وموسعا من رقعتها السكنية،  ونطاق خدماتها، في وقت تشكو هذه الخدمات من عجز كبير اصلاً، كذلك ما يحصل باسواق العمل الذي يختنق بالجيوش المتكدسة من العاطلين بشكل تصاعدي.

المواطن من جانبه وبعد يأسه من حلم بناء (مليون وحدة سكنية) وبعد قنوطه من خطط التنمية الزراعية،  اخذ يحل ازمته الملحة خارج اطار المتعارفات القانونية، فتجاوز على الاراضي العامة، وهو بذلك يعطي الدولة هامش كبير من الوقت، كذلك يسحب عنها ضغطا محتملا ريثما تجد الدولة الحل الامثل، لكي تباشر بحل المعضلات من جذورها الحقيقية.

المفارقة ان الحل الذي راته الدولة بانه هو الامثل، كان متمثلا بتهديم صرائف المتجاوزين وارسال الآليات الضخمة التي اعدت من جانبها الخيّر للتعمير،  لكنها ارسلت هذه المرة لتنذر اصحاب الحجر الطينية، بمقدار بطشها لو انها بطشت!.

ويعني هذا فيما يعنيه تمزيق عهد الصداقة والثقة والدعم الانتخابي التي اولاها المواطن للدولة، وذلك بعد اول خطة امنية لم يتاكد نجاحها بعد.

وياتي السؤال هل يذهب المتجاوزون كما يامل بعض المخضرمين الى الزراعة، وتنمو الارض بصورة سحرية!.

أم انهم سيذهبون الى المريخ؟

من المؤكد انهم سيتغلغلون في المدن، والتغلغل سيحدث كارثة، وتتمثل هذه الكارثة في اتقاد بدلات الايجار وانفجار شبكات الماء والكهرباء المتهالكة اصلا، واشياء اخرى أتت على لسان المتجاوزين.

شبكة النبأالمعلوماتية، سلطت الضوء على حالة التجاوز وظروف المتجاوزين والاسباب التي دعتهم للجوء الى السكن غير الاصولي.

التقينا السيد عباس رهيف عبد الرضا، وهو صاحب دكان متواضع صغير وطرحنا عليه موضوع التجاوز الذي شبّهناه له بالحبل المتوتر بين المتجاوزين والوسائل الحكومية:

قال السيد عباس لـ شبكة النبأ: ان على الدولة ان تنظر الى عدة ظروف قد مرت بالطبقة الفقيرة التي تشكل السواد الاعظم من الشعب العراقي، واول هذه الظروف الحروب المتعددة والعسكرة بكل ماتعنيه تداعياتها.

الظرف الثاني هو الحصار المزدوج الذي فرضته القوى العالمية، والحصار الذي فرضته سلطة النظام البائد الجائرة بكل سنواته الثلاث عشر.

الظرف الثالث هو الفترة التي اعقبت زوال النظام منذ 2003 وهي فترة واضحة لكل عراقي على كافة المستويات، وقطعا دفعت الطبقة الفقيرة اثمان الظروف التي ذكرتها، واسأل الآن ماذا تبقى للطبقة المسحوقة ان تدفعه؟  فانا خرجت بعد كل هذه( الهلمّة) معوق حرب، جرحت وبترت قدمي في حرب الثمانين مع ايران بلا اية حقوق لحد هذه اللحظة، وبشكل عام فان المتجاوزين يعيشون حالة مزرية وبائسة الى ابعد الحدود، فاذا كانت المبادئ الانسانية التي تنادي بها الاحزاب صحيحة وصادقة فعلا، سواء من تتخذ الدين كمعيار للعدل، او تتخذ التجارب الانسانية للشعوب الاخرى، فان معيارها المقصود لن يبدا الا بالطبقة الفقيرة، فهناك آلاف العوائل بلا مورد على الاطلاق، فلا يرضي ضمير أي انسان له موقف مبدأي في الحياة ويؤمن بكرامة المواطن، ان يرى العراقيون يقفون على ابواب المنظمات الانسانية!!، وهو الغارقون حتى آذانهم في بحيرة النفط والكنوز المخبأة الاخرى.

التقينا السيد جلال احمد وهو يفتح لنا باب داره التي تشبه خربة متروكة قائلا وهو يؤشر، بربك اهذه  تسمى في المسميات دار!؟.

كانت عبارة عن غرفتين مسقوفتين بالجذوع، واحدة منها بدون باب، وقد استعيض عن الزجاج، بقطع الكارتون لسد فجوات شبّاكها.

قلنا له، لقد التقينا بعض المواطنين، واوضح لنا ان اغلب المتجاوزين كانوا يمتلكون بيوتا عامرة ومتكاملة، الا انهم باعوها، ثم استولوا على عدة قطع واخذوا يبيعونها لغيرهم.

اجاب المواطن جلال، انا ماكنت يوما قد امتلكت دارا، او قطعة سكنية، لارتفاع ثمنها الذي لا استطيع ان ادفعه، فقد استطعت ان ابيع كل متحصلاتي وشراء قطعة الارض هذه.

اما بشان من يمتلكون دوراً او ان حالتهم المادية جيدة بشكل عام فان هؤلاء  قد رصدوا من قبل المتجاوزين انفسهم وقد اخبرنا اللجان بهم، كذلك تعيين الدور التي يؤجرونها ضمن المتجاوزين، وهؤلاء قلة قليلة ممن تدفعهم نفوسهم الدنيئة، وهم افراد هاجسهم الربح وليس الحاجة.

ـ هل هناك سند اصولي للبيع والشراء؟:

ـ هذا الامر غير موجود، فالبيع والشراء يتم بصورة شفوية، كما لو انك تشتري جهاز تلفزيون!.

فالبائع يفرغ لك المكان في وقت متفق عليه، ويكون لك ان تاتي باغراضك، وتنزل في ملكك الجديد!.

كان الاطفال وبعض الشباب قد تجمعوا حولنا، وكل يحاول ان يدلو بدلوه في هذا الموضوع، فمنهم من اعلن استياءه، ومنهم من هزا بلقاءنا مع المتجاوزين، عاداً ذلك من العبث واللافائدة، (مجرد كلام جرائد لاغير).

ولكن الهرج الذي احتدم حولنا، لم يمنعنا من الاستمرارمع السيد جلال.

ـ مالذي تفعله الحكومة حيال امر التجاوز، وهو قطعا حالة غير صحية، اقل الجوانب فيه ان الدور المنشاة لم تخضع للتخطيط العمراني؟.

يجيب، على الدولة في الوقت الراهن، ان تتريث وتصبر على المتجاوزين، ريثما تهيئ البدائل المناسبة،  ولا باس من ان تبلغ المتجاوزين، بان وجودهم في حالة التجاوز هي حالة مؤقتة، لمدة ثلاث سنوات على سبيل المثال، لكي لايغالي المواطن بتشييد البناء الاضافي بلا جدوى، ويحمل نفسه اعباءا  اضافية.

وتقول ام علي لـ شبكةالنبأ: بانها فقدت ابنها في سلسلة التفجيرات التي اجتاحت البلاد في عام 2004 في منطقة بين الحرمين، اثناء ما كان يبيع بعض الاشياء للزوار، وهي بعد ذلك قد باشرت العمل نفسه لفقدها معينها الوحيد، واظنها تأوي الى غرفتها الوحيدة في آخر النهار لتتقاسمها مع الوحدة والاحزان.

وأم علي امراءة كبيرة السن، مات عنها زوجها منذ اكثر من عشر سنوات، وظلت متعزية بابنها.

ولربما قد اوهنتها الحوادث الجسام، وزادت من شيخوختها، فهي تسير بحذر وارتباك وكانها تعاني من مرض عضال.

ماكاد حديثنا ينتهي مع ام علي، حتى استمعنا الى المدعو ياسر دوهان، وقد بدا ساخطا، لربما اعتبرنا ممن بايديهم القرار، كان يتكلم بعصبية ظاهرة بما معناه، الطبقة الفقيرة قد استخدمت وعلى طول الخط، من قبل الحكام كدعاية لهم، ولكن ما ان تمر الايام حتى نكتشف بانهم في خدمة الاثرياء، ويزيدون المتشردين تشريدا وبؤسا على بؤسهم!.

اليس افراد الجيش والشرطة هم من هذه الطبقة الفقيرة !؟ وهم الذين انيطت بهم حماية البلد واحلال الامن؟... الاثرياء لم تتوقف مكائنهم ولا تجارتهم، او كما يقول المثل المصري،( زي المنشار طالع واكل نازل واكل)!.

سيد حميد ،الوحيد الذي تكلم معنا بهدوء قائلا لـ شبكة النبأ: بان تغلغل المتجاوزين الى عمق المدن بحالة اخراجهم من مساكنهم لا سامح الله ، وهم بهذا العوز، والعري من المستلزمات الحياتية بادنى صورها، ماذا سيكون اتساع الجريمة، وخصوصا والغلاء الفاحش لبدلات الايجار، هذا اذا اخذنا بالحسبان ان نسبة لايستهان بها  من المتجاوزين، تقوم الاعالة  فيها من قبل النساء، او النساء واطفالهن، وحتى ممن شملن بقانون الرعاية ، فان الراتب المستحصل لا يكفي لمجرد توفير الغاز او النفط، او خط الكهرباء للمولدات المحلية. فكيف لو كنّ يدفعن مبالغ ايجار؟.

والشباب العاطل عن العمل وهو يرى اقرانه في البيئة الجديدة المحتدمة بالمغريات؟

انا اظن ان عدم التماس هو الافضل اقلها تساير المثل القاءل(لاعين تشوف ولا قلب يحزن).

وقال السيد سلمان وادي، انه جاء قبل ايام من النجف الاشرف، وكان متجاوزا هناك، وقد قامت السلطات الحكومية بتهديم سكنه، وهو الذي خسر في تشييده مبالغ طائلة بحسب تعبيره، الا ان السكن في تلك اللحظات تحول الى مجرد انقاض، باعها بمبلغ زهيد لايتجاوز المائة الف دينار، جعلها اجرة لنقله وعائلته الى محافظة كربلاء بصورة لجوء، ثم اردف وهو يتبسم متسائلا: ــ  ولا ادري أهو لجوء انساني ام سياسي؟!.

قلنا له من قبيل المواساة، هو بلدك تحل فيه اينما اردت، تجده انشاء الله  حضنا دافئا يحتويك ويغذيك.

استانف السيد سلمان، لقد جئت الى هنا لأقاسم شقيقي داره ريثما تنفرج الامور، لشقيقي غرفة ولي الغرفة الثانية، وعلى الغرفتين ان يتحملان ضجة الاطفال وزعيق النسوة، الامر اشبه بان يكون الانسان في ارض معركة، لا تهدأ هذه الضوضاء الا عندما يسيطر سلطان النوم، في تلك اللحظات يمكنني ان احلم ببيت، وعمل، ورفاه، أي انني ادخل الى عالمي السري الذي لايراه احد غيري!!.

وقد قمنا باسئلة اخرى لبعض المواطنين، لكنها كانت تسير وفق هذا الاطار.

انتهت جولتنا من بين تلك الاحياء، التي يتقطر منها البؤس وتتلفع بالعوز، ومن ناسها اللذين ارهقهم الانتظار والحرمان، وهم يحملون يأسهم من جهود ضاعت كما الامنيات المستحيلة.

والجدير بالذكر ان مظاهرة قد طافت شوارع كربلاء الاسبوع قبل الماضي، طالبت بعدم تهديم سكن المتجاوزين، والاسراع  بوضع حلول جذرية لهذه المشكلة، وذلك يتطلب من الدولة ان تسعى بجد الى التنمية الاجتماعية، وتفعيل البنى الاقتصادية، وبشكل اساس القطاع الزراعي، والقطاع الصناعي، وقد وعد المتظاهرين خيرا، كما جرى تطمينهم بعدم تهديم مساكنهم، حيث تأجل الامر الى اشعار آخر. ومجلس المحافظة يسعى بحسب ما اكده المسؤول الذي التقى المتظاهرين، الى ايجاد الحلول الانسانية التي يستحقها العراقيون وخصوصا الطبقة الفقيرة منهم.

 هذا وقد شرعت لجان خاصة وتولت تسجيل المتجاوزين لاثبات حالهم، واملاء استمارات معلوماتية تخص احوالهم الاجتماعية والمعاشية، وذلك كما يبدو ان مجلس المحافظة جادا بدراسة هذه المسالة، ووضع الحلول المناسبة لصالح مواطنيهم من الطبقة الفقيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 8 نيسان/2007 -17/ربيع الاول/1428