أسوء كارثة في العالم

درويش محمى

 شهدت الثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي، نزوحاً للقبائل العربية الرحل من تشاد وغرب افريقيا الى اقليم دارفور بسبب التصحر والجفاف وقلة المرعى، ومنذ ذلك الحين كان اقليم دارفور مسرحاً لنزاعات متقطعة محدودة، بين السكان الاصليين والقادمين الجدد.

 نزاعات لم تكن ذات طابع اثني في بداياتها، رغم التهميش الاقتصادي والاجتماعي المتعمد الذي تعرض له الاقليم من قبل السلطات المتعاقبة في الخرطوم، وغالباً كان يتم فض تلك النزاعات بسرعة عن طريق اللجوء الى تحكيم النظم العشائرية المحلية، لكن السياسة المتبعة الخاطئة لخرطوم، ومحاولاتها الحثيثة لتعريب أقليم دارفور، بالاضافة الى المكاسب التي حققتها الحركة الشعبية في جنوب السودان، دفعت السكان الاصليين الى التمرد في محاولة للحد من الخروقات المتكررة للقبائل العربية، والمطالبة بتوزيع عادل للسلطة والثروة، وعوض عن ان تقوم الحكومة السودانية في التدخل لفض النزاعات وايجاد حلول سلمية للازمة، عمدت الى توجيه وتشجيع عصابات الجنجويد ودعمها لتتحول الى قوات شبه نظامية، تقوم بعمليات تصفية عرقية وأبادة جماعية وفق سياسة ممنهجة .

" اسوء كارثة في العالم" هذا ما ذهبت اليه الامم المتحدة في وصفها لما تعرض له المزارعين الافارقة من اهل دارفور، منذ ابريل عام 2003 على ايدي مقاتلي عصابات الجنجويد وغالبيتهم من الرعاة العرب، بدعم وتمويل ومشاركة من الحكومة المركزية في الخرطوم، تلك الحملة المنظمة تعتبر بحق جرائم ابادة جماعية من الطراز الاول، حيث أدت الى مقتل اكثر من 200 الف شخص وتهجير ما يقارب 2،5 مليون من السكان المدنيين في دارفور، جرائم حرب استخدم فيها اغتصاب النساء بشكل واسع كسلاح مرعب في عملية تصفية اثنية رهيبة، بالاضافة الى عمليات النهب والحرق والسلب والاستيلاء على الممتلكات، جرائم فظيعة حصلت على مرمى ومسمع من المجتمع الدولي، الذي لم يتحرك ولم يستيقظ ضميره الا بعد وقوع الواقعة، وتحت ضغظ جماعات حقوق الانسان، وما حصل في أقليم دارفور على مدى ثلاث سنوات متواصلة فعلاً كارثة ومأساة حقيقية، والامم المتحدة كانت موفقة ودقيقة في وصفها لما حدث في دارفور، ليس فقط لبشاعة الجريمة وفداحة حجمها وحسب، بل كونها حدثت ولم يمنع احد حدوثها، وتدخل الامم المتحدة لم يكن الا تحصيل حاصل، وصحوة ضمير متأخرة جداً .

التأخير غير المبرر للمجتمع الدولي في التدخل لوقف جرائم دارفور، قابله الصمت العربي والاسلامي المريب المخزي، والضمير العربي والاسلامي الذي مازال غائباً ولم يصحو بعد من غفوته، كعادته، لا الضمير الشعبي الساذج ولا الضمير السلطوي الحاكم، ليستمر ظلم الاخوة في الدين والوطن على اخوة لهم في الدين وشركاء في الوطن، وتتكرر الجريمة، من انفال كردستان الى دارفور السودان، والضحايا بمئات الالاف، من المسلمين غير العرب، مدنيين لا حول لهم ولا قوة، ويتكرر التدخل الغربي لايقاف الجريمة، وكذلك يتكرر الصمت العربي والاسلامي قبل واثناء وبعد وقوع الجريمة .

الموقف العربي والاسلامي الرسمي وغير الرسمي، من تجاهل وانكار تجاه ما حصل من انتهاكات وفظائع ضد الانسانية في اقليم دارفور، يشير الى أزمة أخلاقية حادة مزمنة لم تعد خافية على احد، وتستدعي التفكير ملياً في اسباب وخلفيات هذه الظاهرة الغريبة، لكن من المؤكد اننا كأمة اسلامية نعاني من خلل اخلاقي وقيمي فظيع، امة لا تبالي حين تجتنب الكبائر وتخرج عن بكرة ابيها للتنديد والرفض والتظاهر حين تقع الصغائر .

من بعض المفارقات المضحكة المبكية، التي حدثت بعد صدور لائحة المحكمة الجنائية الدولية بأسماء المتهمين في جرائم دارفور، ان احد المتهمين الرئيسيين والذي حاز على المركز الاول على لائحة الاتهام، يشغل حالياً منصب وزير الدولة للشؤون الانسانية، مفارقة اخرى حصلت عشية صدور تلك اللائحة، مسؤول سوداني كبير يخرج على هواء احدى الفضائيات العربية، محتجاً بعدم صلاحية المحكمة الدولية ويقول "ماحدث في دارفور ليس من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لان ما حصل لايشكل خطراً على السلم الدولي "، وكان محلل سياسي سوداني صاحب افضل مفارقة، عندما وصف تدخل المحكمة الدولية " بالتفاهة والتدخل غير الاخلاقي وغير القانوني ....... " .

تحرك مجلس الأمن الدولي، بإيعاز من دول"غربية" كالولايات المتحدة وانكلترة وفرنسا، أدى الى وقف عمليات الإبادة الجماعية بحق أهل دارفور ولو بشكل غير نهائي، في المقابل مواقف كل من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي إزاء أزمة دارفور، لم تصل حتى لدرجة الإدانة اللفظية التقليدية المعهودة، موقف مؤسف حقاً، ويا لها من مفارقة عجيبة غريبة .

الامم المتحدة وصفت مأساة دارفور"بأسوء كارثة في العالم"، لكنني أعتقد جازماً، أن الموقف العربي والاسلامي تجاه مأساة دارفور لا يمكن وصفه، الا باسوء كارثة اخلاقية في العالم الاسلامي، ولا حول ولا قوة الا بالله، وبمجلس الامن مع كل مساوءه .

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 14 آذار/2007 -24/صفر/1428