احتدام الصراع بين القاعدة والفصائل المتعاونة معها يقرب السنّة من الحكومة والصف الوطني

 شبكة النبأ: يبدي العراقيين بعض الرضا والاطمئنان على الخطة الامنية كما تشير استطلاعات للرأي، خاصة وانهم لمسوا انها  تجاوزت الخطوط المذهبية وطالت عملياتها لفرض القانون المناطق السنية والشيعية على السواء وصارت تضرب بدون حساب الطائفة، الامرالذي يساعد على استعادة ثقة الناس بالحكومة المتهمة في اوساط معينة بكونها طائفية او خاضعة لنفوذ طائفي.

وشجع هذا التطورالنخب السياسية والقواعد الاجتماعية السنية على الابتعاد عن الجماعات المسلحة وخاصة تنظيم القاعدة، وبعد ان اصبحت القيادات السنية المنخرطة في العملية السياسية هدفا للجماعات المسلحة كما حصل مع سلام الزوبعي واخرين.

واليوم نشهد توترا متصاعدا بين هذه النخب والقواعد الاجتماعية من جهة، وتنظيم القاعدة ودولتها الاسلامية المزعومة رغم انها تحاول لعب الورقة الطائفية وتعلن صراحة انها تسعى من اجل اقامة كيان سياسي للسنة في العراق، وهو منطق طائفي وتقسيمي لا يمكن ان توافق عليه النخب والقواعد السنية العراقية المعروفة بولائها الوطني وتمسكها بهويتها العراقية.

وهذا ما دفع القاعدة الى تصعيد تهديدها لهذه القيادات والنخب والاشتباك العسكري معها، كما حصل مع عشيرة زوبع، اضافة الى عشائر الرمادي وديالى.

ويساعد هذا التطور بطبيعة الحال على اقتراب النخب والقواعد السنية من الحكومة الحالية، مقابل ابتعادها عن فكرة حكومة الانقاذ الوطني. ومما يشجع على هذا الاتجاه الموقف الكردي الواضح والحاسم والذي عبر عنه الزعيم مسعود البارزاني في اتصالين هاتفيين منفصلين مع زعيم الائتلاف الشيعي عبد العزيز الحكيم ورئيس الوزراء نوري المالكي، والذي جاء فيه ان الكرد لن يدخلوا في مشروع يستهدف العملية السياسية الحالية.

ولم يكن هذا الموقف بعيدا عن الموقف الذي عبر عنه الرئيس الامريكي بوش الذي اخبر المالكي في لقائهما على الدائرة التلفزيونية المغلقة :"لن نسمح باي تحرك يستهدف المسار السياسي الذي قامت عليه العملية السياسية."

وقال السفير الامريكي في العراق ان مسؤولين أمريكيين وعراقيين أجروا اتصالات مع جماعات عربية سنية مسلحة لاقامة تحالف ضد تنظيم القاعدة. حسب تقرير لرويترز.

وقال السفير زلماي خليل زاد انه يشعر بتفاؤل مشوب بالحذر بأن "النجاح ممكن" في العراق لكنه دعا الزعماء للتحرك سريعا اذا كانوا يريدون الحفاظ على دعم واشنطن في ظل تزايد الضغوط على الولايات المتحدة لوضع جدول زمني لسحب جنودها.

وأضاف خليل زاد خلال اخر مؤتمر صحفي له في بغداد قبل ان يغادر"استطاع قادة التحالف ان يتصلوا ببعض المسلحين لاستكشاف سبل التعاون في القتال ضد الارهابيين."

وتابع "هؤلاء المسلحون على اتصال أيضا مع الحكومة في مسعى للمصالحة والتعاون في القتال ضد ارهابيي القاعدة."

وذكر خليل زاد وهو من مؤيدي الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق ان مسؤولين عراقيين وأمريكيين اجتمعوا عدة مرات مع ممثلين من جماعات مسلحة أشار اليها بأنها "أكثر وطنية" لاجراء محادثات.

وأشار الى أن المحادثات "أجريت ولا تزال تجرى" لكنه رفض الخوض في تفاصيل لان "حياة أشخاص على المحك".

وضغطت واشنطن مرارا على الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة والتي يرأسها رئيس الوزراء نوري المالكي للتواصل مع الاقلية السنية الساخطة التي يساورها القلق من الاغلبية الشيعية التي صعدت الى السلطة حديثا.

ورغم أن المالكي تحدث عن أهمية المصالحة الوطنية فلم تتخذ تحركات تذكر على أرض الواقع.

وقال خليل زاد ان من الاسباب الداعية للتفاؤل تراجع العنف في بغداد بنسبة 25 في المئة منذ بدء حملة أمنية في فبراير شباط وتحسن أداء قوات الامن العراقية الى جانب الاتفاق على قانون جديد لاقتسام ثروة العراق النفطية بالتساوي.

وقال "هذه علامات ايجابية. لكن لكي يصبح النجاح حتميا فلابد من عمل المزيد."

وأضاف "نحن شعب غير صبور وقد اشرت دائما للقادة العراقيين الى أن صبر الشعب الامريكي ينفد."

وذكر أنه يتعين على الحكومة حل الميليشيات ووضع جدول زمني لاجراء انتخابات مجالس المحافظات وتعديل الدستور لمعالجة بواعث قلق السنة والتوصل لاتفاق "للسماح للمسلحين بالقاء أسلحتهم والانضمام للعملية السياسية."

وأفاد مصدر حكومي أنه تم الانتهاء من مسودة تعديلات لقانون يمنع أعضاء حزب البعث السابق من العمل في القطاع العام كان أثار استياء العرب السنة بقوة وأن الحكومة جاهزة لعرضها على البرلمان.

وشهد العراق ارتفاعا في وتيرة العنف الطائفي خلال الواحد والعشرين شهرا التي قضاها خليل زاد في منصبه. وطغت أعمال العنف الطائفية على أنشطة الجماعات المسلحة ضد القوات الامريكية والحكومة ووضعت العراق على شفا حرب أهلية.

وفي الوقت الذي أدلى فيه خليل زاد بتصريحاته كانت القوات الامريكية وقوات الامن العراقية تقاتل مسلحين في الاسكندرية جنوب غربي بغداد التي شهدت هجمات متبادلة على مساجد سنية وشيعية خلال الايام الثلاثة الماضية عقب هجوم ارهابي انتحاري بشاحنة مفخخة على احد مساجد الشيعة اوقع العديد من القتلى في صفوفهم. وأعلنت الشرطة فرض حظر التجول في المدينة.

وخلال المؤتمر الصحفي سئل خليل زاد ان كانت الاتصالات الامريكية مع الجماعات المسلحة لا تشكل انتهاكا لسياسة واشنطن بعدم التحاور مع "ارهابيين".

وأجاب "لم أقل اننا تحدثنا الى ارهابيين" وميز بين من وصفهم بالارهابيين وبين المسلحين الذين يمكن التصالح معهم.

وأدى اتباع القاعدة لنمط متشدد من الاسلام وتنفيذها أعمال قتل دون تمييز الى معارضة بعض العشائر السنية لها لا سيما في محافظة الانبار الغربية.

ويشكل أعضاء حزب البعث المنحل الموالون للرئيس السابق صدام حسين معظم الجماعات المسلحة العربية السنية. ويعتقد أن الجيش الاسلامي في العراق هو أكبر جماعة تضم بعثيين وضباطا سابقين يقاتلون القوات العراقية والامريكية.

وقال خليل زاد "من التحديات الاساسية هي كيفية فصل جماعات أكثر فأكثر عن القاعدة..هناك صراع حقيقي يدور في المنطقة السنية العربية من العراق بين القاعدة وبين الجماعات الاخرى الاكثر وطنية."

ولا تزال واشنطن تعتبر تنظيم القاعدة من أكبر المخاطر التي تهدد أمن العراق رغم أن معظم عمليات القتل الان باتت تعزى لاعمال العنف الطائفية بين السنة والشيعة.

ولا تزال جماعة دولة العراق الاسلامية التي تقودها القاعدة قادرة على شن هجمات ومسؤولة عن بعض من أسوأ التفجيرات رغم مقتل أو اعتقال المئات من أعضائها.

من جهة اخرى أكدت قيادات سنية اتساع الانشقاقات بين الجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة في العراق، واندلاع قتال بين عناصرها في بعض المناطق.

وأشار تقرير نشرته صحيفة لوس انجلوس تايمز إلى أن القوات الاميركية في العراق تأمل في أن يتسع هذا الشرخ بين الجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة.

ونقلت الصحيفة عن بعض قياديي الجماعات المسلحة قولهم إنهم لا يوافقون القاعدة في بعض تكتيكاتها المستخدمة في العراق، مثل مهاجمة المدنيين أو قيادات الجماعات المسلحة.

وقد صرح السفير الاميركي زلماي خليل زاد قبيل مغادرته بغداد بأن الأميركيين يحاورون الجماعات المسلحة في محاولة لعزلها عن تنظيم القاعدة.

وأكد إثنان من قياديي الفصائل المسلحة إن الخلافات بينهم وبين تنظيم القاعدة في العراق جدية، ووصلت إلى حد المناوشات في محافظتي الأنبار وديالى.

ويتألف تنظيم القاعدة في العراق، كما تذكر الصحيفة، من مقاتلين أجانب بشكل كبير، ومن غير المعروف مدى التنسيق بينهم وبين قيادات القاعدة في الخارج مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

وقال قائد تنظيم القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو فصيل بعثي صغير، لمراسل الصحيفة، إنه انشق عن تنظيم القاعدة في سبتمبر/أيلول الماضي بعد إغتيال أثنين من رفاقه في الأنبار.

أما الناطق الاعلامي باسم الفصيل ( أبو مروان ) فكشف عن أن القاعدة اغتالت اثنين من أفضل عناصر جماعته، وهما اللواء محمد واللواء سعد في مدينة الرمادي، وانتقاما لهما قرر قتال عناصر القاعدة.

أما كتائب ثورة العشرين المكونة من عناصر إسلامية وبعثية سابقة، فهي على وشك قطع صلاتها بعناصر القاعدة في محافظة ديالى.

وفي لقاء مع أحد عناصر كتائب ثورة العشرين، والذي ترمز له الصحيفة باسم حركي هو الحاج محمود أبو بكر، قال: "في الماضي وافقنا على التنسيق معهم في سياق مقاومة الاحتلال وطرد المحتلين، ولكننا لم نوافق على تكتيكاتهم مثل مهاجمة المدنيين ودور العبادة والمؤسسات الحكومية الخدمية، والآن وصلنا إلى مرحلة التنصل مما تفعله القاعدة، ولكننا لم نفكر حتى الآن في محاربتهم، وما زلنا نتشاور معهم، وفي حال استمرارهم في القيام بمثل هذه العمليات، سنقطع عنهم العون والدعم اللوجستي والاستخباراتي".

وقد اقترحت الحكومة فترة تجريبية لوقف العمليات المسلحة لكل من كتائب ثورة العشرين والجيش الاسلامي في العراق وفصائل أخرى متمركزة في مناطق غرب بغداد، على أن تطلق بالمقابل حملة إعمار واسعة في تلك المناطق، كما أكد للصحيفة عضو بارز في حزب الدعوة.

وأضاف تقرير الصحيفة الأميركية أن التوتر بين عناصر القاعدة في العراق والجماعات المسلحة، قد يعطي فسحة كبيرة للقوات الاميركية والحكومة العراقية كي تلتقط أنفاسها.

ولكن هناك عوائق محتملة في الطريق، فالسياسيون السنة يعتقدون أن عناصر القاعدة قد ذابوا في التجمعات المحلية بحيث أصبحت جل تحركاتهم تتم بتنسيق مسبق مع الجماعات المسلحة العراقية.

كما أن الجماعات المسلحة تفضل التفاوض مع الأميركيين مباشرة، متجاوزة قنوات الحكومة ذات الأغلبية الشيعية والتي لا تحظى بثقة السياسيين من العرب السنة.

وقد وصف السفير خليل زاد التطورات الاخيرة بين الجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة في العراق بأنها " القضية الرئيسية في المرحلة الحالية".

وأكد خلف العليان أحد زعماء جبهة التوافق العراقية لمراسل لوس أنجلوس تايمز أن "كل فصائل المقاومة العراقية هي على خلاف مع شبكة القاعدة في العراق ".

وأضاف العليان أن القاعدة تتبع أجندة مختلفة ذات طابع دولي وليس عراقي، وعلى القاعدة أن تتبع العراقيين وليس العكس، وما حدث هو أن القاعدة قامت باستهداف قيادات العديد من الجماعات المسلحة، ولهذا حدث هذا الإنشقاق بينها وبين فصائل المقاومة التي قررت القتال ضدهم".

وكانت تقارير رسمية أميركية قد تحدثت عن خلافات بين الجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة في العراق منذ عام 2005، ولكن التنظيم تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، حاول رأب الصدع عبر انشاء مظلة واسعة تجمع تحتها مختلف فصائل الجماعات المسلحة.

وبعد مقتل الزرقاوي خلال غارة أميركية على مخبئه في يونيو/حزيران الماضي، قامت القاعدة والفصائل العراقية المندمجة معها بإعلان "دولة العراق الاسلامية" في شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي، والتي قابلتها الجماعات المسلحة بازدراء ووصفتها بأنها مكيدة للسيطرة عليها.

وكشف صالح المطلق النائب عن الجبهة العراقية للحوار الوطني عن أن كتائب ثورة العشرين والجيش الاسلامي في العراق يقاتلان عناصر القاعدة في العراق، "لأن القاعدة تطلب منهما إما الانضمام إلى صفوفها أو إلى دولة العراق الاسلامية، وعندما رفض الفصيلان هذا الاقتراح بدأ القتال في منطقة ابو غريب وفي محافظة ديالى".

أما إياد السامرائي النائب والقيادي في الحزب الإسلامي العراقي، فيؤكد للصحيفة أن اشتباكات حدثت بالفعل بين الطرفين في مناطق أبو غريب والتاجي شمال بغداد خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة، على الرغم من أن عناصر الجيش الاسلامي وكتائب ثورة العشرين ما زالوا يتواجدون مع عناصر القاعدة في مناطق أخرى.

وقد عزا السامرائي استهداف القاعدة للجماعات المسلحة إلى قرارها إعادة النظر في استراتيجيتها وإمكانية التفاوض مع الاميركيين بعد قرار عدد من الأحزاب السنية الإنضمام الى العملية السياسية.

أما المسؤولون الحكوميون فيقولون إن ما يجري الآن هو جزء من مفاوضات أكبر بين الجماعات المسلحة والأميركيين والحكومة العراقية، ولكنها مازالت تواجه عقبات مهمة منها الانشقاقات التي تشهدها الجماعات المسلحة.

وأشار النائب حيدر العبادي عن الائتلاف العراقي الموحد إلى أن إصرار الجماعات المسلحة على العودة إلى المربع الأول وإعادة كتابة الدستور وتنظيم إنتخابات جديدة، هو عقبة أخرى تقف في وجه المفاوضات، التي أكد العبادي أنها تشمل كتائب ثورة العشرين والجيش الإسلامي في العراق وخمس فصائل أخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 29 آذار/2007 -9/ربيع الاول/1428