محاولة اغتيال الدكتور الزوبعي.. إرهاب بلا حدود..وانتصار للضاري!!

طالب الوحيلي

 مشاهد الجرائم الإرهابية التي يرويها العراقيون ممن شهد أحداثها او عاش بعضها او هو على صلة بضحاياها، تعكس اغرب واقع جرمي لا ينم الا عن إفلاس سياسي لمن يقف وراءها او من يدعمها او يشكل له العمق الاستراتيجي.

فقد صنفت تلك الجرائم منذ سقوط الطاغية على انها صراع بين بقايا نظام سقط عسكريا، ليبحث عن تكتيكات جديدة عرف بها عبر ما يسميه من صفحات ليست غريبة عن المواطن العراقي الذي عاش سنوات هزائم ذلك النظام المتكررة في معاركه السياسية او الحربية، ليحولها إعلامه وأبواقه في الداخل والخارج الى انتصارات على الورق.

لذا فان هزيمته العسكرية وضعته في جبهة خلفية كان خصمه الأول فيها الشعب الذي تخلص من اضطهاده، والقوى السياسية والدينية التي تصدت لعملية بناء العراق على أنقاض ذلك الخراب المتجذر، لتتوحد في هذه الجبهة ثلاثة قوى هي أيتام صدام ومدرسته الدموية بما لديهم من خبرات في ممارسة القتل البشع وفي ارتكاب كل المحرمات دون ان يرعووا الى حق او وطنية او الإذعان لمحاكمة التاريخ لهم ولنظامهم الذي أوصل العراق الى الانهيار التام وبالتالي الى مرحلة الاحتلال التام الذي يلغي السيادة ويلغي حتى حق المقاومة المسلحة كما هو مقر في القانون الدولي.

أما الجبهة الأخرى فهي القوى الإقليمية التي تعبر عن عرف تأريخي متجذر مابين النزعة الطائفية العميقة معبأة بمحاربة أتباع أهل البيت لأسباب تاريخية ومذهبية، مما أوجد إسنادا ماديا ولوجستيا للزمر التكفيرية التي نقلت معركتها التي انهزمت بها من أفغانستان والجزائر وغيرهما الى العراق، يساعدها في معركتها انحسار الحكم من طائفة معينة وشعور معظم أبنائها بالحيف من سياسات قوات الاحتلال، وقد فعل الإعلام العربي المؤدلج بقوة على تأجيج النزعة الطائفية لدى هذه الفئة حيث تحولت بضعة محافظات الى ميدان للقتل على الهوية والتهجير القسري، وكل ذلك يعمل بتماس مع سياسات قوات الاحتلال المزدوجة المعايير التي طبقت على ما يبدو نظرية توازن الرعب، بقصد التحكم بمراكز القوى السياسية العراقية التي انفرزت هي الأخرى بين قوى ذات عمق استراتيجي وشعبي وبين قوى دخلت العراق وهي تراهن على تصورات غير واقعية في اجتذاب المواطن الذي لم يكن بعيدا عن الحدث اليومي وصناعته، بين العامل الديني التكليفي، وبين العفوية السياسية  التي تحكمها قواعد الفعل ورد الفعل.

ما وصل اليه الواقع العراقي من أحداث قد يمكن تلخيصها، بالجرائم التي ترتكب هذه الأيام في مناطق عديدة من العراق، جرائم قتل بشعة تستهدف المئات من أبناء الفلوجة بما تعنيه هذه المدينة من أنها شهدت بواكير الحرب الطائفية بسبب اجتياحها من قبل الزمر الإرهابية الوافدة والصداميين الذين اتصفوا في تلك المناطق بجمودهم على (عقيدة) البعث الصدامي،  لتجعل منها إمارة ظلامية أرهقت أهلها بأعراف غريبة عن قيمنا الإسلامية وأعرافنا العشائرية، فاذا بتلك القوى تفتك بالأبرياء من سكان تلك المناطق الذين عانوا الأمرين.

ولعل الجرائم الأخيرة المتمثلة باستخدام الغازات والمواد السامة في استهداف ملاعب الأطفال والمساجد فيها وفي الرمادي خير دليل على ان الإرهاب في العراق ليس إرهابا طائفيا وإنما هو إرهاب سياسي، فيما يعد اغتيال شقيقي النائب سليم عبد الله او محاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء الدكتور سلام الزوبعي واستهداف المسجد الذي يصلي به،  من قبل اقرب المقربين اليه،  حيث استشهد عدد من أفراد حمايته ومرافقيه ومستشاره الشهيد مفيد عبد الزهرة،وذلك  دليل على خطأ التصور الذي أريد به تعليل ما يجري في العراق على انه حرب طائفية،لاسيما والمتابع يعرف علاقة الدكتور الزوبعي بتلك القوى ومواقفه المعارضة للإجراءات القانونية التي تتخذ بحقها، فضلا عن موقعه الاجتماعي في عشرته التي ينتمي إليها حارث الضاري وولده مثنى الذي عد تلك الجريمة نصرا (للمقاومة) التي تمكنت من الوصول الى قلب المنطقة الخضراء كما جاء في حديثه لقناة الجزيرة عشية الحادث،في الوقت الذي يعلن (التايتل) المرافق للقاء عن تبني (إمارة العراق الإسلامية)  للجريمة!!

كاريكاتير نشر قبل عقود من الزمن في إحدى المجلات الأجنبية يمثل بضعة مشاهد يبدأ من انتشال رجل لأسمال جنرال من حاوية قمامة، وفي المشهد الثاني يرتبها على شكل دمية لذلك الجنرال بشاراته وقبعته ورتبه، فيما ينتهي الأمر بذلك الرجل الى ان يقف بانتصاب مؤديا التحية العسكرية لتكل الدمية التي التقطها من تلك النفايات.

انه ليس مجرد كاريكاتير رسم على عجل بل هو حقيقة القوة العسكرية التي لا يتصور البعض العيش دون ان تهيمن على كيانه وعلى مستقبله، وحين ظن بعض العراقيين ان لا حياة للعراق دون قوات مسلحة وجيش عرم كان تعداده يناهز المليون ليجعل من صدام الشبه أمي والذي لم يؤدي الخدمة الإلزامية في حياته، يجعله أعلى قائد عسكري في العالم هو وبقية طاقمه من ألاميين، وبالنتيجة وبالقدر الذي خضع لطغيانه جميع مريدوه، انهزم ذلك الطاغية، فيما سوغ ازلامه لأنفسهم البحث عن طغاة جدد التقطوهم من مزبلة التأريخ والحضارة لكي يتمتعون معهم بلعبة القتل والطغيان، وكأن أمرهم لا يستقيم دون ان يتعاطون ادوار الظلم والعبودية، ان يظلمون أبناء وطنهم بين قتل طائفي وتهجير وإغراق للبلاد بدم وخراب لا مصلحة لأحد به سوى أعداء العراق والأمة الإسلامية،وبين ان يؤمروا عليهم أمراء جور يسومونهم سوء العذاب، يذبحون أبناءهم ويستحلون حرمهم، لذا لا بد من صحوة تنهي هذا الليل ألداج وتنهي تسلط الأغراب..

فليس بغريب على العراقيين حقا ان نجدهم وهم يتضافرون من اجل تخليص البلاد من كل الوان الاقتتال التي انحسرت أسبابها، واتضحت معالمها لاسيما بعد تمكن الحكومة الوطنية من تطبيق خطة فرض القانون ومحاولاتها الجادة في استلام زمام المبادرة من القوات متعددة الجنسيات، والمطالبة بعقد اتفاقية لتحديد صلاحيات تلك القوات.

التجرؤ على قتل النساء بدم بارد والتمثيل بجثثهن،واستهداف الطفولة ببراءتها، والإجهاز على الرجال العّزل، والتمثيل بهم، وعدم رعاية حق الجيرة، ونكران الولاء للوطن وإهانة علمه ودستوره،كلها دلائل تشير على ان شعبنا العراقي بريء من تلك الأجناس التي اجتاحت وادي الرافدين والتي ينبغي على كل عراقي شرب من انهار هذا الوادي ونمى من غرينه وتنسم هواءه ان يعلن براءته من تلك الزمر ويبرأ الى الله من كل جرم يستهدف امن العراق وإنسانه..

فيما تقف محاولة اغتيال الدكتور الزوبعي ومن قام بتنفيذها أنموذجا يجب الحذر منه والتدقيق بتلك الحمايات مهما كان قربها من شخص المسؤول،كتدبير احترازي لحماية رموزنا السياسية والوطنية من هكذا عناصر..

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 26 آذار/2007 -6/ربيع الاول/1428