بغداد سجن كبير والخطة الامنية الامل الاخير

 يرى أبو منة أستاذ فن الخزف أن بغداد ما هي إلا سجن كبير.. فالعيش فيها مع زوجته وابنتيه او مقابلة طلابه علنا او العمل في ورشته الخاصة ينطوي على خطورة شديدة.

لقد غادر هو وابنه طالب الطب البالغ من العمر 21 عاما منزل الأسرة مؤخرا خوفا من الهجمات الطائفية لينفصلا عن بقية أفراد الاسرة فيما أصبح الانقسام سمة بارزة في المدينة نفسها.

هذه النوعية من الماسي تحديدا هي التي يجب أن يساعد الرئيس الامريكي جورج بوش في انهائها باستراتيجيته الجديدة التي تنطوي على تأمين بغداد بمزيد من القوات.

قال أبو منة عن المسلحين الذين يمارسون أعمال العنف الطائفي "هم لا يقتلون سوى الصبية والرجال... انهم يتركون الفتيات والنساء. اتصلت بي زوجتي يوم السبت وأبلغتني أنهم أخذوا جاري وهو طبيب أسنان."

ومضى ابو منة الذي درس في الولايات المتحدة يقول "هذا يعني أنهم سيعثرون عليه في غضون يومين خارج بغداد وقد فارق الحياة. انهم يقتلون الجميع. لهذا تركت زوجتي وابنتي ولم أحضر معي الا ابني."

ويقسم نهر دجلة أسرته حاليا. فقد أصبح هذا النهر حاجزا طائفيا يقسم بغداد الى غرب يغلب عليه السنة وشرق يغلب عليه الشيعة ونادرا ما يرى ابو منة زوجته وابنتيه غير أنهم استطاعوا تدبير مقابلة تبادلوا خلالها الحديث قليلا في عطلة عيد الأضحى.

وقال ابو منة "هل تستطيع أن تتخيل مدى البشاعة.. فزوجتي وابنتاي لا يستطعن الحضور لرؤيتي... أخذن في العيد سيارة أجرة الى سوق واتصلن بي هاتفيا وذهبت الى السوق والتقينا. تعانقنا وتبادلنا القبل ثم بكينا. كم هذا صعب."

وقال ابو منة الذي طلب أن يعرف بكنيته ومنة هو اسم احدى ابنتيه "هذا أشبه بالسجن. بغداد أصبحت الان سجنا كبيرا."

ويلقى المئات حتفهم أسبوعيا في تفجيرات وهجمات بقذائف مورتر وعلى أيدي فرق القتل الطائفي التي دفعت عشرات الالاف من السنة والشيعة على حد سواء الى النزوح عن ديارهم لتتحول أحياء كانت تعيش بها يوما طوائف متعددة الى جيوب طائفية.

وأعلن رئيس الوزراء نوري المالكي خطة أمنية كبرى لبغداد تبدأ قريبا ويعتبرها مسؤولون عراقيون فرصة أخيرة لتجنب نشوب حرب أهلية شاملة.

ووافق بوش على هذه الخطة فيما يبدو. ففي الاسبوع الماضي قال انه سيرسل قوات أمريكية اضافية قوامها 21500 فرد ويوم السبت أعلن أن العملية الجديدة سوف "تحدد الى حد كبير النتيجة في العراق".

ووعد المالكي وهو شيعي بمكافحة الجماعات غير المشروعة بغض النظر عن طوائفها او انتماءاتها السياسية.

وسواء كانوا سنة أو شيعة فالعراقيون يواجهون المشاكل نفسها.

فابن ابو منة لم يحضر محاضراته في كلية الطب في الاسبوعين المنصرمين سوى مرة واحدة وكان يسلك طريقا غير مباشر ليتجنب المناطق الخطرة. وقد أعطاه والده بطاقة هوية مزورة لان اسمه الحقيقي سيعطي تعريفا واضحا لانتمائه الطائفي.

وقال ابو منة "ما يدفعني للجنون هو أنني لا أستطيع العمل لان ورشتي هناك وانا هنا لهذا لم أعد استخدم الطفل وانما أستخدم الورق والزيوت لمجرد أن أفعل شيئا."

وأضاف "كنت أمارس التدريس ثلاث مرات اسبوعيا لكن الان... علي الذهاب سرا الى طلابي في مناطق أخرى. أتصل بهم وهم سبعة ونلتقي سرا."

وما زال أبو منة يعمل لانجاز اكبر اعماله وهو عمل خزفي ضخم في الهواء الطلق ويقول "أقول لتلاميذي ان حلمي هو أن تتاح لي عشر سنوات فحسب كي أنهي مشروعي... ما زلنا نحلم."

وكان المالكي مترددا في اتخاذ اجراءات صارمة مع الميليشيات الموالية للشيعة مثل جيش المهدي الموالي للزعيم الشيعي مقتدى الصدر وسط غضب من العرب السنة الذين يتهمونه بالانحياز والتركيز على المقاتلين العرب السنة.

وقال قادة امريكيون ان هذا كان عيبا كبيرا في المحاولة الاخيرة لتأمين بغداد قبل خمسة أشهر.

ويقولون ان من بين الجوانب الجديدة الاخرى الاصرار على الاحتفاظ بأعداد كبيرة من القوات في الاحياء بعد فترة طويلة من المحاولة الاولى لطرد المقاتلين. وستكون هناك فرق من الامريكيين ستعمل في اطار مهامها على ضمان الا تمارس القوات العراقية نفسها أعمال عنف طائفي ضد السكان.

ويقول المالكي وغيره من المسؤولين العراقيين انهم ملتزمون حاليا بالتصدي للعنف من جميع الجوانب. وتعهد بوش بارسال قوات اضافية قوامها 17500 جندي لبغداد فحسب لمساعدته لكن الكثيرين في بغداد متشككون في النتيجة.

وقال ابو منة انه اذا لم تنجح هذه الخطة فربما يكون الوقت قد حان للرحيل.

وأضاف "جاء صديق لي لزيارتي الليلة الماضي وتحدثنا عن الخطة الجديدة لبغداد... قد تكون الامل الاخير لبغداد لانقاذها من النهاية. سننتظر نحو شهرين او ثلاثة اشهر. واذا لم يحل الامر فسوف أرحل."

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 16 كانون الثاني/2007 - 26 /ذي الحجة /1427