اصدارات جديدة: اقتصاد يغدق فقراً

 

 

 الكتاب: اقتصاد يغدق فقراً

التحول من دولة التكافل الاجتماعي إلى المجتمع المنقسم على نفسه

تأليف: هورست أفهيلد

ترجمة: د. عدنان عباس علي

الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب- الكويت

سلسلة عالم المعرفة رقم (335)

 

 

شبكة النبأ: تمر دول أوروبا الغربية منذ عدة سنوات بتحولات اجتماعية جذرية. فقد أمسى هم السياسات الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول يتركز في المقام الأول على تقليص دور الدولة وتخليها عن توجيه الاقتصاد الوطني وعلى خصخصة مشاريع القطاع العام.

 من ناحية أخرى أمسى التنظيم النقابي في مهب الرياح؛ فكل البوادر تشير إلى أن الحكومات مصرة على سحب البساط من تحت أقدام النقابات العمالية وعلى الحد من حق العمال بالإضراب عن العمل. على صعيد آخر، تفاقمت البطالة الهيكلية، أي طويلة المدى، وازدادت اللامساواة في توزيع الدخل القومي والثروة الوطنية وتدهورت الأوضاع المالية الحكومية بنحو لافت للنظر.

فالسياسات المنتهجة في الحقبة الحالية، حقبة الليبرالية المحدثة، تسحق الدولة حتى العظم. فالدولة وقعت في فخ لم تعد قادرة على التخلص منه: فمن ناحية صار لزاماً عليها أن تراعي متطلبات جذب الاستثمار الأجنبي وذلك من خلال تقديم الهياكل التحتية المغرية وتقديم تنازلات وإعفاءات ضريبية متزايدة ومنح المساعدات المالية لأصحاب الثروة على أمل إغرائهم بالاستثمار في اقتصاد الدولة المعنية وما سوى ذلك من مغريات مالية أمست تقدمها الدولة وإن كانت، هي نفسها، على علم أكيد بأن هذه الاستثمارات المحتملة لن تحقق لها مردوداً مالياً يذكر.

من ناحية أخرى، صارت الدولة تئن من ثقل الأعباء المالية الملقاة على عاتقها بفعل التحولات الاجتماعية المختلفة: البطالة المتفاقمة، ارتفاع مستمر بالمدفوعات الاجتماعية وما سوى ذلك من نفقات حكومية كثيرة يتعين على الحكومة النهوض بها وإن كان عائدها الضريبي في تراجع مستمر بفعل تفاقم البطالة وتراجع دخول العاملين بأجر.

وإذا كانت غالبية هذه الدول قد ضحت بالكثير مما حققت من مكاسب اجتماعية، أملاً في أن يساعدها هذا على تحقيق الخفض المنشود لمعدلات البطالة، إلا أن واقع الحال يشهد على أن هذه الدول كانت تركض وراء سراب لا نفع منه ووهم لا خير فيه. ففي المنظور العام تتفاقم البطالة بنحو متواصل في الدول الرأسمالية.

بهذا المعنى، لم يساعد المنهج الليبرالي المحدث هذه البلدان على التخفيف من وطأة البطالة. إن العكس هو الصحيح. فالسياسات الليبرالية المحدثة زادت من وخامة المشكلة.

والمقصود بالليبرالية المحدثة تلك المجموعة من النظريات الاقتصادية التي ترى أن اقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي خير السبل لتحقيق المجتمع الحر وزيادة رفاهية شعوب العالم المنفتحة اقتصادياتها على السوق العالمية.

فحسب رأي المؤلف تمر، حالياً، الدول الصناعية التقليدية بالمرحلة نفسها التي مرت بها الأرجنتين والعديد من دول أمريكا الجنوبية في مطلع العصر الصناعي والهند إبان حقبة الاستعمار البريطاني. فقد دمرت حرية التجارة العالمية الصناعة في هذه البلدان وحولتها، من ثم، إلى افقر دول العالم.

وتأسيساً على هذا المنظور يطالب المؤلف بإلحاح بضرورة التخلي عن مبادئ الفكر الليبرالي المحدث. فتجارب الديكتاتوريات الشيوعية في الماضي القريب خير دليل على استحالة تطبيق برنامج واحد على دول وشعوب العالم كافة. فكما هو الشأن مع الفكر الشيوعي المهزوم فإن الفكر الليبرالي المحدث (أممي) أيضاً بنحو ما، فهو يحاول، بلا تمحيص وتدقيق، تطبيق القواعد نفسها على كل أمم العالم غاضاً بذلك الطرف عن خصائص كل واحدة منها.

ويشتمل الكتاب على بابين: عنوان الباب الأول هو: (وداعاً أيتها الرفاهية) وقسم المؤلف هذا الباب إلى ثلاثة فصول:

في الفصل الأول: (الوهم الكبير)، ينطلق المؤلف من المعطيات الاقتصادية الكلية ويتوصل إلى نتيجة مفادها أننا إذا تجاهلنا بعض الحالات الاستثنائية، فسنلاحظ أن النمو الاقتصادي في ألمانيا قد اتخذ، منذ خمسينيات القرن العشرين، مساراً خطياً، أي أن معدلات النمو كانت تتراجع من عام إلى آخر وأن هذه المعدلات ستبلغ الصفر مستقبلاً، وأبان المؤلف بنحو واضح أن النمو الخطي لا يقتصر على ألمانيا فقط، بل هو ينشر ظلاله على جل الاقتصاديات الصناعية.

من ناحية أخرى أقام المؤلف في هذا الفصل الدليل القاطع على أن المجتمع الألماني قد أخذ ينقسم على نفسه طيلة الحقبة الليبرالية المحدثة، وأن التفاوت في توزيع الثروة الوطنية في تفاقم مستمر. ومع أن صافي دخول العاملين بأجر كان في ارتفاع مستمر حتى عام 1970، إلا أن الأمر الواضح هو أن ثمة تحولات جذرية باتت تنشر ظلالها على الحياة الاجتماعية: ففي الوقت الذي ترتفع فيه دخول المشاريع وأصحاب الثروة بمعدلات تفوق معدلات نمو الناتج القومي الإجمالي بكثير، ظلت دخول العاملين بأجر عند مستواها المعهود، أي أن النمو الاقتصادي لم يعد يترك أي أثر يذكر على نمو هذه الدخول.

ويبين الفصل الثاني: (من يتحمل الأعباء: رأس المال أم العمل؟) أن الحكومات قد صارت ترمي العبء الضريبي على كاهل عنصر العمل أكثر فأكثر منذ أخذها بتطبيق المنهج الليبرالي المحدث. فإذا كانت النسبة القائمة بين الضرائب المستقطعة من الأجور والناتج القومي الإجمالي قد تضاعفت منذ عام 1970، يستنتج المؤلف من البيانات الإحصائية أن النسبة القائمة بين الضرائب المستقطعة من دخول أصحاب الثروة والمشاريع قد انخفضت بمقدار 50% في الفترة الزمنية نفسها.

وفي الفصل الثالث: (الحلول السياسية وإشكالياتها) أسهب المؤلف في مناقشة الإجراءات التي تتخذها، حالياً، الحكومات للتعامل مع الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية. ومن تحليله لهذه الإجراءات يستنتج المؤلف أن غالبية هذه الإجراءات مضيعة للوقت، فهي عاجزة بالكامل عن حل المشاكل الهيكلية، والمعضلات الجذرية، وأنها لن تساعد على تخفيف الحيف اللاحق بالعاملين بأجر ناهيك عن أن تساعد على إلغاء هذا الحيف كلياً. فالمشكلة الجذرية تكمن، بحسب تصوراته، في السوق العالمية المحررة من القيود وفي الانفتاح الاقتصادي على هذه السوق.

وراح المؤلف يعرض في الفصول الثلاثة التي يتكون منها الباب الثاني: (اقتصاد عالمي غير مجد: هل نحن بحاجة إلى نظام عالمي آخر؟) العديد من الوقائع والأفكار ووجهات النظر المستقبلية.

فقد تناول في الفصل الرابع زيف الزعم القائل بأن التجارة الحرة خير وسيلة لتعزيز النمو الاقتصادي، فواقع الحال يفند هذا الزعم بنحو واضح. ففي حين أدى تحرير التجارة الدولية إلى نمو هذه التجارة بنحو يكاد يكون انفجارياً، إذا ما أخذنا عام 1970كسنة أساس، نما الناتج العالمي في جل الدول الصناعية التقليدية وفق مسار خطي لا غير، أي أنه نما بمعدلات متراجعة منذ العام المذكور، على صعيد آخر، سبب تحرير التجارة الخارجية وإلغاء القيود على حركة أسواق المال الدولية فقدان العمل أهميته في الكثير من دول أوروبا الغربية، وذلك لأن رأس المال صار قادراً على الانتقال إلى ما يسمى بدول الأجور المنخفضة أو الزهيدة، وللتدليل على هذه الحقيقة يذكر المؤلف، على سبيل المثال لا الحصر، أن القطاع الصناعي الألماني قد نقل إلى خارج البلاد 2.8 مليون فرصة عمل في الفترة الواقعة بين عام 1991 وعام 2001م.

ويناقش المؤلف في الفصل الخامس سبل الحد من العولمة وتمكين الدولة من استعادة دورها في حماية اقتصادها الوطني.

 ويبرز المؤلف هاهنا دور الضرائب الجمركية في حماية الاقتصاد الوطني وأهمية وضع القيود على استيراد وتصدير البضائع والخدمات وما سوى ذلك من خطوات توجيهية، باعتبار أن هذه جمعاء تشكل عناصر مهمة وضرورية لتعزيز وإنعاش الاقتصاد الوطني عامة والطلب السلعي المحلي على وجه الخصوص.

في الفصل السادس: (إلى أين يفضي الدرب؟) يلخص المؤلف تصوراته بشأن النظام الاقتصادي العالمي الجديد بتخطي النتائج السلبية التي أفرزتها العولمة وما نشأ عنها من بطالة جماهيرية وتفاوت في توزيع الخيرات ووهن في الأداء الحكومي وتراجع في معدلات النمو الاقتصادي وتفكك في البنية الاجتماعية.

ويعتقد المؤلف أن تكتل الدول المتناظرة اقتصادياً والمتشابهة اجتماعياً والمتضافرة سياسياً وتكوينها تكتلات، تتمتع بأكبر قدر من الحريات الاقتصادية داخلياً وتتصف بتحكم الدولة في العلاقات الاقتصادية خارجياً، أي تتصف بقيام الإدارة السياسية للتكتل المعني بالتدخل في تحديد نمط العلاقات مع التكتلات الأخرى وبفرض الحماية التجارية مقابل هذه التكتلات، سيحد من انتقال المشاريع إلى العالم الخارجي وسيكون سوراً منيعاً يحول دون استمرار تدهور معدلات الأجور الحقيقية في البلدان الصناعية. ويرى المؤلف أن كل تكتل من هذه التكتلات يجب أن يكون بحجم لا يعيق إدارة التكتل سياسياً ولا يحول دون انتهاج قواعد للحياة الاقتصادية تضمن تحقيق الرفاهية لمواطني الدول المشاركة كافة في التكتل المعني.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 28 شباط/2007 -11/صفر/1428