بريطانيا تخرج من الصف الامريكي وتضع العصي في دولاب المشروع الامريكي

قرار بريطانيا بانسحاب بعض قواتها خطوة لاحتواء الضغوط المتواصلة على بلير لتحديد مدة انسحاب للقوات البريطانية من البصرة، فيما عد المحللون ان هذا التحول في النهج يعود هو اعتراض لعدم الاخذ بالنصيحة البريطانية في التفاوض المباشر مع جميع الاطراف الاقليمية المعنية بالازمة العراقية واصرار الطرف الامريكي على عدم التنازل بطلب المساعدة من سوريا وايران لانهاء دائرة العنف المتواصل في العراق.

وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يوم الأربعاء بداية انسحاب القوات البريطانية قال كثير من العراقيين في مدينة البصرة الخاضعة لسيطرة البريطانيين إنهم شعروا بالإرتياح لكن البعض حسب(رويترز) أعرب عن مخاوفه من أن هذه الخطوة سابقة لأوانها.

وكانت البصرة وهي مدينة شيعية ترقد فوق واحد من أكبر الإحتياطات النفطية في العالم قد شهدت استقرارا نسبيا في ضوء العنف الطائفي والتمرد اللذين يعصفان بوسط العراق.

بيد أن التوتر بين الأطراف الشيعية الطامحة للسلطة في ثانية كبريات المدن العراقية يعتلج تحت السطح.

ويقول أهالي البصرة إن مدينتهم ظلت هادئة لأسابيع عقب اندلاع موجة من الاغتيالات عام 2006 تمخضت عن اتهامات متبادلة بين مختلف الفصائل السياسية.

وقالت نور عبد المطلب وهي معلمة تبلغ من العمر 29 عاما "كانوا محتلين وكان ينبغي أن يغادروا منذ فترة طويلة. لا نرحب بهم في هذه المدينة."

في لندن أبلغ بلير البرلمان أن بريطانيا ستخفض عدد قواتها في العراق بمقدار 1600 جندي خلال الشهور القادمة لكنه أضاف أن الجنود سيبقون في العراق في عام 2008 ما دام الأمر يستدعي وجودهم، ولبريطانيا حاليا 7100 جندي في العراق.

ومنذ أواخر العام الماضي تشن القوات البريطانية عملية مسح أمنية كبرى يطلق عليها "عملية سندباد" بهدف تطهير الشرطة من عناصر الميليشيات التي تخترقها وشن حملة أمنية على المسلحين بوجه عام وكسب ثقة المواطنين.

وقال سلام المالكي وهو مسؤول رفيع بالكتلة البرلمانية الموالية لرجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر والتي عارضت مرارا الوجود الأجنبي في العراق إن أي عنف في المدينة سيهدأ بمجرد رحيل القوات الأجنبية.

وأضاف أن الميليشيات والجماعات المسلحة في تلك المناطق لم تصوب أسلحتها إلى المحتل و"عندما يرحلون ستنتهي كل أشكال العنف".

ويعتقد أن الصدريين اخترقوا قوات الأمن في المدينة وهم غالبا على خلاف مع محافظ المدينة الموالي للبريطانيين والمنتمي لحزب الفضيلة الشيعي المنافس.

وفي اطار عملية سندباد طهرت القوات البريطانية وحدة الجرائم الخطيرة في 25 ديسمبر كانون الأول ونسفت البناية بالمتفجرات بعد أن أفادت معلومات استخبارية بأن ضباطا "مارقين" كانوا على وشك إعدام سجناء، وأيد المحافظ هذه الخطوة البريطانية لكن قائد الشرطة في المحافظة استشاط غضبا.

وقالت زينب رياض وهي طالبة (19 عاما) فقالت إنها ستكون سعيدة إذا رأت القوات البريطانية وهي ترحل، وأضافت "القوات العراقية قادرة على توفير الأمن وحماية المدينة."

لكن جعفر سليم (38 عاما) وهو رجل أعمال بالمدينة أشار إلى أنه ما زالت هناك حاجة للقوات الأجنبية كقوة دعم لمد يد العون للعراقيين.

وقال "ينبغي أن ينسحبوا فقط من داخل المدينة لأن قواتنا ما زالت بحاجة الى الدعم، أعتقد أن خروجهم سيؤدي إلى انعدام القانون بالمدينة."

كما قال علي راضي وهو طالب جامعي (30 عاما) إنه من السابق لأوانه أن ترحل القوات البريطانية أو أي قوات أجنبية أخرى من العراق. "غزو العراق كان خطأ والرحيل اليوم دون (توفير) الأمن والإستقرار وسيادة القانون سيكون خطأ أكبر."

وصور البيت الابيض الخطوة البريطانية حسب(رويترز) على أنها علامة على حدوث تقدم في العراق غير أن الديمقراطيين انتهزوا الفرصة للضغط على الرئيس جورج بوش لسحب القوات الامريكية.

وقال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي تراجعت شعبيته في الداخل بسبب قراره خوض الحرب في العراق ان مستويات القوات البريطانية ستنخفض بمقدار 1600 جندي لكن سيتم الابقاء على جنود حتى عام 2008 لتقديم الدعم والتدريب اذا رغب العراق.

وقال بلير أمام البرلمان "الخفض الفعلي في القوات سيكون من المستوى الحالي البالغ 7100 ..والذي كان قد خفض بالفعل مما كان عليه قبل عامين.. الى نحو 5500."

وسارت كل من الدنمرك وليتوانيا على نهج بريطانيا وأعلنتا أنهما ستسحبان أغلب قواتهما من العراق بحلول أغسطس اب، وقامت دول كثيرة أخرى شاركت في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق مثل اليابان واسبانيا بسحب قواتها فيما أعلنت بلدان أخرى من بينها كوريا الجنوبية خططا لذلك.

وعلى النقيض من ذلك بدأ بوش ارسال 21500 جندي اضافيين الى العراق حيث يصل عدد القوات الامريكية هناك الى نحو 141 ألفا.

وقال بلير المقرر أن يتنحى هذا العام ان الخطط البريطانية تظهر الظروف الامنية شديدة التباين التي تواجهها القوات الامريكية في بغداد وتلك في جنوب العراق حيث سلمت القوات البريطانية قيادة الوحدة الرئيسية بالجيش العراقي في البصرة الى العراقيين أمس الثلاثاء.

وقال "لا يعني كل ذلك أن البصرة هي كما نرغب لها في أن تكون امنة، لكنه يعني أن الفصل التالي في تاريخ البصرة يمكن أن يكتبه عراقيون."

وقال انتوني كورديسمان المحلل بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ان انسحاب القوات البريطانية سيصب في مصلحة الشيعة المدعومين من ايران.

وقال "خفض عدد القوات البريطانية سيسلط الضوء بكل بساطة ومن نواح كثيرة على الواقع السياسي بأن القوات البريطانية فقدت الجنوب قبل أكثر من عام."

وقال ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي في مقابلة مع محطة (ايه.بي.سي) نيوز إن الاعلان البريطاني عن خفض عدد القوات "تأكيد على حقيقة أن الأمور تسير على ما يرام...في أجزاء من العراق."

وقال الديمقراطيون الذين أقروا الأسبوع الماضي قرارا غير ملزم بالكونجرس يعارض الزيادة في عدد القوات الأمريكية إن الخطوة البريطانية تؤكد على الحاجة إلى سياسة اعادة التفكير بخصوص الحرب المستمرة منذ نحو أربع سنوات والتي قتل خلالها 3148 جنديا أمريكيا.

وقال السناتور الديمقراطي إدوارد كنيدي "كان من المفروض منذ زمن طويل أن تغير الإدارة من نهجها وتبدأ العمل الدبلوماسي الشاق مع العراق وجيرانه وتعيد نشر قواتنا."

وقالت استراليا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة إنه ليس لديها خطط فورية لخفض عدد قواتها البالغ 1400 جندي منتشرين داخل وحول العراق.

وقال تشيني إن واشنطن لن تؤيد "سياسة تراجع".

وأضاف "نريد اكمال المهمة.. نريد انجازها بشكل سليم ونريد العودة بشرف."

بدورها اعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الاربعاء في برلين ان التحالف في العراق "لا يزال متماسكا" وذلك اثر اعلان بريطانيا خفض قواتها في جنوب هذا البلد.

وقالت رايس خلال مؤتمر صحافي مع نظيرها الالماني فرانك فالتر شتاينماير قبل اجتماع اللجنة الرباعية الدولية للشرق الاوسط (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة) ان "التحالف لا يزال متماسكا والواقع ان البريطانيين سيبقون الاف الجنود في جنوب العراق".

واوضحت ان الانسحاب البريطاني سيتم وفق خطط التحالف التي تلحظ انتقالا تدريجيا للمهمات الامنية الى العراقيين وقالت "تلحظ الخطة ان قوات التحالف ما عادت ضرورية في هذه الظروف في وقت بات فيه ممكنا نقل مسؤوليات الى العراقيين".

كما رحبت الصحف البريطانية الخميس باعلان رئيس الوزراء البريطاني عن انسحاب 1600 جندي من العراق "في الاشهر المقبلة" لكنها عبرت عن تشاؤمها في مستقبل العراق وانتقدت توني بلير بشدة.

وكتبت صحيفة "ديلي تلغراف" (يمين الوسط) في افتتاحيتها ان "الارتياح هو رد الفعل الاول على اعلان امس (...) لكن هذا الارتياح بعودة الجنود يحد منه (...) المخاوف والمستقبل غير الواضح للجنوب" العراقي.

واضافت الصحيفة ان "وسط البصرة (حيث ينتشر معظم العسكريين البريطانيين) خطير الى درجة كبيرة".

وذهبت صحيفة "ديلي ميل" ابعد من ذلك لتصف اعلان رئيس الوزراء بانه "هزيمة لتوني بلير". وكتبت "انها هزيمة لرئيس وزراء اقحم بلده في حرب من اجل كذبة ويتحمل جزءا من المسؤولية في موت عشرات الآلاف من العراقيين".

اما صحيفة "الاندبندنت" اليسارية فقد تحدثت عن "المغامرة البائسة (لبلير) في العراق" ووصفتها بانها "قاتلة".

واضافت "حتى اذا ادى الخفض الجزئي للوجود العسكري البريطاني الى (...) ورطة او حمام دم او الاثنين معا فسيضاف الى عار غزو لم يتم التفكير فيه بشكل جيد اللا مسؤولية في انسحاب اعلن عنه لاسباب نابعة خصوصا عن انانية وقصر نظر".

من جانبها رأت "فايننشال تايمز" انه كان الاجدر ببلير "الابتعاد عن السياسة المدمرة التي يتبعها في الشرق الاوسط صديقه جورج بوش".

واضافت الصحيفة الاقتصادية انه "كان على بلير ان يحاول تحريك المفاوضات للتوصل الى اتفاق بين الاسرائيليين والفلسطينيين وتحسين العلاقات بين ايران والغرب".

وكتبت صحيفة "الغارديان" التي تدعم حزب العمال تقليديا في افتتاحيتها ان بلير "وصل الى مجلس العموم امس ليعترف بهزيمته".

واضافت ان بريطانيا تملك "حق الانسحاب" من العراق لكن بلير "لم يكن بامكانه اكثر من الاعلان ان المهمة انجزت عبر اعادة تعريفها والتقليل من اهميتها".

واخيرا كتبت صحيفة "التايمز" ان "بريطانيا يجب الا تتسرع في مغادرة جنوب العراق على اساس برنامج زمني مصطنع" مشيرة الى ان اعلان رئيس الوزراء "قد يكون بداية نهاية الدور البريطاني في العراق".

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 23 شباط/2007 -5/صفر/1428