بوش يخوض معركة العراق وحيدا والرأي العام كله ضده

 ذكرت مؤسسة نيلسون ميديا ريسيرش ان خطاب الرئيس الامريكي جورج بوش الذي دعا فيه الى زيادة القوات الامريكية في العراق اجتذب 42.5 مليون مشاهد أي أكثر مما اجتذب خطابيه السابقين عن حالة الاتحاد.

ولكن الكلمة التي أذيعت على الهواء واستغرقت 30 دقيقة يوم الاربعاء الماضي والتي تحدد استراتيجية بوش الجديدة التي طال انتظارها عن العراق ودعا فيها الى ارسال 21500 جندي اضافيين الى العراق لم تكن أكثر خطبه جذبا للمشاهدين على الاطلاق.

واجتذب الخطاب الذي نقل على الهواء من مكتبه بالبيت الابيض ما يزيد بنحو 5.5 مليون مشاهد أمريكي عن مشاهدي خطابه في الذكرى السنوية الخامسة لهجمات 11 سبتمبر ايلول.

وتجاوز بكثير 23 مليون مشاهد -وهو مستوى قياسي بالنسبة لبوش- لحديثه في قاعدة عسكرية في كارولاينا في يونيو حزيران عام 2005 عندما سعى لحشد التأييد لاستمرار التدخل الامريكي في العراق.

لكن مشاهدي خطاب الاربعاء جاءوا أقل بنحو 3.5 مليون من مشاهدي خطابه في مايو ايار الذي دعا فيه الى ارسال قوات الحرس الوطني الى حدود المكسيك.

وبدا عدد المشاهدين هذه المرة قليلا بالمقارنة مع خطابين لبوش هما كلمته بعد هجمات 11 سبتمبر مباشرة والتي اجتذبت 82 مليون مشاهد وانذاره للرئيس العراق صدام حسين في مارس اذار عام 2003 قبيل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة واجتذب الخطاب 73.4 مليون مشاهد.

ولكن خطاب بوش يوم الاربعاءاجتذب عددا أكبر من مشاهدي خطابيه الاخيرين عن حالة الاتحاد اللذين اجتذبا 41.7 مليون و38.4 مليون مشاهد على التوالي رغم أن كل من هذين الخطابين استمر ساعة أو أكثر.

والعدد الذي اوردته مؤسسة نيلسون شمل مشاهدي الشبكات الاربع الرئيسية وهي (ايه.بي.سي) و(سي.بي.اس) و(ان.بي.سي) و(فوكس) فضلا عن ثلاث شبكات باشتراكات وشبكة يونيفيجيون الناطقة بالاسبانية.

لكن جورج بوش يخوض رهانه الذي وضع فيه كل ما في جعبته في معركة العراق وحيدا في مواجهة الرأي العام الرافض لتلك الحرب والكونغرس المعارض له وحتى بعض الجمهوريين المترددين وضباط كبار في قيادة الاركان.

فقد تسبب قراره الذي اعلنه الاربعاء بارسال نحو 21 الف جندي اضافي الى اتون الحرب في العراق بتوجيه انتقادات له من كل صوب.

وفي حين تبدو هيمنة الولايات المتحدة على العالم مهددة ومصير العراق في خطر يرى المحللون ان المكانة التي سيخصصها التاريخ لبوش باتت كذلك مهددة بعدما شوهتها الحرب التي ادت الى مقتل اكثر من ثلاثة الاف اميركي وعشرات الالاف من العراقيين.

فعبر قراره غزو العراق خاطر بوش بمنصبه في اول حرب وقائية تخوضها الولايات المتحدة.

ويقول ند بارنت المستشار السياسي واحد معاصري الحملات الرئاسية الديموقراطية والجمهورية انه مع تصعيد الحرب يأمل بوش ان لا يترك منصبه والهزيمة الشائنة تطبع صورته.

ويضيف بارنت "انه يتطلع الى الارث الذي سيخلفه لا يريد ان يرتبط اسمه بالحرب في العراق كما حصل مع لندون جونسون".

ويتم تصوير جونسون الذي تولى الرئاسة من 1963 الى 1969 في هيئة الرجل البائس المنكسر بسبب الحرب في فيتنام تؤرقه صور الضحايا وهو تائه في الليل بين اروقة البيت الابيض.

ويقول توم بالدينو استاذ العلوم السياسية في جامعة ويلكس في بنسلفانيا ان "بوش في وضع سياسي حساس جدا انه يواجه رأيا عاما لا يثق به".

ويضيف "ان جزءا من مهمته يقوم على اقناع اعضاء حزبه نفسه بالوقوف الى جانبه على المدى القصير".

ولا يقف بوش مع فريقه السياسي وحيدا حيث يؤيده عدد من حلفائه في الكونغرس وبينهم المرشح المحتمل للرئاسة سنة 2008 السناتور جون ماكين.

ولكن بعض الجنرالات ابدوا مخاوف من ان يؤدي ارسال مزيد من القوات الى العراق الى انهاك الجيش الاميركي كما طرحوا اسئلة بشأن اثر الخطة الفعلي على الارض.

كما اعرب مزيد من اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين كانوا يؤيدون الحرب عن اختلافهم معه بشأن خططه.

لكن بوش المصمم على السير خلف حدسه لم يأبه قط بالآراء السديدة التي عبرت عنها النخبة السياسية والاعلامية.

ونقل الصحافي السياسي المخضرم بوب وودوارد عن بوش قوله السنة الماضية انه لن ينسحب من العراق "حتى وان لم يبق احد يؤيدني غير لورا وبارني" زوجته وكلبه.

ويرفض البيت الابيض التعليقات التي تقول ان بوش يقف وحده.

وقال المتحدث باسم الرئاسة توني سنو الاثنين "اني احذر من القول بان الرئيس معزول".

واضاف "اعتقد ان ملايين الاميركيين يعتقدون انه من الممكن ان نربح هذه الحرب (..) ومن بين الاشياء التي قالها الرئيس مرارا هي ان الطريقة الوحيدة التي ستقودنا الى الخسارة هي عندما نخسر ارادتنا".

ويقول توم دونيلي من معهد اميركان انتربرايز الفكري الذي يعتبر من بين مهندسي الحرب على العراق وخطة الدعم الاخيرة ان بوش لم يخسر كل شىء بعد متعللا بان قسما صغيرا من الرأي العام يؤيد الانسحاب.

ويقول دونيلي "انه لا يزال قائدا للقوات في زمن الحرب ولديه صلاحيات كبيرة دستورية وسياسية لا يتمتع بها الديموقراطيون".

لكن بوش امام مهمة جسيمة لنيل رضا الاميركيين وكسب تأييدهم لخطته التي تتضمن كذلك تخصيص مليار دولار كمساعدة اقتصادية وممارسة مزيد من الضغوط على الحكومة العراقية للتحرك لوقف المواجهات الطائفية.

وبين استطلاع اجري لحساب صحيفة "يو اس اي توداي" ومعهد غالوب من الجمعة الى الاحد ان 61% من الاميركيين يعارضون زيادة القوات مقارنة مع 36 % يؤيدون ذلك. وبلغت نسبة مؤيدي طريقة ادارة بوش للحرب في العراق 26% وهي نسبة قياسية متدنية.

ويتعارض ذلك تماما مع استطلاع اجرته المؤسستان بين 14 و16 نيسان/ابريل 2003 بعد ايام من ارسال القوات الاميركية الى العراق حيث بلغت نسبة تأييد طريقة ادارة بوش للوضع 76%.

وتم توجيه سؤال الى بوش عن وجود اوجه للمقارنة بينه وبين جونسون خلال مؤتمر صحافي في البيت الابيض في كانون الاول/ديسمبر.

وقال بوش "ان اكثر الجوانب ايلاما في رئاستي هو مقتل رجال ونساء طيبين خلال المعركة".

واضاف بحزن "اقرأ عن ذلك كل ليلة. قلبي ينفطر حزنا من اجل كل ام وابن كل زوج وزوجة او ابن او ابنة".

وتابع "معظم الناس طلبوا مني شيئا واحدا وهو أن اتأكد من ان موت ابنهما لم يذهب هدرا. وانا اوافقهم بان .. بان المهمة كانت في مستوى التضحية. سننجز هدفنا".

هذا وكان الرئيس الاميركي جورج بوش قد تعهد الاربعاء بوقف كل دعم يأتي من سوريا وايران الى المتمردين العراقيين واعلن عن نشر صواريخ مضادة للصواريخ في المنطقة لطمأنة "حلفاء" واشنطن ودعم الاستقرار في الشرق الاوسط.

وفي خطاب متلفز القاه من البيت الابيض اعلن فيه استراتيجية جديدة في العراق تقضي بنشر عشرين الف جندي اميركي اضافيين اكد بوش ان "النجاح في العراق يقضي ايضا بالدفع عن وحدة وسلامة اراضيه واحلال الاستقرار في المنطقة في مواجهة التحدي الذي يشكله المتطرفون".

وقال بوش ان "ايران وسوريا "تسمحان للارهابيين والمتمردين باستخدام اراضيهما للدخول الى العراق والخروج منه". كما اتهم طهران بتقديم "دعم مادي" لمنفذي الهجمات التي تستهدف القوات الاميركية في العراق. وقال ان ايران :تقدم دعما ماديا الى الهجمات على القوات الاميركية".

واكد الرئيس الاميركي "سنوقف الهجمات على قواتنا وسنوقف تدفق الدعم من سوريا وايران وسنبحث عن الشبكات التي تقدم الاسلحة المتطورة وتدرب اعداءنا في العراق وندمرها".

من جهة اخرى اعلن بوش ان الولايات المتحدة ستنشر صواريخ باتريوت مضادة للصواريخ "لطمأنة اصدقاء وحلفاء واشنطن في الشرق الاوسط والادنى" ومن اجل "حماية المصالح الاميركية" في المنطقة.

وكما وعد بنشر وحدة جوية بحرية اضافية و"بتوسيع التعاون في مجال الاستخبارات ونشر انظمة الدفاع الجوية باتريوت لطمأنة اصدقائنا وشركائنا".

ولم يذكر بوش الدول التي ستنشر فيها هذه البطاريات التي استخدمت للمرة الاولى خلال حرب الخليج في 1991 من اجل حماية السعودية واسرائيل من صواريخ سكود العراقية.

واكتفى بالقول انه يعتزم العمل مع حكومتي تركيا والعراق لمساعدتهما على "تسوية المشاكل على طول حدودهما" المشتركة. وقال بوش ايضا "نعمل مع آخرين لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي والهيمنة على المنطقة".

من جهة اخرى اكد بوش ان وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ستتوجه الجمعة الى الشرق الاوسط للبحث في تسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني والضغط على الدول المجاورة للعراق من اجل المساعدة في وقف الفوضى.

وقال ان "دولا مثل السعودية ومصر والاردن ودول الخليج يجب ان تدرك ان هزيمة اميركية في العراق ستخلق بؤرة جديدة للمتطرفين وتهديدا استراتيجيا لبقائها". واضاف ان "من مصلحة هذه الدول وجود عراق يعيش بسلام مع جيرانه وعليهم تقديم مزيد من الدعم لحكومة الوحدة الوطنية العراقية".

وبعد ان وصف تحدي احلال السلام في الشرق الاوسط بانه "معركة عقائدية حاسمة في عصرنا" شبه بوش ذلك بالصراع بين "الذين يؤمنون بالحرية والاعتدال (...) والمتطرفين الذين يقتلون الابرياء واعلنوا عزمهم على تدمير طريقتنا في العيش".

ورأى ان "ملايين الناس العاديين من افغانستان الى لبنان والاراضي الفلسطينيية ملوا من العنف ويريدون مستقبلا سلميا وفرصا لابنائهم" مشددا على الطابع "النموذجي" للعراق في هذا المجال.

وقال بوش "انهم ينظرون الى العراق ويريدون ان يعرفوا ما اذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب وتترك مستقبل هذا البلد للمتطرفين او ما اذا كنا سنبقى الى جانب العراقيين الذين اختاروا الحرية".

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 14 كانون الثاني/2007 - 23 /ذي الحجة /1427