لو ولو ياعرب

درويش محمى*

 بعد ايام من اعدام الرفيق القائد صدام ، وانا احلق في فضاء الشبكة العنكبوتية ، وجدت نفسي يدفعني الفضول ، لأسأل احد الاعراب ، عن رأيه بما جرى صبيحة يوم العيد من اعدام لصدام حسين المجيد ، فكتب لي معبراً عن فرحته وسعادته ، فقلت في نفسي "الحمد لله "هناك بين العرب ، من يناصر الحق ويقف الى جانب الشعب العراقي المظلوم ، ويتفهم ويدافع عن الملايين من ضحايا بطش الدكتاتور السابق ومقصلته الرهيبة.

 اخبرته بدوري عن موقفي ومشاعري تجاه الحدث الكبير ، قائلاً: "بالرغم من بغضي لصدام وما اقترفه من كبائر وأثام ، لم افرح ولم احزن لاعدامه ، كوني من رافضي انزال عقوبة الاعدام ومن طالبي الغاء تلك العقوبة الوحشية القاسية ، وابدالها بالمؤبد مع الاشغال الشاقة "، ولم تمر سوى لحظات قليلة ، رد علي الاعرابي بالسباب والشتم ، وانا اقرأ ما كتب مشدوهاً لا اعرف السبب ، كتب لي الاعرابي مجدداً ليخلصني من حيرتي وينقذني من دهشتي ، ويقول " ان مصدر سعادتي وسبب فرحتي هو استشهاد الرمز الرئيس البطل القومي صدام على ايدي امثالك من الاقزام و............ " .

غريب امر العرب ، وهم يقفون الى جانب الظالم لا المظلوم ، والجاني لا المجني عليه ، والحاكم لا المحكوم ، وعجيب امر العرب ، وهم يسكتون ويصمتون صمت القبور ، على ما اقترفه شهيدهم "صدام " ايام حكمه وطغيانه من مظالم يقشعر لها البدن ، وما ارتكبه رمزهم من مجازر فردية وجماعية بكل انواع الاسلحة العادية والكيمياوية ، وما اقدم عليه بطلهم القومي من اعدامات يومية سرية وعلنية .

لو فعلها العرب وكانوا منصفين ، وخرجوا الى الشوارع منددين بعمليات الاعدام ، كما فعلوا يوم اعدام صدام ، تلك العمليات التي طالت مئات الالاف من العراقيين ايام العهد البائد ، لسكنوا الشوارع من كثرة التظاهر ، ولو اقام العرب مجالس العزاء للضحايا العراقيين الذين قتلوا بأوامر من صدام ، لقضوا حياتهم وهم يرددون "عظم الله اجركم "، ولو فعل العرب واعلنوا الحداد على ضحايا الاعدام في عهد صدام ، لكانوا امة تتوشح بالسواد وتلطم رأسها من شدة الحزن ، ولو بكى العرب ضحايا الاهوار والانفال كما بكوا صدام ، لما توقفت دموعهم للحظة ولا جفت ، ولو اقام العرب التماثيل لضحايا قصر النهاية وابوغريب واقبية المخابرات لاصبح سعر الحجر بسعر الذهب ، ولو ولو .......ياعرب .

العرب كانوا دائماً متميزين عن غيرهم من الملل والاقوام ، فقد خصهم الله بالاسلام فجعلوا منه ارهاباً ، وخصهم بالذهب الاسود "فبذرو فيه تبذيرا" ، واليوم يصر العرب على خصوصيتهم على نقيض كل الامم  التي تبرئت من طغاتها وجلاديها ، الالمان تبرئوا من هتلر والرومان من شاوشيسكو والطليان من موسوليني والروس تنصلوا من ستالين ، لكن العرب وعلى عكس الجميع ، يصرون على تميزهم وتفردهم ، ويخلطون بين الطغاة والاحرار ، وبين الجبناء والابرار ، والجلاد والضحية ، ويطلقون على الجلاد اسم شهيد ، وحتى يثبت البعض من العرب انهم متميزين جداً ، يلقبون صدام بشهيد الشهداء وشيخ الشهداء والرئيس الشهيد ، وذهب بعضهم الى الابعد من ذلك ، ليثبت انه فريد من نوعه ويختلف حتى عن غيره من بني قومه ، فشبه الطاغية صدام بالشهداء والاولياء امثال عمر المختار وصلاح الدين الايوبي ، وجعلهم وصدام في نفس المكانة والمقام .

وقفة العرب الاخيرة من قضية اعدام الديكتاتور السابق ، يظهر وبشكل واضح مدى تفشي ثقافة الزعاماتية والتمجيد والطاعة العمياء ، وهي ظاهرة ملازمة للمجتمعات المتخلفة الجاهلة والبدائية ، والا كيف يمكن تفسير وتبرير رد الفعل العربي الرسمي والشعبي ، وتباكيه على طاغية مشهود له بجبروته وبطشه ، واعتبار عملية الاعدام تصفية شيعية لرئيس سني ، وصدام لم يكن لا هذا ولا ذاك ، ولم يكن سوى قومي بعثي حكم بالحديد والنار ، واستباح كل الحرمات وقاد بلاده الى الهاوية ، وشعبه الى المهلكة ، موقف الاعراب من اعدام صدام هو استخفاف بالعقل والحقيقة الثابتة والتي لاتقبل الجدل ، كون الرئيس السابق صدام حسين هو احد اكبر المجرمين الذين سيدخلون التاريخ  .

ليس بغريب على امة العرب التي عرفت بحسها المرهف والقريحة الشعرية القوية لابنائها ، ان تتغلب عندهم العاطفة على العقل ، والغريزة على المنطق ، فمن خرج من العرب غاضباً على اعدام صدام  ، ينتمي الى القوم الذي يشعر ثم يفكر ، ويفكر لكي يبرر ما يشعر به ، ولا يفكر ثم يتحمس لفكره ، وهذه هي مصيبة العربان من ال قحطان ، ونقطة ضعفهم وسبب تخلفهم عن باقي الملل والنحل ، وتحمسهم للطغاة .

بغض النظر عن صحة وقانونية وعدالة محاكمة صدام حسين من عدمها ، وبالرغم ان عقوبة الاعدام هي من الاحكام البشعة واللاانسانية وقد تم بالفعل الغاءها في معظم تشريعات الدول المتحضرة ودساتيرها ، ومهما كانت ظروف وحيثيات تنفيذ الحكم ، وسواء جرى تنفيده  في يوم العيد او غير يوم العيد ، يعتبر تنفيذ حكم الاعدام بصدام ، في نفس القاعة وبنفس الحبل والطريقة ، صورة من صور العدالة الالهية في الارض ، ودليل قاطع ان الله حق وهو يمهل ولا يهمل ، واذا كان هناك رجل في هذا الكون يحق عليه حكم الاعدام فهو صدام ، وقد نال الرجل حقه ، وانتهى امره  .

*كاتب سوري

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 12/كانون الثاني/2007 - 21 /ذي الحجة /1427