الجدار العازل يخلق جزرا ويصنع فقرا في فلسطين

يقول توفيق النبالي انه يعيش على جزيرة ليست محاطة بالماء بل بجدار خرساني.

وقريته بير نبالا على التلال شمالي القدس مباشرة مطوقة بحاجز خرساني ارتفاعه ثمانية أمتار يعزلها عن المدينة المقدسة.

والطريق الوحيد الممهد الذي يقود الى العالم الخارجي يمر عبر نفق ونقطة تفتيش عسكرية اسرائيلية باتجاه بلدة رام الله بالضفة الغربية.

وتبدو الان بير نبالا التي كانت ذات يوم تزدهر بالمتاجر والورش ويسكنها العديد من الفلسطينيين العاملين في القدس مهجورة. ويقول نشطاء انها واحدة من عدة مجتمعات أصبح بقاؤها مهددا بالخطر بسبب الجدار الذي يتلوى حولها.

وقال النبالي مشيرا الى الشارع الرئيسي الخالي خارج متجره لبيع البلاط "كان الوصول الى الجانب الاخر من هذا الطريق يستغرق عشر دقائق بسبب كثافة المرور." واغلقت أغلب المتاجر على جانبي الطريق.

وقال "الان يبدو الحال وكأن هناك حظر تجول."

والجدار الذي يطوق 15 ألف فلسطيني في بير نبالا وأربع قرى مجاورة هو جزء من "الحاجز العازل" الذي تقول اسرائيل ان الهدف منه منع المهاجمين الانتحاريين الفلسطينيين من العبور من الضفة الغربية المحتلة الى المدن الاسرائيلية.

ويقول الفلسطينيون ان اسرائيل تستولى ببساطة على أراضيهم. وتقول اسرائيل ان الجدار مؤقت ويمكن ازالته في اطار اتفاق سلام مستقبلي.

ويمتد مسار الجدار في عمق أراضي الضفة الغربية في بعض المناطق مقسما المجتمعات وعازلا نحو 250 الف فلسطيني في جيوب صغيرة على الاراضي التي يريدونها لتأسيس دولتهم المستقبلية.

وقال النبالي "يستمرون في الحديث عن دولة. لكننا مجرد جزر... أين هذه الدولة."

وبنيت مئات الكيلومترات من هذا الجدار ويقول النبالي انه استكمل حول قريته.

ومن القرر أن يربط طريق اخر بير نبالا بمنطقة فلسطينية الى الغرب لكن النبالي وهو رجل أعمال ورئيس البلدية يقول ان هذه الطرق لا تعوض سكان القرى الذين ترتبط مصالحهم بالقدس.

وتابع "في الضفة الغربية كلها لم يسلم أحد من الضرر لكننا الاكثر تضررا. لم نكن نعرف رام الله. نحن (جزء من) القدس." وتابع أن ألاف الاشخاص خاصة من يملكون تصاريح اقامة في القدس قد غادروا.

وافاد تقرير نشر في يناير كانون الثاني ان الجدار يعزل الناس عن المدارس والمؤسسات الدينية وخدمات الرعاية الصحية مما يصعب حياة الفلسطينيين.

وتابع التقرير الذي اعدته منظمة بيمكوم وهي جماعة اسرائيلية تشن حملات ضد التمييز في مشروعات التخطيط العام وتنمية الاراضي "ان الفصل المفروض عن القدس قد يؤدي على المدى الطويل الى ضمور القرى في هذا الجيب وربما يقود الى تفكيكها."

وتقول بيمكوم ان المخططين الذين حددوا مسار الجدار كانت تدفعهم اساسا رغبة في حماية المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وضمان استمرار توسعاتها.

وأضافت المنظمة "خلق هذه الجيوب هو أوضح مثال على هذا النظام المضلل في التفكير الذي لا يولي الا أهمية هامشية لمصالح السكان الفلسطينيين في المنطقة."

ويتبع القطاع الشمالي من الجدار في بير نبالا مسار طريق فرعي يربط القدس بمستوطنات اسرائيلية غربي رام الله. والطريق محظور على أغلب الفلسطينيين.

ويقسم القطاع الشرقي قرية بيت حنينة الى قسمين. والى الغرب يقول السكان ان المزارعين عزلوا عن مزارع اللوز والزيتون.

وأضرت هذه العزلة بالاقتصاد المحلي الذي يعاني بالفعل بسبب الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت قبل ست سنوات والعقوبات المفروضة على السلطة الفلسطينية منذ تولي حركة المقاومة الاسلامية (حماس) السلطة والقيود على حركة الافراد في الضفة الغربية.

ويقول النبالي انه يبقي على مصنع البلاط الذي يملكه يعمل حفظا للكرامة وليس المال. وقال "كان لدى 30 عاملا. وكنا نعمل 24 ساعة في اليوم. الان لدي ثلاثة او اربعة عمال."

ويشير النبالي وهو يقود السيارة في قريته الى صف من المباني الخالية ويقول "هناك 18 شقة في هذا المبنى. واحدة فقط مسكونة."

وعلى الشارع الرئيسي يجلس كامل محمد حسن في متجره للخضروات والفاكهة وهو أحد المتاجر القليلة التي مازالت مفتوحة ويقول ان مبيعاته اصبحت تمثل أقل من عشر ما كانت عليه من قبل.

وأضاف "لقد أغلقوا المكان."

وتقول بيمكوم ان الجدار عزل ربع مليون فلسطيني اما بمحاصرتهم بالجدار مثل سكان بير نبالا أو بأن أصبحوا على الجانب الاسرائيلي من الجدار معزولين عن الضفة الغربية وممنوعين من دخول اسرائيل.

وأضافت المنظمة "لا يمكن لمجتمع البقاء على المدى الطويل دون الاتصال بمجتمعات أخرى."

وتابعت "اذا استمر ذلك في الاجل الطويل سيكون من المتوقع ألا تتمكن بعض هذه المجتمعات في مثل هذه الجيوب من البقاء في مثل هذه الظروف وستتفكك."

من جهة اخرى قال سلام فياض، وزير المال الفلسطيني السابق، إن القطاع الاقتصادي المحلي يواجه، في ظل الحصار المفروض على الضفة وغزة، أصعب مرحلة في تاريخه منذ العام 1967، حيث يعيش أكثر من 70 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، فيما تحولت كل المبالغ المقدمة من الجهات المانحة من وجهتها الاستثمارية التنموية، إلى وجهة جديدة تتمثل في تأمين هبات غذائية وصحية.

ولفت فياض إلى المصاعب التي تواجه السلطة الوطنية في البحث عن مصادر تمويل، حيث تفضل المصارف الدولية عدم تقديم القروض للقطاعيين العام والخاص، بسبب عدم استقرار الوضع الأمني، مما يفاقم مشكلة البطالة.

وأوضح الفياض أن إجمالي الدخل الوطني الفلسطيني ينخفض بمعدل 15 بالمائة سنوياً، مع توقع أن تبلغ نسبة التراجع في العام 2006 حد 20 بالمائة، مؤكداً أن نسب البطالة الحقيقية أكبر بكثير من المعلن عنها، نظراً لأن منظمة العمل الدولية لم تعد تحتسب الأفراد الذين ما عادوا يتقدمون أصلاً للحصول على عمل.

وكشف فياض، الذي كان يتحدث على هامش "حلقة الأمم المتحدة الدراسية بشأن تقديم المساعدة إلى الشعب الفلسطيني"، التي تعقد في العاصمة القطرية، الدوحة، عن اعتقاده أن الاقتصاد في الأراضي الفلسطينية "فقد الكثير من الشفافية" بسبب حالة الحصار الاقتصادية والمالية المفروضة، "مما يجعل التحكم بالأموال الموجودة أصلاً، ومتابعة سبل إنفاقها، أمراً صعباً."

وتابع فياض، إن "تراجع الإنفاق الحكومي بنسبة 35 بالمائة في العام 2006، عن العالم الماضية، وتركزت التخفيضات بشكل رئيسي على مشاريع التنمية والتطوير، خاصة وأننا نعاني مشكلة انعدام ثقة المصارف باقتصادنا، مما يحول دون حصولنا على القروض" على حد تعبيره.

من جهة أخرى، قال أحمد الطيبي، نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي، ورئيس حزب الحركة العربية للتغيير، إن خسائر القطاع الزراعي في الضفة الغربية، بسبب الجدار الفاصل، "تجاوزت 282 مليون دولار"، مندداً بالتأثير السلبي لهذا الجدار على الحياة العادية والاقتصادية للمواطنين.

وأظهرت البيانات، التي استعرضت في الحلق الدراسية، أن الاقتصاد الفلسطيني خسر 640 ألف فرصة عمل بين الأعوام 2002 و 2005، كما خسر ما يساوي 8.4 مليار دولار خلال الفترة عينها، والتي يتركز ثلثها فيما يعرف "برأس المال الأولي" الذي يشمل الآلات وأدوات الإنتاج والتصنيع، وهو أمر سيكون له انعكاسات مستقبلية.

وفي السياق عينه، قالت ألليغرا باتشيكو، من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في القدس،إن معدل من تقدم للحصول على معونات غذائية في الأراضي الفلسطينية، "تضاعف عشر مرات، بينما تضاعف عدد وفيات الأطفال حديثي الولادة 200 بالمائة."

وأوضحت المسؤولة الدولية أن نسب البطالة تجاوزت حد 80 بالمائة، مؤكدة أن 40 بالمائة من المصانع في غزة أقُفلت، فيما لا يسمح القانون سوى لـ30 بالمائة من سكان الضفة بالتقدم للحصول على تراخيص للتجول، والعمل في إسرائيل لا تتجاوز نسبة من يحصل بالفعل على تلك التراخيص حد 10 بالمائة.

أما الباحثة سارة روي، من جامعة هارفارد، فقالت إن الأبحاث تشير إلى وجود "مليون وأربعمائة ألف فلسطيني يعيشون تحت خط الفقر في غزة والقطاع، ويشكل هؤلاء 82 بالمائة من عدد سكان غزة، و55 بالمائة من عدد سكان الضفة."

كما تقدم خالد عبد الشافي، مدير برنامج تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني التابع للأمم المتحدة، بعرض مسهب للنتائج الاجتماعية للوضع الاقتصادي الحالي، كاشفاً أن عدد الجرائم المرتكبة في غزة والقطاع في العام 2006 تساوي، من حيث العدد، مجمل الجرائم المرتكبة ما بين العام 1984 و 2005.

أما بيانات منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين، الأنروا، فقد أظهرت أن الدعم المالي الدولي لنشاطاتها تراجع 180 مليون دولار عن معدلاته السابقة، رغم الزيادات الهائلة التي طرأت على مهامها، مؤكدة أنها أوقفت كل مشاريعها التنموية، وحصرت تقديماتها في تأمين الغذاء والطبابة.

وقالت المنظمة إن 165 ألف موظف وعائلاتهم تحولوا إلى "معوزّين" منذ أزمة الرواتب، إلى جانب 120 ألف عاطل عن العمل منذ بدء الحصار.

أما شير هيفر، الخبير الاقتصادي الإسرائيلي، فقد طالب حكومة بلاده بتحمل تبعات ضرب الاقتصاد الفلسطيني، باعتبار أن ذلك " من مسؤوليات الدولة المحتلة"ـ على حد وصفه.

واشار إلى تأثير عمليات الجيش الإسرائيلي على ميزانية الدولة، حيث تخصص تسع مليارات دولار سنوياً للعمليات العسكرية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 15 شباط/2007 -27/محرم/1428