الفاشيون الجدد؟

سعد البغدادي

  بعد القضاء على الفاشية في العراق  كان من المؤمل ان ينتهج العراق سبيل الدول الديمقراطية  وحقوق الانسان وانشاء دولة الرفاهية في مجتمع خضع لنظام فاشي لاكثر من ربع قرن تقريبا.

 الا ان جميع القوى السياسية التي تتنافس في السلطة اليوم لاتمتلك في اي من مناهجها او ادبياتها النزعة الديمقراطية وهي انما تدعي الديمقراطية في سلوكيتها التي يفضحها النهج الفاشي.

الفاشية نظام مؤسساتي قائم على اظهاد الاخر والغاءه وخلق عبادة الفرد المنقذ وتمجيد الماضي واسطرة التضحيات وخلق الاعداء الوهميون الذين يجب محاربتهم وعسكرة المجتمع بدءا من رياض الاطفال والمدارس والجامعات ومرورا بالمجتمع باكمله.

 الفاشية كنظام  محارب يمتلك القوة الاعلامية والدعائية في الدفاع عن نفسه ثم الانطلاق لغزو الاخر وتمرير شعارات ديماغوجية الغرض منها حشد الجماهير المغلوبة على امرها في نضال مع نفسها لصالح تقوية النظام الفاشي.

الفاشية مؤسسة تكون الديكتاتورية اول درجاتها لتنتقل بذلك الى اقسى درجات القمع المؤسساتي فالادب يغدو ممنهج والاعلام تفوح منه رائحة الكراهية وتجيش الجيوش للاعداء الوهميين  مقابل ثروات اقتصادية هائلة تمكن الفاشية من الانفاق العسكري بصورة بربرية ويتم تعطيل كل مؤسسات الدولة  ومصانع الدولة المدنية لخدمة الانتاج العسكري.

هذا بالضبط ماحدث مع فاشية البعث  حينما صعدت مع ارتفاع اسعار البترول عام 1973 ثم القضاء على كل  الحركات الوطنية وصولا الى امساك السلطة  بالشكل الذي نعرفه.

 مايحصل الان في العراق هو صعود لتيارات تريد ان ترث الفاشية في اسوء اوضاعها.

 تمت السيطرة على الصحافة بالرغم من وجود اكثر من 200 صحيفة لكنها في طريقها جميعا الى الاغلاق  او الافلاس ما لم تخضع لضوابط الفاشية الجديدة.

 تم تمرير الميليشيات بحجة محاربة الارهاب وتم من خلالها عسكرة المجتمع العراقي والجامعات وكل مؤسسات الدولة الحديثة اصبحت تحت سيطرة الميليشيات التي تمارس افضح الممارسات الوحشية  من قتل وتهجير واغتصاب( تم اغتصاب ثلاثة فتيات في غربي بغداد واحراق جثثهما فيما بعد بحجة انهن  يعملن لدى القوات الامريكية).

اما الاعلام المرئي فقد تم ممارسة كل قوى القمع لاسكاته تحت عدة ذرائع اما ما يقال من تعدد الاعلام التلفزيوني فهو مجرد تحالفات حزبية كلها تشترك في النهج الفاشي وتمارس الدور نفسه في ترسيخ الفاشية في العراق.

 الفاشيون الجدد تحالفوا من كل الجهات وكافة التلوينات، فمن اقصى اليمين الى اقصى اليسار  اشتركوا في هذا الحلف  تجربة فاشية البعث تم السطو عليها وادخال التحسينات  فلم يعد الحزب القائد او الواحد هو من يدير الحكم الفاشي في العراق بل تحالفات طائفية وقومية هي من يؤسس للنهج الفاشي.

  ومن اجل اخماد كل المعارضين تم الاتفاق على تاسيس الميليشيات بكافة مسمياتها لتمارس ادوار القتل اليومي والتهجير والحفاظ على منجزات الفاشيون الجدد.

 تم تدمير البنى التحتية بمسمى الارهاب من اجل خدمة البرجوازية العالمية وتحويل العراق الى سوق راسمالي عالمي كبير  ومن اجل تحقيق هذا الهدف تم تمرير قانون الاستثمار والاستغلال الذي يقضي على كل امل للصناعة المحلية والصناعة الوطنية، وتم منح المستثمر الاجنبي كافة الحقوق والواجبات لمدة خمسين عاما من دون اي اشارة الى توظيف عمال عراقيين.

 وفي خطوة لاحقة من اجل ترسيخ النهج الفاشي في العراق الجديد تم التحالف مع الرجعية والاقطاع وابراز سلطة رجل الدين وشيخ العشيرة وتغيب مؤسسات المجتمع المدني  في المجتمع الفاشي يؤكد تروتسكس ان الفاشية لطالما تمجد شهداءها وتضحياتها  تمجدهم من اجل اغراق المجتمع في دوامة العنف.

 وفي المجتمع الفاشي يتم تغيب العقل ومنح العاطفة المستعرة دورها فالخطابات المبكية والكلام العالي هو سيد الموقف في العراق الجديد والمراة التي تخرج في التلفزيون العراقي هي امراة من صنع الفاشية المبتذلة ففي قناة تعود الى تيار اسلاموي تجدها مبرقعة من راسها الى اخمص قدميها وفي قناة اخرى تنتهج نفس النهج الفاشي تجدها  مخمورة وهي تقدم برنامجها؟

 ليس للفاشية هدف نبيل او تضحيات تناضل من اجلها سوى اهدافها التاريخية من افقار الطبقة الفقيرة  واتمام السيطرة عليها   وتغدو كل السبل متاحة لها فهي متحالفة مع القوى الارهابية من اجل اشعال فتيل الحرب الطائفية بين فقراء السنة والشيعة حينما اقدمت هذه القوى على تفجير مرقد مطهر ومزار يتميز بالقدسية على مدى عدة قرون.

 وتحالف الفاشيون الجدد مع انصار فاشية البعث لانشاء جهاز جديد من المخابرات وظيفته قمع كل القوى الوطنية وكل الاصوات التي تنادي بضرورة الخلاص من هذا الوضع المزري الفاشيون الجدد احكموا سيطرتهم على الاقتصاد العراقي وسرقة اموال النفط وتحويل العراق الى بلد  يغرق في ديونه الخارجية تحت ذريعة الاعمار واعادة البناء.

 الفاشيون الجدد اغرقوا البلد في الظلام  فلامجال للحديث عن عودة مبكرة للكهرباء كما صرح الوزير وحيد كريم ان الكهرباء لن تعود قبل عشر سنوات؟

  الفاشيون الجدد يريدون احكام سيطرتهم على العراق من خلال سياسية التجيش الطائفي ودفع الطبقة الفقيرة المهمشة الى خدمة المصالح البرجوازية من خلال خلق العدو المذهبي امامها فالعدو تارة يتلبس لبوس الصفوي والقرمطي وهي اشارات يجب التوقف عندها مليا لان القبول بها يعني اننا نقتل كل امل في مقاومة الفاشية الجديدة.

 لان الاصطفاف المذهبي سيكون في اعنف حالاته واخرى يتلبس بزي التكفريين النواصب وهي محاولة لرفع رصيد الفاشية لقطع السبيل امام اي محاولة لاحياء الروح الوطنية العراقية.

الفاشيون الجدد اجادوا اللعبة السياسية فكل منهم اتخذ من طائفته ستارا ودرعا يتمترس خلفها وبعيدا عن التسميات لانها غدت ظاهرة يجب على كل القوى الوطنية ان تتحد للوقوف بحزم ضدها  وتطرح مشروعا عراقيا يقضي على الفاشية وبقاياها الاخذة في الانتشار.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 11/كانون الثاني/2007 - 20 /ذي الحجة /1427