صراع الحمائم والصقورحول الوجود الامريكي في العراق

 لايزال الجدل مستمرا بين اقطاب الادارة الامريكية ومؤسسات التفكير وصنع القرار حول جدوى الوجود الامريكي في العراق وزيادة عديد القوات الامريكية هناك لفرض الامن او الدعوة لتغيير الاستراتيجية الامريكية ووضع خطة زمنية لتاهيل قوات الامن العراقية ومن ثم الانسحاب الممنهج من هذا البلد.

ونقل تقرير واشنطن ان غالين كاربينتر Ted Galen Carpenter، نائب رئيس معهد كاتو CATO لدراسات الدفاع والسياسة الخارجية، اعد تقريرا حول ضرورة رحيل القوات الأمريكية عن العراق عرضه أمام لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية في الحادي عشر من يناير الماضي، ويعرض تقرير واشنطن هذه الشهادة لأهميتها الكبيرة.

 أعرب الباحث في بداية تقريره الذي جاء بعنوان: " الهروب من المأزق: لماذا يجب على الولايات المتحدة الخروج من العراق؟ اعرب عن تشاؤمه من أفاق الوضع في العراق إذا استمرت السياسة الأمريكية الراهنة قائلا إن التفاؤل بشأن مهمة الولايات المتحدة في العراق قد بدأ يتضاءل بشدة على مدار الأشهر القليلة الماضية، إذ أقرت مجموعة دراسة الأوضاع في العراق بأن الوضع هناك "خطير ومتدهور"، كما جاء تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، الذي قدم للكونغرس في نوفمبر 2006 راسما نفس الصورة الكئيبة.

وفي تعليقه على الوضع الأمني في العراق قال كاربينتر إن  الوضع الأمني سواء وصف الوضع في العراق بأنه حرب أهلية أم غير ذلك، فإنه وضع غير عادي وفوضوي، فطبيعة العنف في هذا البلد قد تحولت منذ تفجير المسجد الذهبي بسامراء(مرقد الامامين العسكريين) في فبراير من العام الماضي، وأصبح الصراع الآن مفتوحا بين السنة والشيعة وانتقل من بغداد إلى مناطق أخرى، وقد أشارت مجموعة دراسة الأوضاع إلى أن هناك أربعة محافظات من المحافظات العراقية الثماني عشرة "غير آمنة على الإطلاق"، وهي المحافظات التي يقطنها حوالي 40 بالمائة من السكان.

الاضطراب المتصاعد في العراق ليس مجرد عنف طائفي بين السنة والشيعة فقط بالرغم من أن تلك هي الفكرة السائدة، إذ يدور الصراع في كركوك بين الأكراد والعرب والتركمان، أما في البصرة والجنوب فإن العنف يتمثل في الصراع داخل صفوف الشيعة. وقد أشارت مجموعة دراسة أوضاع العراق إلى أن "معظم المدن العراقية بها خليط طائفي وأنها ابتليت بالعنف المستمر، وقد حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من أن الصراع في مناطق عدة قد يصبح صراع شيعة ضد شيعة أو سنة ضد سنة"

واضاف تقريركاربنتر، ان  زيادة عدد القوات في العراق ما هي إلا محاولة لإنقاذ المهمة الخاطئة، وما هي إلا زيادة في عدد الضحايا على المدى القصير دون تحقيق نتائج أمنية بارزة على المدى الطويل. كما أن عدد القوات المقترح إرسالها أقل بكثير من العدد المطلوب، إذ يخلص دائما الخبراء المتخصصون إلى أنه لكي تتحقق نتائج فعالة يجب أن يكون هناك عشرة جنود لكل 1000 مواطن، في حين يقترح خبراء آخرون أنه في حال مثل العراق، حيث يتصاعد العنف ويزداد حدة، تصل الحاجة إلى 20 جندي لكل 1000 مواطن. لذا قد يتطلب الأمر إرسال 260.000 جندي إلى العراق التي يبلغ تعدادها 26 مليون نسمة، وقد يصل العدد إلى 520.000.

واشار التقريرالى تخوف انصار الحرب من الانسحاب من العراق قائلا، حذر مسؤولو الإدارة وأنصار الحرب مرارا من أن الانسحاب "المبكر" من العراق سوف يمكن القاعدة من تحويلها إلى ملجأ لتدبير المؤامرات وشن هجمات على الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. لكن هذا السيناريو بعيد تماما، إذ يبلغ عدد المقاتلين الأجانب في العراق 1300 مقاتل فقط كما حددته مجموعة دراسة الأوضاع في العراق، ومن الصعب تخيل أن باستطاعة مثل هذا العدد الضئيل الاستيلاء على بلد يبلغ عدد سكانه 26 مليون نسمة. كما أن القاعدة لا تحظى سوى ببعض الدعم من العرب السنة في العراق، وحتى بالنسبة لهذه الفئة فإنه لا يوجد اتفاق في وجهات النظر بخصوص القاعدة، حيث أظهرت نتائج استطلاع أجراه برنامج حول اتجاهات السياسة الدولية بجامعة ميرلاند في سبتمر 2006 أن اتجاهات 94 بالمائة من السنة لا تؤيد القاعدة. وقد أظهر الاستطلاع أيضا أن 98 بالمائة من الشيعة و100 بالمائة من الأكراد من عناصر العينة مناهضون تماما للقاعدة.

وعن فرضية انتقال الفوضى والارهاب الى الدول المجاورة للعراق قال كاربنتر، هذه الفرضية تبدو صحيحة إلى حد ما، فالدولة الإيرانية لديها اهتمامات بالغة بالتطورات السياسية والعسكرية في العراق، ولا شك في أن إيران ترغب في رؤية حكومة عراقية شيعية،  لكن جيران العراق الأخريين متخوفين من شبح  وجود حكومة شيعية في العراق. فالمملكة العربية السعودية بالأخص تنظر إلى وجود مثل هذه الحكومة عند حدودها الشمالية على أنه لعنة، خائفة من النتائج المترتبة على أقليتها الشيعية التي تتركز في منطقة إنتاج البترول الرئيسية في البلاد. وهناك مؤشرات على أن الأثرياء السعوديين يمولون بالفعل القوات السنية. وقد يصبح جيران العراق أطرافا في حرب الوكالة الإقليمية بين السنة والشيعة. وربما تكون المقاربة الأمثل هي أن تعقد الولايات المتحدة مؤتمرا إقليميا تحضره جميع الدول المعنية، بما فيها إيران وسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية وتركيا لمواجهة هذا الخطر الذي قد يتحول إلى صراع إقليمي مسلح، وقد يؤدي هذا الفهم الجيد للموقف بالإلتزام الدول المجاورة بعدم التدخل في هذا العنف المتصاعد في العراق.

وعن الخسائر البشرية والمالية قال، بلغت تكاليف حرب العراق حتى الآن ما يزيد عن 350 مليار دولار، وما زالت تستهلك حوالي 8 مليارات دولار شهريا، هذا بخلاف التكاليف غير المباشرة مثل تكاليف العلاج الطويل الذي يحتاج إليه المحاربون.

ويخلص كاربينتر في تقريره إلى أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تضع إستراتيجية للانسحاب من العراق خلال أشهر، وعلى الرئيس أن يبدأ عملية الانسحاب على الفور.

اما معهد أميركان انتربرايز  AEI فقد سبق إعلان الرئيس بوش عن إستراتيجيته الجديدة بزيادة عدد القوات الأمريكية في العراق بعقد جلسة نقاش يوم الخامس من يناير بعنوان "العراق: نقطة تحول" تحدث فيها عضوان بارزان من أعضاء مجلس الشيوخ وهما السيناتور الجمهوري جون ماكين John McCain والسيناتور الديمقراطي المستقل جو ليبرمان Jo Lieberman ، كما قدم فردريك كاغان  Frederick Kagan الباحث بالمعهد في الجلسة الافتتاحية للنقاش ورقة بعنوان "اختيار النصر : خطة للنجاح في العراق"، وكان النقاش بشكل عام يدور في إطار دعم زيادة عدد القوات، وضرورة البقاء في العراق إلى أن يتحقق النصر،  و"لماذا يجب ألا نغادر من العراق؟" وهو عنوان مقال نشره مايكل روبن Michael Rubin الباحث في المعهد في الثامن من ديسمبر الماضي.

وينتقد روبن في بداية  مقاله  توصيات مجموعة دراسة العراق  المعروفة باسم لجنة بيكر/ هاملتون المفوضة من قبل الكونغرس لإيجاد حلول أكثر فاعلية للوضع في العراق، والتي دعت إلى تغيير السياسة الأمريكية القائمة في العراق، والانخراط في التعامل مع سوريا وإيران وتحديد عام 2008 كموعد مفترض لبداية  سحب القوات الأمريكية من العراق، وقال روبن إنه لا وجود للحرية ونشر الديمقراطية في تقرير مجموعة دراسة العراق.

وأضاف روبن أن تقرير مجموعة دراسة العراق لم يكن التقرير الوحيد في واشنطن الذي دعا إلى تغيير السياسة الأمريكية الراهنة  في العراق ، فقد أصدر مجلس الأمن القومي NSC مراجعته كما أعادت وزارة الدفاع البنتاغون تقييم سياستها في العراق. ولكن ما عاب المؤسسات الأمريكية المعنية بإعداد دراسات عن السياسة في العراق هو عدم التنسيق اللازم فيما بينها.

 وأكد روبن على أن البيت الأبيض كان لديه إستراتيجية جادة لنشر الديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط ، ولكن العديد من القيادات العسكرية والمدنية عارضوا وقاوموا تنفيذ أهداف إدارة بوش ، خاصة الحرس القديم للسياسة الخارجية الذين قاوموا كل خطوة من خطوات إدارة بوش للتحول الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط.   وبالتالي وتحت تأثير الانتقادات المتوالية على إدارة بوش ، اضطر الرئيس إلى تغيير سياسته أكثر من مرة  والانتقال من إستراتيجية إلى أخرى، ليصبح الوضع كما هو عليه الآن فوضوي. 

ودافع روبن عن غزو العراق ، قائلا إن تحرك القوات الأمريكية وحلفائها والقيام بعمل عسكري ضد النظام العراقي جاء بعد مرور 13 عاما  من فشل الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية ضد نظام صدام.

وطرح روبن سؤالا حول واقعية إدارة بوش في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط قائلا هل من السذاجة أن يحلم الرئيس بوش بتحويل العراق إلى دولة ديمقراطية،  وأجاب قائلا بالطبع كلا ، فقد فر واحد من كل ستة عراقيين من بلدهم  أبان عهد صدام حسين، وفضلا على ذلك لم يكن هدف بوش من نشر الديمقراطية دربا من اليوتوبيا الخالصة ، فإن  سياسة قبول التعامل مع أنظمة ديكتاتورية تحمي الاستقرار في المنطقة وتعد بإصلاحات ديمقراطية على المدى البعيد، أمرا أثبت فشله عبر التاريخ .

ويرى روبن أنه طالما أن المتشددين في الشرق الأوسط  يلومون الغرب والولايات المتحدة على دعم الأنظمة الديكتاتورية خوفا من وصولهم إلى السلطة، وطالما أن الأنظمة الديكتاتورية تسعى لإقناع الغرب بأنها تسدي له معروفا بالسيطرة على الحركات الراديكالية، وتلقي باللائمة على الولايات المتحدة والغرب بوصول هؤلاء إلى الحكم من خلال عمليات الإصلاح والديمقراطية،  فإن الغرب لن يحقق نجاحا أو قبولا  على أي حال، فمن الأفضل أن يستمر الرئيس بوش في إستراتيجيته إلى النهاية.

وخلص روبن في مقاله إلى أن أسوأ سيناريو يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة في العراق هو التعجيل بالانسحاب من العراق كما يطالب العديد من الساسة وأعضاء الكونغرس، قائلا إن انسحابا  أثناء استمرار العنف وإطلاق النار في العراق لن يعني إلا الهزيمة، وسوف تعتبر الأنظمة الديكتاتورية على امتداد الشرق الأوسط أنها خرجت منتصرة أمام ضغوط إدارة بوش، ولن تتوانى عن سحق المعارضة سواء كانت  ليبرالية أو إسلامية.

وردا على الهجوم وحملة الانتقادات التي يتعرض لها الرئيس بوش في هذه الأحيان، قال روبن إن القيادة  السليمة لا تعتمد على استطلاعات الرأي ومدى الشعبية والجماهيرية، وأن الإستراتيجية التي تؤسس بناءا على مشاعر وأمزجة الشعوب لن تنجح في تحقيق الأمن.

ومن خلال لغة طغى عليها التباهي، بدأ فردريك كاغان ورقته حول إمكانية تحقيق نصر للولايات المتحدة في العراق قائلا إن الانتصار ما يزال أحد الخيارات الممكنة في العراق، فدولة يبلغ عدد سكانها 300 مليون نسمة، ويصل إجمالي الدخل القومي لها 12 تريليون دولار ويزيد عدد أفراد قواتها المسلحة عن المليون فرد، لديها القدرة والموارد لتحقيق الاستقرار في دولة (العراق) التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة، ولا يزيد إجمالي الدخل القومي لها عن 100 بليون دولار، وتوازي مساحتها مساحة ولاية كاليفورنيا، وبالتالي ينبغي على الولايات المتحدة أن تستخدم مواردها بعناية شديدة لبناء حكومة عراقية ديمقراطية شرعية ومنتخبة.

وحذر كاغان من مخاطر الهزيمة والانسحاب من العراق قائلا إن تحقيق الولايات المتحدة النصر في العراق لهو أمر في غاية الأهمية والحيوية لأمنها. فالفشل يعني ازدياد الإرهاب الدولي والدفع بمنطقة الشرق الأوسط إلى حافة  الصراعات الإقليمية والكوارث الإنسانية.

وصفة النجاح في العراق

 دعا كاغان في تقديمه إلى استعادة الأمن والاستقرار في العاصمة بغداد والتي يدرك الجميع أنها النقطة الحاسمة في الوضع الراهن، وعرض الباحث عددا من التوصيات اللازمة لتحقيق هذا منها:

• تأمين الأحياء السكنية الذي لم يكن من قبل من أولويات السياسة الأمريكية في العراق.

• تدريب وتأهيل القوات العراقية لابد أن يسير جنبا إلى جنب مع وجود القوات الأمريكية.

• إرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى العراق خصوصا إلى بغداد.

• تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للعراقيين، مع مواصلة تنمية العملية السياسية.

• استمرار وجود القوات الأمريكية في المناطق التي يتم تطهيرها من الإرهابيين.

• البدء في مشروعات إعادة الإعمار وتأهيل الكوادر الحكومية العراقية.

واتفق كاغان مع زميله مايكل روبن على أن نتيجة  الانسحاب من العراق ستكون الفشل، وقال إن الانسحاب الفوري سيؤدي إلى هزيمة فورية، حيث إن قوات الأمن العراقية ISF   تعتمد كليا على دعم القوات الأمريكية وفي حالة انسحاب هذه القوات فإن النتيجة ستكون انهيار القوات العراقية وسقوط البلاد في حرب أهلية يمكن أن يتسع نطاقها في كل منطقة الشرق الأوسط.

كما اختلف كاغان مع توصية تقرير مجموعة دراسة العراق الهادفة المتعلقة بقبول التعامل مباشرة مع سوريا وإيران قائلا إن الهيكل الأساسي للعنف نابع من داخل العراق، صحيح أن دول الجوار تشجع هذا العنف، لكنها غير قادرة على إيقافه كما يظن البعض.

وفي رده على التوصية بالتعجيل بنقل الصلاحيات الأمنية كاملة إلى الجانب العراقي والاكتفاء بقيام القوات الأمريكية بتدريبهم، قال الباحث إن هذه الفكرة تعد أيضا مخاطرة كبيرة ، حيث أن الوقت لم يحن بعد لاستلام القوات العراقية المهام، خاصة في محيط أحياء العاصمة بغداد، وأضاف أن خطوة مثل تلك يمكن أن تؤدي إلى زيادة مطردة في أعمال العنف وتزيد البلاد قربا من الحرب الأهلية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 8 شباط/2007 -20/محرم/1428