مجزرة الصدرية: بعد ان كان القتل اليومي في العراق يعد بالعشرات اصبح يعد بالمئات

 قدرت الحكومة العراقية الأحد عدد القتلى من العراقيين خلال الأسبوع الأول من شهر فبراير/شباط الجاري بحوالي ألف قتيل سقطوا في عمليات متفرقة في أنحاء مختلفة من البلاد.

وقال مسؤول في وزارة الداخلية العراقية لـCNN إن هؤلاء القتلى سقطوا في معارك مباشرة مع قوات الأمن والجيش العراقية أو في عمليات إطلاق الرصاص من سيارات مسرعة أو في عمليات تفجير مختلفة.

ويتضمن الرقم المذكور القتلى من المدنيين والمسلحين وقوات الأمن العراقية.

وأوضح المسؤول أن الأرقام والبيانات ذات العلاقة تم جمعها من وزارات الصحة والدفاع والداخلية.

وهذا مؤشر خطير يدل على التدهور الخطير في الاوضاع الامنية، فقد اصبح عد القتلى والشهداء يوميا يعد بالعشرات اصبح يعد بالمئات.

ويذكر أن أكثر من 132 عراقياً سقطوا في عملية تفجير شاحنة مفخخة بنحو طن من المتفجرات بحي الصدرية السبت.

وراح ضحية الهجوم الانتحاري بحي الصدرية أكثر من 132 قتيلا،ً وما يزيد على 300 جريح، في واحد من أكثر الهجمات دموية تشهدها العاصمة العراقية منذ تفجيرات مدينة الصدر المزدوجة، التي أودت بحياة 215 شخصاً في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني.

ويعد التفجير الانتحاري، الذي نفذ بشاحنة مفخخة بنحو طن من المتفجرات، خامس هجوم دموي يستهدف مناطق شيعية في بغداد خلال أقل من شهر.

وسوت قوة الانفجار 30 محلاً تجارياً و40 مسكناً بالأرض، وفق ما نقلت الأسوشيتد برس عن شهود عيان.

وأدان البيت الأبيض التفجير الذي استهدف حي الصدرية في بغداد السبت والذي راح ضحيتها أكثر من 400 قتيل وجريح، واصفاً إياه بالعمل الآثم.

وشجب بيان صادر عن البيت الأبيض الهجوم قائلاً "يجب على الدول الحرة حول العالم ألا تقف موقف المتفرج فيما يرتكب الإرهابيون جرائم قتل واسعة بهدف عرقلة  التقدم الديمقراطي في العراق وبأنحاء الشرق الأوسط الكبير."

وبدوره ندد السفير الأمريكي لدى العراق، زلماري خليل زاد بالهجوم الذي وصفه بالمروع قائلاً  إنه "مثال لما ستفعله قوى الشر للتعدي على الشعب العراق.. وإلى أولئك الذي يرتكبون مثل هذه الجرائم الفظيعة نرسل إليكم برسالة مفادها ستتم مطاردتكم دون كلل أو هوادة حتى تقديمكم  للعدالة."

ويأتي التفجير الانتحاري في توقيت غير ملائم لإدارة الرئيس الأمريكي، جورج بوش، التي تسعى لتطبيق إستراتيجية جديدة كآخر الخيارات لكبح دوامة العنف الدموي التي تطحن بغداد، كما تأتي قبيل أيام من بدء قوات أمريكية عراقية مشتركة حملة أمنية جديدة في بغداد بهادف تحجيم المليشيات الطائفية.

وجاء الهجوم عقب يوم واحد من نشر تقرير أعده 16 جهاز استخبارات أمريكي تحت عنوان "تقدير الاستخبارات القومية" وخلص التقرير إلى أن الأوضاع في بغداد خطيرة.

وورد في مقاطع، رفعت عنها السرية، من  التقرير "ما لم تحرز الجهود الرامية لعكس الأوضاع الراهنة تقدماً ملحوظاً خلال الـ12 شهراً إلى 18 شهراً المقبلة.. فتقديرنا أن إجمالي الأوضاع ا لأمنية ستواصل التدهور."

ورجح التقرير الصادر عن مجلس الاستخبارات القومي أن يؤدي انسحاب سريع للقوات الأمريكية من العراق إلى جر جيرانه إلى دائرة العنف هناك.

ويشير التقرير إلى أن قوات الأمن العراقية - تحديداً الشرطة - ستتعرض لضغوط بالغة في الاضطلاع بمسؤولياتها بسبب الخلافات المذهبية التي تفتت المجتمع العراقي.

ويذهب التقرير إلى أن الأوضاع في العراق ملغومة وقابلة للانفجار في أي لحظة وأن "التحديات التي تواجه العراقيين مروعة."

ورغم اطلاع الرئيس بوش على التقرير إلا أنه مازال على قناعة بأن إرسال خمس كتائب إضافية من القوات الأمريكية إلى العراق ستحدث توازناً في الوضع.

وفي هذا الصدد قال الجنرال المتقاعد ديفيد غرانغ، المحلل العسكري لـCNN "لن يجد كم سنرسل أو كم من المصادر سنصب في العراق ما لم تتحد جهودنا مع مفهوم الحكومة العراقية من أن الشعب العراقي هو الأولوية وليس القبيلة أو المذهب."

وفي شأن متصل، أعلن فصيل عراقي مسلح يرتبط بتنظيم القاعدة عن تبنيه إستراتيجية جديدة للتصدي للحملة الأمنية الجديدة التي ستقوم بها القوات الأمريكية العراقية في بغداد.

وأعلن أبو عبدالله راشد البغدادي المكني بأبو عمر البغدادي، في تسجيل صوتي نشر  في موقع إلكتروني أن "مجلس شورى المجاهدين" "وسع دائرة المعارك" إلى ما وراء بغداد.. إلى جميع أنحاء العراق، نقلاً عن الأسوشيتد برس.

ودان رئيس الوزراء نوري المالكي الاعتداء متهما "الصداميين والتكفيريين" بالوقوف وراءه بينما قال المتحدث باسم الحكومة ان "نصف هذا القتل والتفخيخ يأتي من سوريا" في اشارة الى اشخاص تؤكد بغداد انهم مطلوبون وتطلب من دمشق تسليمهم.

واضافت المصادر ان هذه "الحصيلة قد تكون مرشحة للارتفاع" نظرا لاحتمال وجود ضحايا تحت الانقاض مشيرة الى ان القتلى والجرحى نقلوا الى مستشفيات الكندي (وسط) والامام علي (مدينة الصدر) والطب العدلي (شمال).

واكدت المصادر "انهيار عدد من المباني بفعل شدة الانفجار" مشيرة الى ان غالبيتها من "طابقين ومتداعية" لانها "قديمة جدا".

والمنطقة المستهدفة تجارية يقصدها السكان قبيل التوجه الى منازلهم لشراء بضائع استهلاكية وخصوصا المواد الغذائية.

وافاد مصور لوكالة فرانس برس في المكان ان الشرطة فرضت طوقا امنيا ومنعت الدخول الى والخروج من المنطقة بينما قام السكان برشق قوى الامن بالحجارة. وفعل اقارب قاطنين في الحي الامر ذاته بسبب منعهم من الوصول الى هناك.

وتابع ان شرطيا كان ينقل المصابين بواسطة سيارته التي غطتها الدماء تعرض للضرب على ايدي بعض الشبان الغاضبين.

وقد شاهد صحافيو فرانس برس الانفجار البالغ القوة لحظة وقوعه اذ ادى الى اهتزاز المبنى والواح الزجاج وتصاعدت سحب كثيفة من الدخان الابيض بعد ذلك.

واتهم المالكي "الصداميون والتكفيريون بارتكاب جريمة اخرى لاتقل بشاعة عن سابقاتها (...) فقد تكالبت على شعبنا (..) قوى الشر والارهاب التي تدعمها بعض الاطراف المشبوهة والمحرضة (...) في الداخل والخارج".

ودان في بيان "هذه الجريمة البشعة التي طالت الابرياء" مجددا التأكيد "اننا عازمون على استئصال الجريمة وقطع دابرها وجذورها ومنابعها والداعمين لها بالقول والفعل".

من جهته قال المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ ان "نصف هذا القتل والتفخيخ يأتي من سوريا" في اشارة الى اشخاص تؤكد بغداد انهم مطلوبون وتطلب من دمشق تسليمهم.

واضاف الدباغ لقناة "العراقية" الحكومية ان "ما نراه في شوارع بغداد خمسين بالمئة ياتي من سوريا اؤكد خمسين بالمئة من هذا القتل ومن هذا التفخيخ ومن هؤلاء العرب التكفيريين الذين ياتون من سوريا". وتابع "لدينا ما يثبت ذلك واثبتنا لاخواننا السوريين لكن نريد ان نقولها لكل العرب: هؤلاء الذين تسمونهم مجاهدين وياتون من سوريا يقتلون هذا الشعب المسحوق بهذه الطريقة".

من جهته صرح اللواء جهاد الجابري مدير مكافحة المتفجرات ان الشاحنة كانت محملة "اكثر من طن من المتفجرات". وقال لقناة "العراقية" الحكومية ان شاحنة "مرسيدس محملة باكثر من طن من المتفجرات يقودها انتحاري فجرها في السوق المكتظ ما ادى الى تهدم عشرة مباني" كليا او جزئيا.

وطالب الجابري بحدة ب"ترحيل" رعايا الدول العربية "فورا بما ان جميع التفجيرات الانتحارية بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة تتم من قبل انتحاريين عرب". ودعا الى "تحقيق التنسيق المشترك بين المخابرات العراقية والاستخبارات في وزارتي الداخلية والدفاع (...) في كل مناطق بغداد لاستسقاء المعلومات ليتسنى لنا سرعة القبض على الارهابيين قبل وقوع الحدث".

وقال احد سكان حي الصدرية "لم يبق شيئا اندثر الجميع من تجار وزبائن وبضائع".

واضاف حيدر العتبي لوكالة فرانس برس قال "لا اعتقد بان الحياة سترجع الى هنا مرة اخرى لم يتبق اي شيء في هذا الشارع اندثر الجميع من تجار وزبائن ومحلات وبضاعة وعلى اي اساس ستعود الامور كما كانت"؟

وتابع العتبي الذي استقرت عائلته في الحي منذ ستينات القرن الماضي "لم ينج احد من اصحاب المحلات التجارية لقد قتلوا جميعهم".

وافاد مراسل فرانس برس ان ما لايقل عن 40 محلا تجاريا احترقت بالكامل مع البضائع المكدسة داخلها وكان الانفجار من القوة بحيث يخال المارون هناك ان زلزالا ضرب المنطقة او ان اعصارا شديدا عصف بمبانيها. وقد تحطم زجاج المباني ضمن دائرة يبلغ قطرها حوالى المئة متر.

يذكر ان هذا الشارع التجاري يشهد ازدحاما نظرا لوجود محلات تبيع مختلف انواع البضائع التي يرغب المتسوقون في شرائها وخصوصا المواد الغذائية. والشارع هو بين الاقدم في وسط بغداد وتسكنه غالبية من الاكراد الفيليين (شيعة).

وتفرض قوات الجيش طوقا امنيا حول المنطقة في حين يتولى سكانها تفتيش المارة بشكل دقيق كما يقومون باغلاق الطريق من الجانبين.

ووقف العتبي بالقرب من موقع الانفجار مشيرا الى عدد من المباني قائلا "هذا المبنى قتل جميع سكانه (...) اطفالا ونساء ورجالا. هناك حوالي 13 عائلة ابيدت تماما ولم يتبق منها احد وقضى العديد ممن يعيشون في المباني المجاورة للشارع".

في غضون ذلك وصل عدد من اقارب الضحايا يسألون عن مصيرهم فاجابهم العتبي "لا تسالوا عن اي من اصحاب المحلات من اول الشارع حتى اخره لان الجميع قتلوا السبت بالانفجار".

وفيما انهمك عدد من سكان المنطقة بالبحث تحت انقاض المباني اكد حيدر "انتشال عشر جثث هذا الصباح كانت عالقة تحت الانقاض" مشيرا الى "احتمال وجود جثث اخرى تحت انقاض بعض المنازل التي سقطت على ساكنيها نظرا لتقادمها".

وعلقت في الشارع صور للزعيم الشيعي رجل الدين الشاب مقتدى الصدر وقيادات دينية شيعية كما يغطي القماش الاسود بعض الجدران بمناسبة ذكرى عاشوراء.

وتابع العتبي ان "المنطقة تعرضت الى انفجار ثلاث سيارات قبل شهرين تم اغلاق الشارع مدة عشرين يوما لكن اصحاب المحلات التجارية التي يقصدها الزبائن من جميع انحاء بغداد اعترضوا على ذلك وطالبوا باعادة فتحه".

وقال "اعيد فتح الشارع امام السيارات قبل عشرة ايام فقط (...) على كل حال لم تكن التفجيرات الثلاث بهذا السوء (...) ومنذ ذلك الحين يمنع اصحاب المحلات توقف اي سيارة على جانب الطريق تحسبا لتفجيرات محتملة لكن ذلك لم يمنع ما حدث بالامس".

وقال رجل مسن وهو ينتحب أمام واجهات المتاجر والمنازل المدمرة في سوق الصدرية اليوم "ماذا فعلنا."

وبحث عمال الانقاذ وسط الانقاض الملطخة بالدماء عن المزيد من الجثث. وتم استدعاء جرافة لازالة الانقاض مما تبقى من المباني المؤلفة من طابقين وثلاثة طوابق.

وصرح مسؤول رفيع في الحكومة العراقية بأن "الحكومة مصممة على القضاء على الارهابيين والخارجين على القانون. ان تفجير البارحة هو دليل اخر على وحشيتهم."

وأصاب المواطنون العراقيون احباطا بالغا من عجز الحكومة العراقية عن كبح العنف.

وقال أبو ساجاد (37 عاما) وهو عامل يقيم في منطقة الصدرية "لقد سئمنا من فشل الحكومة في توفير الحماية لنا. أربع سنوات مرت وما زال دمنا يجري."

وتقول وزارة الدفاع الامريكية ان جيش المهدي التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر يمثل الان خطرا على السلام في العراق أكثر من تنظيم القاعدة. والصدر من الحلفاء السياسيين الرئيسيين للمالكي.

وذكر مصدر في وزارة الداخلية انه سيجري بذل الجهود لاحكام السيطرة على الطرق المؤدية الى بغداد مع التركيز على تفتيش الشاحنات.

وينظر للهجوم الامريكي العراقي المزمع في بغداد على أنه السعي الاخير للقضاء على العنف بين السنة والشيعة.

ويقول منتقدو المالكي ان هجوما في الصيف الماضي فشل بسبب تخصيص الجيش العراقي لعدد قليل للغاية من الجنود ولانه لم يكن راغبا في مواجهة جيش المهدي.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 5 شباط/2007 - 17 /محرم/1428