الفوضى الامنية تؤدي الى هروب العقول من بغداد

 بعد ستة أشهر من الغزو الامريكي للعراق رسم عصام باشا وهو فنان وكاتب عراقي يبلغ من العمر 30 عاما بافتخار صورة جدارية أطلق عليها اسم "المرونة" فوق صورة عملاقة لصدام حسين على جدران مبنى حكومي كما تنقل رويترز ذلك.

والان يعيش باشا في الولايات المتحدة وهو من بين مئات الالاف من العراقيين الذين اضطروا للسفر للخارج منذ الحرب وكثير منهم أطباء ورجال اعمال واساتذة جامعات ومن مهن أخرى لا يمكن للعراق ان يتحمل فقد مهاراتهم.

ويتحدث باشا بأسى عن رشفه الشاي وتجاذب اطراف الحديث طوال يوم الجمعة في صالة للتحف الفنية ببغداد ويقول"مازال بوسعي سماع الاصوات والطيور وأكاد اشم رائحة الشاي."

وكانت جداريته احتفالا ملونا بحياة بغداد وماوصفه "بشمس العراق المشمسة ابدا."

وقال باشا في حديث عبر الهاتف من ولاية كونيتيكت الامريكية "لم أستخدم فيها نقطة واحدة من اللون الاسود كنت اشعر مثل بغداد ان لديها ما يكفي من الذكريات السوداء."

ولا يمكن للناس الوصول الي هذه الصورة التي رسمت على جدران وزارة العمل والتي كسائر كل المكاتب الحكومية في بغداد تحيط بها الجدران الواقية من الانفجارات والحرس .

وقال باشا "أتمنى أن يصبح الوضع آمنا يوما ما بما يكفي لان تكون هناك اعمال فنية علنية في بغداد يستطيع الناس أن يسيروا امامها بأمان ويستمتعوا بها.

"هذا ما كنت أفكر فيه انه اذا فعل الفنانون الاخرون مثلما فعلت ستكون بغداد جميلة ونظيفة مثلما كانت في الماضي. ولكن اذا لم يكن هناك أمن لا يمكن فعل اي شيء."

ومازال ابو مينا وهو فنان خزف واستاذ جامعي يذهب الى صالة التحف الفنية التي يتذكرها باشا بامتنان عميق ولكنه يقول انه لم يعد أحد يشتري الفن وانه يفكر هو ايضا في الرحيل.

ولم يحصل ابو مينا على راتبه من الجامعة منذ شهر ولا يأتي معظم طلابه للدراسة لان الوضع اخطر مما ينبغي.

وقال "ربما يتخرج ثلاثة طلاب فقط هذا العام. الطلاب السبعة والعشرون الاخرون لم يحضروا ابدا.

"لا أعرف حتى وجوههم ."

وتقول وزارة التعليم العالي ان 185 مدرسا جامعيا على الاقل قتلوا منذ ابريل نيسان 2003 وخطف 52 اخرون وأصيب 41 بجروح. وادى تفجير مزدوج في جامعة ببغداد هذا الشهر الى قتل 70 شخصا على الاقل معظمهم طلاب.

ويدرس نجل ابو مينا الطب ولكن الدراسة لا تنتظم الا مرة تقريبا كل اسبوعين وانتقل اساتذة كثيرون الى دمشق بحثا عن الامان للتدريس في جامعة خاصة.

والعثور على طبيب أسنان أو جراح متخصص او استشاري يمكن ان يستغرق اسابيع وغالبا ما يثبت انه أمر مستحيل مما دفع هؤلاء الذين يستطيعون تحمل النفقات الى السفر للعلاج في الخارج . وغالبا ما تعاني اقسام الطواريء بالمستشفيات التي تواجه فيضا من الجرحى نتيجة التفجيرات واطلاق النار من نقص في العاملين وتكدس المرضى.

وقال تقرير للامم المتحدة هذا الشهر إن هناك زيادة مقلقة في الهجمات على اصحاب مهن مثل المدرسين والاطباء والفنانين والمحامين وضباط القوات المسلحة السابقين والصحفيين .

واضاف التقرير أن"هذه الهجمات ينفذها بشكل نمطي متطرفون يطبقون ايدلوجية يلتزمون بها او جماعات متشددة/ارهابية تهدف الى بث الخوف والرعب."

وقال إن تصاعد مناخ التطرف الاسلامي مرتبط ايضا بالهجمات على الاكاديميين.

وقال عاصم رفعت وهو محام جنايات يبلغ من العمر 38 عاما ويقطن حي المنصور الراقي ببغداد انه قرر اخذ زوجته وابنيه والرحيل من العراق.

واضاف"لا أستطيع ان اعيش في بغداد اكثر من ذلك. لقد تحولت الى مدينة للموتى ولست مستعدا ان يصبح اولادي يتامى."

وقال "لا استطيع أن اعمل من اجل العدل في بلد تديره الميليشيات التي تعمل بشكل فوق القانون " مشيرا الى الجماعات المسلحة التي ينحى باللائمة عليها في ادارة فرق اعدام مسؤولة عن قتل المئات اسبوعيا ويعتقد ان كثيرا منها يعمل بالتواطؤ مع الشرطة.

واضاف"انا اعني ذلك فاننا نعيش وفقا لقانون الغاب.

"كل مرة اغادر فيها بيتي انظر مليا الى ولدي نورا ومحمود لانني دائما يخالجني احساس بأنني لن اعود مرة اخرى."

واستقالت زوجتها وهي مدرسة يبلغ عمرها 35 عاما من عملها لتبقي في المنزل مع ولديها.

وقالت"كل مرة يذهب فيها عاصم الى العمل اظل ادعو ان يعود سالما. وعندما أرى انباء عاجلة في التلفزيون عن قنابل أبدأ في البكاء الى ان يعود للمنزل."

ويعيش سالم الطائي وهو ضابط جيش سابق يبلغ من العمر 45 عاما مع زوجته وثلاثة أولاد تتراوح اعمارهم بين خمسة و12 عاما في العامرية في غرب بغداد.

وقال"أمور كثيرة تغيرت في بغداد خلال السنوات الاربع الماضية وبالتأكيد للاسوأ. لم يعد أحد يحترم القانون وهو كارثة.

"الحياة في بغداد مثل العيش في مدينة تديرها المافيا حيث يمكن ان يقتل اي شخص بدم بارد" متذكرا قتل مسلحين صديقين وطيارين سابقين .

وقال"كل مرة أقنع زوجتي انه يجب الا نتخلى عن الامل و(لكن)التفجيرات وجرائم القتل الطائفية المتصاعدة بشكل لم يحدث من قبل تثبت انني على خطأ.

واضاف انه لم يعد يرسل اولاده الى المدرسة وقرر الرحيل الى مصر.

واردف قائلا"عندما منعت ناهضة وجومانا من الذهاب الى المدرسة بكيتا لانهما لن تريا صديقاتهما بعد الان.

"لقد فطرتا قلبي ودموعهما شجعتني على حزم حقائبي ومغادرة العراق الى الابد.

"لا اريد مزيدا من الدموع في عيون اطفالي حتى وان كان الثمن عدم العودة للعراق ابدا."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 4 شباط/2007 - 16 /محرم/1428