العراقيون شعب لاجئين.. وامريكا المحررة ترفض استقبالهم

 العنف في العراق وعدم الاستقرار في لبنان يدفعان مئات الاف الاشخاص للنزوح الى الخارج في عملية غير مسبوقة في الشرق الاوسط منذ نزوح اللاجئين الفلسطينيين عند قيام اسرائيل في عام 1948 .

وبينما يهاجر اللبنانيون عادة بصورة قانونية الى دول من اختيارهم فان العراقيين يفرون عبر الحدود في محنة للهرب من التفجيرات وفرق الاعدام والتطهير الطائفي التي يتعرض لها بلدهم منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 .

وينتهي المطاف بمعظم العراقيين في دول تستضيف بالفعل جاليات فلسطينية كبيرة من بين 4.3 مليون لاجيء فلسطيني مسجل لدى الامم المتحدة.

وتقول المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين ان ما يصل الى 50 الف عراقي يتركون منازلهم كل شهر. وقال ستيفان جاكميت الممثل الاقليمي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين لرويترز "العراق هو (النزوح) الكبير."

وتشير تقديرات المفوضية الى ان ما يصل الى مليوني عراقي انتقلوا الى دول مجاورة ولاسيما سوريا والاردن قبل ومنذ الحرب بينما نزح داخليا 1.7 مليون نسمة.

وقال جاكميت انه يخشى من ان سوريا والاردن اللذان يستضيف كل منهما بين نصف مليون ومليون عراقي ربما يغلقان حدودهما في نهاية الامر امام اللاجئين وعدد كبير منهم ينفقون بسرعة أي موارد قد يكونون جلبوها معهم.

ويقوم الاردن بالفعل باستجواب واعادة بعض النازحين العراقيين عند الحدود وخاصة الشبان الذين يفشلون في اقناع السلطات بأنهم يواجهون خطر الاضطهاد في بلدهم.

وكانت سوريا التي تستضيف بالفعل 432 الف لاجيء فلسطيني أكثر الدول ترحيبا بالعراقيين رغم الاعباء الاضافية التي يخلقونها في اقتصاد يعاني من قلة فرص العمل وضعف الخدمات.

غير ان دمشق التي تتهمها الولايات المتحدة بمساعدة المسلحين العراقيين لا تحصل على تقدير دولي لاسهامها في تحمل اعباء اللاجئين العراقيين.

وسعى عشرات الوف العراقيين الى الامان في ايران ومصر ولبنان وتركيا ودول خليجية عربية. وعدد ضئيل من الذين يقدمون طلبات للحصول على وضع لاجيء رسمي لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين يقبل اعادة توطينهم في الغرب.

حتى اولئك الذين يواجهون خطر عقاب وحشي أو اعداما في بلدهم للعمل مع الجيش الامريكي كمترجمين أو في ادوار معاونة اخرى يجدون انه من المستحيل تقريبا الحصول على تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة التي قبلت فقط 202 لاجيء عراقي في عام 2006.

وقالت المفوضية انه داخل العراق فر ما يصل الى نصف مليون شخص من منازلهم الى اجزاء اخرى في البلاد في العام الماضي وحده.

وقال جان فيليب تشوزي المتحدث باسم المنظمةالدولية للهجرة ومقرها جنيف التي تراقب النزوح في انحاء العراق ان "العامل الحاسم كان تفجير مرقدي سامراء يوم 22 فبراير."

فقد فجر تدمير المسجد الشيعي في سامراء موجة من اعمال القتل الانتقامية بين السنة والشيعة لم تهدأ بعد.

وقال تشوزي "الناس فروا بسبب العنف أو تهديدات مباشرة لعائلاتهم. وكان المعدل نحو 1000 اسبوعيا وهذا الرقم في ازدياد." واضاف "الناس ينتقلون الى مناطق وفقا للخطوط العرقية والدينية."

وقال "في مناطق عديدة الناس يدفعون ايجارا ليعيشوا في احوال غير صحية حيث لا توجد مياه نظيفة أو كهرباء. والوقود مشكلة ايضا. وكثيرون يعيشون مع اقارب. انها أزمة انسانية والاحتياجات هائلة."

ويعرقل عدم توفر الامن في العراق وكالات المساعدات الاجنبية منذ تفجير مكاتب الامم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الاحمر في بغداد في عام 2003 .

وبينما يحاول العراقيون الفرار من اعمال القتل فان نزوح اللبنانيين الذي كان يتسم بالهدوء اكتسب ايقاعا أسرع منذ الحرب في العام الماضي بين اسرائيل ومقاتلي حزب الله التي ادت الى ازمة سياسية ممتدة تفجرت الى اعمال عنف في يناير كانون الثاني.

ويقول اقتصاديون لبنانيون ان عشرات الوف المواطنين نزحوا للبحث عن عمل ومكان امن في الخارج في الاشهر الاخيرة مما ادى الى خروج مواهب شابة وزيادة عدد اللبنانيين الذين يعيشون في الشتات الى نحو ربع عدد السكان البالغ عددهم اربعة ملايين نسمة.

وأظهر مسح في الآونة الاخيرة ان 60 في المئة من خريجي الجامعات الشبان والمسنين مع عائلاتهم يأملون في مغادرة البلاد اما لانهم لا يرون مستقبلا في لبنان أو لانهم يريدون المحافظة على سلامة اطفالهم.

وقالت باميلا شرابية وهي باحثة على اتصال بالعديد من المهاجرين المزمعين انها كانت تنصحهم بالتفكير جيدا قبل ان يواجهوا اعادة التوطين في دول قد يتعرضون فيها لحواجز رسمية وتمييز وبطالة.

وقالت "لكن اولئك الذين فقدوا الامل كلية يقولون .. انه انتظار دائم ونحن لا نعرف ما الذي ننتظره لان المنطقة بالكامل مشتعلة."

كما يجد ملايين اللاجئين العراقيين الفارين من العنف والتطهير الطائفي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة قبل أربعة أعوام أن من شبه المستحيل اللجوء لامريكا بمن فيهم هؤلاء الذين جازفوا بأرواحهم لمساعدة الرئيس جورج بوش في جهوده لشن الحرب.

وبدأ الكونجرس الامريكي الجديد الذي يسيطر عليه الديمقراطيون الضغط على ادارة بوش الجمهورية لفتح الباب لهم خاصة المترجمين العراقيين والاخرين ممن يواجهون الاعدام على طريقة العصابات في وطنهم بسبب عملهم لحساب القوات الامريكية في العراق.

وقال السناتور ادوارد كنيدي عضو مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي لرويترز "أعتقد أنهم (ادارة بوش) بصدد التحرك بالرغم من اعتقادي من أن (التحرك) شديد البطء".

وكان كنيدي واحدا من بين عديد من المشرعين شككوا في سياسة الولايات المتحدة تجاه اللاجئين العراقيين في جلسة استماع لمجلس الشيوخ عقدت هذا الشهر.

وقال كينيث بيكون رئيس جماعة اللاجئين الدولية للجنة القضائية بمجلس الشيوخ في 16 يناير كانون الثاني "هذه أسرع أزمة للاجئين نموا في العالم".

وفي عام 2006 قبلت الولايات المتحدة 202 عراقي من جملة 70 الف لاجيء تقبلهم من أنحاء العالم. على النقيض قالت استراليا انها منحت نحو الفي تأشيرة دخول من هذا النوع لعراقيين العام الماضي.

وقالت ايلين سويربري مساعدة وزيرة الخارجية للجنة "بالتأكيد نحن مشغولون بمسألة كيفية مساعدة هؤلاء الناس الذين عملوا لحساب حكومة الولايات المتحدة وقدموا لها المساعدة" لكنها قالت ان هناك عقبات.

وأضافت سويربري أن الخطوات التي اتخذت على صعيد الامن الداخلي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على الولايات المتحدة جعلت من الصعوبة بمكان قبول لاجئين عراقيين. كما أن اجراءات الفحص المشددة بدورها أثنت مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين عن توجيه لاجئين للذهاب الى الولايات المتحدة.

وقال بيل فريليك مدير ادارة سياسة اللاجئين في منظمة مراقبة حقوق الانسان (هيومان رايتس ووتش) ان العراقيين الذين يعملون لحساب القوات الامريكية يمرون بفحوص وتحريات أمنية موسعة قبل تعيينهم "وان كنت ارهابيا ذكيا فتستطيع أن تجد وسائل أسهل للدخول الى الولايات المتحدة".

وأضاف أن هناك عاملين يسهمان في قرار ادارة بوش الخاص بالتعليق شبه التام لقبول اللاجئين العراقيين.

واستطرد قائلا ان البيروقراطيين لا يريدون خوض مجازفات مع عراقيين وأضاف "بوجه عام الرفض أسهل من القبول".

ويقول فريليك ان السياسة تلعب دورا ايضا.

ويضيف "الاشخاص الذين تعتمد عليهم الولايات المتحدة من أجل مشروع بناء ديمقراطية مستقرة في العراق هم أنفسهم الاشخاص الذين يفرون من البلاد. قبول هؤلاء الفارين سيعني اعترافا بأن المشروع لا يحقق نجاحا".

في عام 1939 منعت السفينة (سانت لويس) وعلى متنها نحو الف لاجيء يهودي الماني من دخول الولايات المتحدة وأبحرت عائدة الى اوروبا حيث قتل كثيرون في النهاية في محارق النازي.

وتقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الانسان انه منذ الحرب العالمية الثانية فان الولايات المتحدة في معظم الاحيان تتجاوب بسرعة مع أزمات اللاجئين خاصة حين تلعب السياسة الامريكية دورا في مأساة انسانية.

فصورة طائرة هليكوبتر عسكرية امريكية ترجع الى عام 1975 وهي تحلق فوق مبنى سكني في سايجون وترفع اشخاصا من جنوب فيتنام الى الامان في الطائرة محفورة في الوجدان الامريكي.

وجاءت ثورة فاشلة في المجر عام 1956 ضد الاتحاد السوفيتي السابق ببعض اللاجئين من هذه الازمة الى الولايات المتحدة كما فر الكثير من الكوبيين من الرئيس فيدل كاسترو في اوائل الستينات ليصبحوا قوة سياسية لا يستهان بها في جنوب فلوريدا.

وبعد ذلك بأربعين عاما يتساءل ساسة ان كانت الولايات المتحدة تخذل العراقيين الذين تطوعوا لخوض حرب تقودها الولايات المتحدة.

وفي شهادة امام الكونجرس روى شخصان نجحا في الوصول الى الولايات المتحدة عن فرارهما الاشبه بالكابوس من العراق.

وفي شهادة من وراء ستار مستخدما اسما مستعارا هو سامي العبيدي لاخفاء هويته وهوية أسرته التي لا تزال في العراق قال الشاب العربي السني (27 عاما) وهو من الموصل انه عمل مترجما لحساب الجيش الامريكي وكان في بعض الاحيان يرافق القوافل الامريكية عبر أراض تشهد قتالا.

وقال العبيدي "المواطنون العراقيون بمن فيهم المترجمون كانوا يقتلون بالرصاص في رؤؤسهم او تقطع رؤؤسهم لكن بعد أن يجبر الارهابيون هؤلاء الاشخاص على الاعتراف بأنهم جواسيس وعملاء للولايات المتحدة".

وعلق اسمه اضافة الى اسماء اخرين في عدة مساجد مع ملاحظات تحث على قتلهم. وفي اواخر عام 2005 أصيب العبيدي في تفجير سيارة ملغومة. وبعد ذلك بفترة قصيرة فر الى الولايات المتحدة وكان أول من يحصل على حق اللجوء للولايات المتحدة بموجب قانون جديد للمترجمين.

وقال كنيدي ان هناك 50 تأشيرة من هذا النوع متاحة كل عام مما يؤدي الى قائمة انتظار لمدة تصل الى ستة أعوام للمترجمين العراقيين والافغان.

وذكر شاهد اخر (48 عاما) أطلق على نفسه اسم جون أنه أوسع ضربا مرتين لنقله الماء للجنود الامريكيين وقيل له اما أن يغادر العراق او يقتل.

وأخذ بنصيحة معذبيه قائلا انه وصل الى الولايات المتحدة بعد أن سافر عبر خمس دول وأربع قارات.

ومضى يقول "أخذنا سيارة أجرة من المكسيك الى حدود الولايات المتحدة" مضيفا أنه عبر الى كاليفورنيا بجواز سفر مزور من اليونان.

وقالت كريستيل يونس من جماعة اللاجئين الدولية ان على واشنطن توفير المزيد من الاموال لمساعدة اللاجئين العراقيين على الاستقرار في الولايات المتحدة ودول أخرى كما ألمح السناتور كنيدي الى أن هذا يمكن أن يحدث.

وقالت يونس "بالتأكيد يحدوني الامل".

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 2 شباط/2007 - 13 /محرم/1428