الذي يداه في النار ليس كالذي يداه في الماء...

كلمات على أطلال مجزرة الباب الشرقي

طالب الوحيلي

 الذي يداه في النار ليس كالذي يداه في الماء، انه مثل يكاد ينطبق على أبناء الشعب العراقي أكثر من أي كان، وذلك لتسابق الحوادث الجسيمة بحيث لم تمر مثلها في العالم المعاصر كهذه الحوادث منذ سقوط النظام لبائد وحتى الآن، وهذا التسابق يضع المواطن في دوامة الدم والخوف المستحكم في كل خلجاته وفي جميع أوقاته في مسكنه او حتى مضجعه وفي مأكله ومشربه وفي مشغله ومعمله ومواطن التقاط رزقه، ولاسيما ذهابه وإيابه، فقد امتدت مساحات الخطر وضاقت خطوط الأمان مقابل تحجيم في مرتكزات الحضور الأمني، بالرغم من الخطط الأمنية الكثيرة وما وفرته من عناصر بشرية تكاد تشعرك بوجودها الظاهري، فيما تستبقها الأحداث المفجعة فتضعها على حواف الفجيعة الدامية.

أحزان الفقراء الذين توارثتهم الكوارث منذ العهد الدكتاتوري البغيض ومقابره الجماعية، ورؤيتهم أبناءهم يروحون أفواجا الى الموت (الصدامي)، وحتى المذابح التي وقعت على يد بقايا نظام المجازر العتيد،ببعثييه الذين لم يعلنوا توبتهم او براءتهم من آثامهم التي ارتكبوها بحق العراق وتراثه وشعبه، فبقي بعضهم مع سبق الإصرار يتسلل الى أدوات الدولة الديمقراطية التي لونتها بصمات الفقراء ودمائهم، وتحولت تلك القطعان من غيلان وكواسر الأمن والمخابرات وفدائيي صدام الى طائفيين متحالفين مع بقايا العصور المظلمة، فارتدوا حلّة الذبح والأحزمة الناسفة وابتكروا مصايد للخديعة سرعان ما تنفجر وسط عمال المساطر والباعة المتجولين الذين استوطنوا أرصفة الشوارع يبيعون بضائع رخيصة لاتدر لهم سوى أرباح تكفيهم لإشباع بعض بطونهم وتوفير أجزاء من حلم مستحيل.

هذه الأحزان أخذت تتجذر مع كل فاجعة تمر محملة بعشرات القتلى المقطعي الأشلاء اثر انفجار مريع، لكن أبناء شعبنا يتأسون بالحسين اذ تحضر في ذروة الحزن ملامح الطف البعيدة، او حين يعيشون لمحات الانتصار حيث كسرت رقبة الجلاد او حين ثأر حبل المشنقة من برزان فقطع عنقه، ليبتدئ عهد جديد وصراع اشد حقدا حين تتعبأ امة الضلال الطائفي الشوفيني وتجاهر بحربها ضد فقراء العراق الذين سرقت ثرواتهم عبر بطون قبائل الجاهلية، وبكل قبح يعلنون مراثيهم بموت رمزهم وصنمهم، ويعلنون حربا طائفية متناغمة مع خطابات الأصنام التي تحكمهم، فهم فعلا كمن أدمن على العيش في ظل الطواغيت!!

الذي يداه في النار هو الشعب العراقي دون سواه، وهو من ينتظر ساعة الفرح بان تنهض الحكومة المنتخبة بمسؤولياتها وتنتزع صيرورتها بما يتلاءم مع ما منحها هذا الشعب من ثقة وما أعطته من مواثيق،فكم مذهل حين يقف شاب وقد نفض للتو دخان انفجار وما زالت آثار دماء الشهداء على ثيابه وهو يعد القتلى او ينقل الأشلاء عبر عربة للحمل في الباب الشرقي، ليعلن بكل صدق بان الإرهاب لن يثنينا عن مسيرتنا وان القتلة استهدفوا هؤلاء الكادحين لأنهم جميعا من أتباع أهل البيت، وان صوت المنشد الحسيني عبر الأقراص المدمجة التي استهدفها التكفيري لا يمكن ان يسكته خوف أبدا، وكم هو موجب للغضب ان ينفذ بقايا النظام المقبور عبر زمرهم الإجرامية، وعيدهم بالانتقام لطاغيتهم من فقراء العراق في أيام عاشوراء الحسين، لكن غضب اتباع الحسين هو غضب مقدس وليس ردود أفعال عبثية، فمازالوا مؤمنين بنظامه الديمقراطي وبسيادة القانون كخيار حضاري وإنساني، لذا فإنهم يترقبون الخطة الأمنية التي وعدهم بها الدكتور المالكي، وأسندها جورج بوش باستراتيجيتة الجديدة التي ترتكز على دعمه الكبير للحكومة العراقية، وعبر تحد خطير يضع فيه كل تأريخه السياسي .

نعم الإستراتيجية الجديدة التي ينتظرها المواطن العراقي، ويحسب منذ إعلانها كل حساب في أي لحظة خطر، او ليتندر على الخطط الأمنية السابقة حين تجيش فيه الخواطر المرعبة، فاي إعدادات وضعت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكيف يمكن ان تسيطر الحكومة وهي مازالت مثقلة بهموم الاختلاف وعدم التوافق عبر برلمان مازال بعض أعضائه غير قادرين على معرفة ما يعنيه المشرع من انه يمثل امة ولا يمثل سوى نفسه او فريق من الخارجين على القانون، وبعضهم خارج على القانون فعلا ويستحق نزع الحصانة عنه، وكيف يمكن لقوات مسلحة ان تنتشر وهي مجردة من السلاح المناسب، فلا إسناد معلوماتي لديها ولا قوات مدرعة او أسلحة ثقيلة أخرى او إسناد جوي حقيقي، وقد حق للدكتور المالكي ان يختار تجهيز القوات العراقية بما تريده مقابل الاستغناء عن القوات الأجنبية، وتلك هي المعضلة الحقيقية.

الإستراتيجية الأمريكية استندت أصلا على فكرة دعم الحكومة العراقية لتكون القيادة العسكرية بيد القوات العراقية فيما تكون القوات متعددة الجنسيات مجرد قوات داعمة، كما استندت على إمكانية التحرك الدبلوماسي على دول الجوار وبعض الدول الإقليمية، لكن ما نشعر به هو ان معظم الدول العربية تنظر الى الحكومة العراقية بازدراء، وقد اتخذت من الشعب العراقي خصما، ويكفينا انها أقامت الدنيا ولم تقعدها على إعدام طاغية مجرم نال حظه من المحاكمة العادلة المعلنة على الكون اجمعه، لكنها لم تنبس ببنت شفة عن مقتل أكثر من ثمانين طالب وطالبة في الجامعة المستنصرية او أكثر من ثمانين كادح في الباب الشرقي، ولم تعلن شجب او استنكار ولو لمجاملة دبلوماسية او دولية تكاد تجمع عليها الأعراف الدولية حتى بين الدول المتحاربة، وذلك يعني فيما يعنيه رضا وقبول تلك الدول بقتل الشعب العراقي عبر الحقد المبيت.

على مشهد لاطلال فاجعة الباب الشرقي التي وقعت يوم 22/1/2007، يمكن ان تهمل الدموع وتنكفئ المشاعر نحو الرثاء لتلك البقايا، حيث (البسطيات) المهشمة وآثار الأشلاء الملتصقة فيها، وحيث بقايا بضائع الباعة وهي ملطخة بدماء الشهداء، خراب يمتد مابين ساحة الطيران وساحة التحرير وروائح الموت لم تزل تذكر المارة الذين لم يستطيعوا حبس دموعهم، بان كان في هذا المكان شباب وكوهلة تركوا عوائلهم طلبا للرزق الحلال، قتلتهم قوى الإرهاب، ظنا من تلك القوى إنها قادرة على إعادة دائرة التأريخ نحو الاتجاه المستحيل.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 25 كانون الثاني/2007 - 5 /محرم/1428