العراقيون يتأملون دروس التاريخ بعد اعدام صدام والمالكي يعزز موقعه

حين استيقظ علي محمد على أصوات دوي اطلاق النيران احتفالا باعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين فكر في دروس التاريخ حيث لا ينزع الحكام في بلاده الى أن يموتوا في أسرتهم في هدوء.

وقال علي (25 عاما) وهو طالب من مدينة الديوانية بجنوب العراق "حين أدركت أن صدام أعدم كنت في غاية السعادة.

"ظللت أشاهد التلفزيون وخطر لي أن نهاية كل رئيس في العراق اما الاعدام او الاغتيال. وهذا أمر مزعج."

وفي منطقة نادرا ما تتداول فيها السلطة من خلال الانتخابات ثبت أن حكم العراق ينطوي على خطورة.

كان العراق فيما سبق جزءا من الامبراطورية العثمانية ثم جعلت بريطانيا الامبريالية منه دولة بعد الحرب العالمية الاولى وحكمه ملوك مدعومون من بريطانيا الى أن قام انقلاب عسكري عام 1958 قتل فيه الملك وولي العهد ورئيس الوزراء.

ثم أطيح بالعميد عبد الكريم قاسم الذي قام بالانقلاب وقتل في عام 1963. ولقي الرئيس التالي حتفه في حادث تحطم طائرة وخلفه شقيقه الذي نفي بعد انقلاب قام به حزب البعث عام 1968.

وتوفي الرئيس أحمد حسن البكر الذي استقال عام 1979 حين أصبح صدام رئيس البلاد رسميا مما أضفى صفة رسمية على السيطرة التي كان صدام قد استولى عليها بالفعل في ظروف مريبة بعد ذلك بثلاث سنوات مما أثار تكهنات بأن خليفته سممه.

وقال توبي دودج وهو خبير في الشؤون العراقية بجامعة كوين ميري بلندن "اذا فكرت في عام 58 و68 و79 تستطيع الان أن تضم 2006 الى هذه القائمة...محاكمة استعراضية دعائية واعدام سريع وزعم بأن هذا يمثل خطا فاصلا في تاريخ العراق."

كان صدام قريبا من دائرة منفذي الاغتيالات فحين كان شابا أطلق الرصاص بنفسه على قاسم في عام 1959 في محاولة فاشلة لاغتيال الزعيم انذاك. وحين أصبح صدام رئيسا اتخذ احتياطات محكمة منها استخدام بدلاء يشبهونه. وكانت الجرائم التي أدين بها وأدت الى اعدامه عمليات انتقامية بسبب تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة عام 1982.

ويقول أثير عبد الله (43 عاما) وهو رجل أعمال ان العراق الذي يمتلك ثالث اكبر احتياطي للنفط في العالم ونهرين كبيرين كان يجب أن يكون دولة تنعم بالرخاء لكنه بدد ثرواته الطبيعية.

وأضاف اثناء انتظاره في مطار بغداد ليستقل طائرة الى الاردن حيث يعيش الان "انها دولة ملعونة وتاريخها ملعون."

ومضى يقول "انها دولة يفر ثلثا سكانها مع كل تغيير للنظام اما البقية فاما يودعون في السجون أو يقتلون أو يعيشون في بؤس."

وتعززت سلطة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الهشة بين الشيعة الذين ينتمي اليهم بعد أن ضغط لتنفيذ حكم الاعدام في صدام بعد أربعة ايام فقط من تأييد محكمة التمييز العراقية حكم الاعدام الصادر ضده لادانته بقتل وتعذيب مواطنين شيعة.

لكن كثيرين من العرب السنة ومن فريق الدفاع عن صدام اتهموا المالكي بالتدخل سياسيا في المحاكمة التي انتقدتها أيضا جماعات دولية مدافعة عن حقوق الانسان ووصفتها بأنها غير نزيهة.

وربما يذكي تسجيل فيديو بث على الانترنت المشاعر الطائفية التي دفعت العراق نحو حرب أهلية منذ أطاحت القوات الامريكية بصدام عام 2003 فقد ظهر فيه مسؤولون شيعة يوبخون صدام ويشمتون فيه وهو واقف على منصة الاعدام يوم السبت.

وعرض التلفزيون العراقي الحكومي فيلما لصدام وهو يستعد للموت لكنه لم يعرض لحظة الوفاة. غير أن التسجيل الكامل يبث على شبكة الانترنت.

وقال دودج ان عرض الاعدام "يتفق مع منطق وحشي استخدمه صدام حسين نفسه."

وأضاف "هذه ليست حتى عدالة المنتصر بل انه استعراض ينم عن تباه لا يصدر الا من حكومة لا تشعر بالامان."

ووسط تقارير تفيد بأن صبر داعميه الامريكيين بدأ ينفد نفى المالكي تكهنات شعبية بانقلاب وقال ان استبداله سيكون من الحماقة.

وكان الرئيس الامريكي جورج بوش قد قال ان غزو العراق جزء من هدف أوسع لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط ورحب بالانتخابات التي جرت في العراق عام 2005 باعتبارها بداية حقبة جديدة.

لكن أرقام الامم المتحدة تظهر أن أكثر من ثلاثة الاف مدني يقتلون شهريا في أعمال عنف طائفي متصاعد.

وسببت مشاهد الاعدام حالة من عدم الارتياح حتى في مناطق مثل اربيل وهي مدينة كردية كان لسكانها الذين قمعهم وهاجمهم صدام كل الحق في الاحتفال.

وقالت سارة بابان (35 عاما) "هذا أظهر أنه ما زالت لدينا ثقافة الانتقام في العراق...أعادت للاذهان مشاهد اعدام مسؤولين عراقيين على مر السنين."

ويعتبر الكثيرون اعدام صدام يوم السبت تعزيزا لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي كانت تحتاج اليه كثيرا.

وقال بعض الساسة أن ما يقوم به المالكي يظهره كزعيم قوي لا يخشى اتخاذ القرارات القوية. وقال محللون إن اعدام صدام أعطى المالكي فرصة لمخاطبة البعثيين وغيرهم من الخصوم.

وأثار اعدام صدام فجر السبت مشاهد من الفرح في كثير من أنحاء العراق ولكن سادت حالة من الغضب في عند كثير من ابناء الطائفة السنية التي تشكل العمود الفقري للعمليات المسلحة التي تشن ضد الحكومة.

وعرض التلفزيون لقطات للمالكي مرتديا حلة رمادية اللون وربطة عنق مخططة وهو يوقع قرار الاعدام بالحبر الاحمر قبل عرض لقطات لصدام أثناء اعدامه.

وفيما حرص المالكي على الظهور بصورة المنتصر في لحظة كان كثير من العراقيين يتوقون لها فقد أصدر بيانا دبلوماسيا بعد وقت قصير من اعدام صدام. ودعا أنصار الرئيس السابق لالقاء السلاح والانضمام الى عراق حر بعيد أن أي دكتاتورية.

وقال "أدعو جميع المغرر بهم من أزلام النظام البائد أن يعيدوا النظر في مواقفهم لان الباب لايزال مفتوحا أمام كل من لم تتلطخ أيديه بدماء الابرياء للمشاركة في عملية اعادة بناء العراق."

وقال المحلل السياسي حازم النعيمي ان المالكي سيجني فائدة اعدام صدام بعد أن هدأت العاصفة التي ثارت في بداية الامر وانه الان يلعب بشكل صحيح لدى مخاطبته البعثيين.

وأضاف "بعد فترة سيثبت ان تلك كانت خطوة ممتازة من أجل فتح صفحة جديدة."

وتابع قوله "البعثيون سيذوقون الواقع المر ولكن على المالكي ان يقنعهم بانه لا مشاكل لديه مع الفكر القومي العربي الذي لديه جذور ضاربة في العراق ولكن لديه مشاكل مع صدام وقيادته."

وبعد ان جاء تولي المالكي لمنصبه كحل توفيقي لانهاء أزمة استمرت أسابيع في مايو أيار حول المالكي نفسه من شيعي متشدد الى رجل يدعو للمصالحة.

ولكن بعد مضي ثمانية شهور على شغله لمنصبه سعى جاهدا لقمع أعمال العنف الطائفية وحمله القادة السنيون المسؤولية عنها لانه لم يفعل ما يكفي لقمع الميليشيا الشيعية.

واعتبر حزب الدعوة الذي ينتمي اليه المالكي حليفا لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي تتهم حركته باستهداف العراقيين السنة. وهي تهمة ينفونها بشكل قاطع. ولكنه خرج عن نهج المجموعة حينما امتنع عن توبيخ الرئيس الامريكي.

وخاض رئيس الوزراء العراقي الذي كان في سوريا في سنوات المنفى أزمة علنية مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالسيادة مما أكسبه شعبية في بلاده ولكن ليس في واشنطن.

وقبل أسابيع من اعدام صدام بدا ان الامور تتهاوى بالنسبة للمالكي حيث قاطع أتباع الصدر الحكومة في توقيت تصاعدت فيه التوقعات بنشوء تحالف جديد لا يتضمن حزب الدعوة وتيار الصدر.

وقال سياسي شيعي طلب عدم الافصاح عن اسمه ان اعدام صدام سيعزز سمعة المالكي بوصفه رجلا مستعدا للمخاطرة سياسيا واغضاب حلفائه من أجل انجاز الامور. وأضاف "لقد أظهر بالفعل انه زعيم قوي وشجاع."

وقال انه يتوقع ان يشهد العراق تصاعدا لفترة قصيرة في وتيرة أعمال العنف قبل ان يستقر الوضع خلال ما بين ثلاثة شهور أو ستة.

وحذر السياسي من ان "التحدي الحقيقي قادم.. على (المالكي) أن يقتنص الفرصة ويستغل البعثيين من أجل تهدئة الوضع لانهم الان الاضعف."

وسيود المالكي الذي يعلم ان طول فترة محاكمة صدام ستحبط مؤيديه من الشيعة ان يلعب دورا مركزيا في الاعدام الذي أعقب ادانة صدام في نوفمبر عن ارتكاب جرائم ضد الانسانية.

وقال مسؤول سني رفيع لرويترز بعدما طلب عدم الافصاح عن اسمه إن الاعدام سيساعد المالكي على البقاء في منصبه ولكنه لن يضمن مصالحة ناجحة اذا استمر "سلوكه".

وأضاف "أعتقد ان التعجيل بالاعدام هدفه اسعاد كثير من الناس فيما لا يمكنه توفير الامن والخدمات الاساسية. ولكن كي يقبل جميع العراقيين بحكومته فان عليه ان يغير سلوك حكومته ازاء المعارضة."

وقال النعيمي "لكل صراع نهاية. ولنأمل أن يكون المالكي قد أعطانا هذا الطريق المختصر الذي لا يقدر بثمن (الى النهاية)."  

شبكة النبأ المعلوماتية - الاثنين 1/كانون الأول  /2007 - 10 /ذي الحجة /1427