مظاهر العيد في خيام المهجرين.. فرحة مفقودة وبحث عن ملاذ آمن

 محنة العوائل المهجرة في الناصرية تعكس جانبا من جوانب المشهد العراقي البائس اليوم منذ أن اشتد أوار التهجير الطائفي قبل نحو عام ، وإذا كان العيد لكل المسلمين في العالم أياما مباركة تزرع الفرح والسرور ، فان الحال في خيام المهجرين هو يوم آخر من حياة المحنة والبؤس والشقاء .. غابت عنه فرحة العيد واستمرت فيه رحلة البحث عن ملاذ امن ولائق.

ايمن حطاب ( 45 سنة ) ،وهو صاحب عائلة تسكن شهربان بمحافظة ديالى جاء إلى الناصرية في اليوم الأول للعيد بحثا عن مسكن لإيوائه هو وعائلته بعد أن وصلت التهديدات التي تلقاها في منطقته حد القتل.

يقول ايمن " تركت بيتي في منطقة شهربان وأخذت عائلتي لتسكن مؤقتا عند احد أقربائي في بغداد ريثما أجد مسكنا لها في الناصرية التي يخلو فيها التهجير الطائفي وتشهد وضعا امنيا مستقرا."

وأضاف لوكالة أنباء ( أصوات العراق ) " اتصلت بصديقي في الناصرية وها نحن نبحث عن دارا للسكن في أي منطقة كانت ما دامت بعيدة عن جحيم الطائفية في ديالى وبغداد."

وايمن لديه إبنة تدرس القانون في بغداد ، وثلاثة أبناء في المتوسطة ، فيما تركت زوجته الوظيفة بسبب العنف الطائفي منذ حوالي نصف عام ، ويقول انه سوف ينقل كل أبنائه إلى الناصرية ، رغم أن الدراسة قطعت شوطا منذ بدايتها قبل أربعة اشهر.

ولم يجد ايمن دارا بعد ، ويرجع ذلك الى أن "الناس هنا يستغلون حاجة المهجرين إلى الدور السكنية فزادوا من ارتفاع بدلات الإيجار إلى أضعاف ما كانت عليه كما سمعنا من الأهالي."

وفي منطقة الإسكان وسط المدينة ، حيث يشهد ثاني أيام العيد حركة الناس وهم يتزاورون فيما بينهم ، تقدمت امرأة مع طفلها وهي تسأل عما إذا كان هناك بيت للإيجار في هذه المنطقة.

وأم عادل من سكنة بغداد ،وتركت دارها هي وزوجها المعاق هربا من تهديد الجماعات المسلحة ، قالت " هددتنا جماعة مسلحة بالقتل إذا لم نترك دارنا قبل العيد ، وجئت إلى احد أقاربي هنا بحثا عن بيت للإيجار ."

وأضافت " لدي طفل واحد وزوجي مصاب بشلل نصفي ولا ادري إلى متى أبقى عند أقاربي."

وتقول أم عادل إنها إذا لم تجد بيتا للإيجار سوف تذهب إلى مكتب المهجرين لتسجيلها للعيش في خيام العوائل المهجرة التي تم نصبها في أطراف المدينة.

وفي احد مواقع خيام المهجرين جنوبي الناصرية ، حيث انتقلت نحو 100 عائلة للعيش هناك ،كانت أجواء العيد غائبة تماما حتى عن الأطفال.

يقول المواطن غائب سلمان ( 37 سنة ) " أنا هنا منذ ثلاثة اشهر تقريبا ، ويوما بعد يوم نشعر بأننا نهوي إلى الحضيض في كل تفاصيل حياتنا."

وأوضح " مشاكلنا عديدة ولكن لا احد يكلف نفسه عناء حلها من مسؤولي الدوائر المعنية .. لقد تركونا نتقلب على فراش العوز والفاقة بعد أن حشرنا القدر في هذه الخيام البائسة ."

وعن العيد ،يقول سلمان بمرارة " العيد في كل مكان في العراق الآن فقد نكهته الاجتماعية ولم يبق لنا إلا أن نتوجه إلى الله تعالى أن يزيل عنا هذه المحنة."

وأضاف " نحن منشغلون بترتيب حالنا هنا في هذه الخيام ، وكنت طوال أيام العيد ابحث عن دار بإيجار مناسب لدخلي دون جدوى .. ولم اشعر أطفالي بالعيد إلا بقليل من الحلوى التي وزعتها لهم كعيديات بهذه المناسبة."

أما إبراهيم حسن الذي هجر من منطقته أبو غريب منذ ثلاثة اشهر ، وتكفل أصدقاء له في الناصرية بدفع إيجار دار سكنية له عن تلك المدة ، فقال " لقد تركت وظيفتي كسائق في دائرة حكومية ، ومرتبي يستلمه أصدقائي هناك ويرسلوه لي عندما يتاح لهم ذلك."

وأضاف " استطعت أن أجد دارا عبارة عن غرفتين من الصفيح والبلوك في منطقة (الحواسم) وهي منطقة فقيرة يسكنها المتجاوزون على أملاك الدولة حيث أستطيع دفع إيجارها كونها رخيصة."

وقال متهكما " هذه هي هدية العيد لعائلتي."

وتعيش في ذي قار نحو 4529 عائلة مهجرة بحسب إحصاءات مكتب المهجرين في المحافظة ، وما تم إغاثته 1200 عائلة فقط اغلبهم من سكنى الخيام في مجمعات أقامتها جمعية الهلال الأحمر ومكتب الهجرة والمهجرين في مناطق مختلفة من المحافظة.

ومن جانبه ، يقول عبد الحسن رحيم مدير العلاقات العامة في مكتب المهجرين إنه "خلال الدوام الجزئي في أيام العيد راجع نحو 30 شخصا من المهجرين الجدد المكتب لغرض التسجيل والاستفادة من المساعدات التي تقدمها الجهات الحكومية."

وأضاف " بعض هؤلاء المهجرين يسكنون مع أقاربهم ، وبعضهم جلب أوراق أفراد عائلته الرسمية لغرض تسجيلهم وجلبهم لاحقا ، فيما لا زال الكثير يبحث عن سكن ملائم لعائلته"

وتقول أماني شامل حسن ، وهي طالبة في كلية التربية هجرت مع عائلتها من منطقة التاجي شمال بغداد إن "الهلال الأحمر وزع علينا هدية العيد قبل نحو ثلاثة أيام ، كما زارنا بعض رجال الدين والمنظمات الإنسانية يهنئوننا بالعيد."

وتعلق على هذه المبادرات بقولها إنها " على الأقل تشعرنا بان هناك مظهرا من مظاهر العيد."

من جانبه ، قال رئيس جمعية الهلال الأحمر في ذي قار علاء عودة " نحاول أن نقدم أقصى ما نستطيع من دعم للعوائل المهجرة ، لاسيما في العيد الذين يقضونه في ظل هذه الظروف القاسية ."

وأضاف " قدمنا مساعدات منزلية وحصص غذائية من البطاقة التموينية بناء على أمر السيد رئيس الوزراء لسد متطلبات حاجياتهم خلال فترة العيد ."

وأشار إلى أن العمل جار لإقامة مخيم مبني من مادة البلوك شمالي المحافظة يضم أكثر من مائة عائلة بدلا من إيوائهم في الخيام."

ويقول الباحث النفسي عبد الباري الحمداني مدير مركز البحوث النفسية في ذي قار إن " خطر أن يحرم الأطفال من الشعور بالفرح والترفيه كبير جدا على مستقبلهم وتكوينهم الاجتماعي ، فالحاجة إلى الترفيه حق من حقوق الطفولة ، فكيف الحال وانه مفقود في أيام ينتظرها الأطفال."

وأشار في هذا السياق إلى قيام المركز حاليا بدراسة حول الأسر المهجرة التي تمارس التسول في المحافظة" ، مشيرا إلى أن " أوضاع العوائل المهجرة لاسيما الأطفال في ظل أحداث اليوم تفتقر إلى الدراسات النفسية والاجتماعية ، مما يجعل من الضروري أن تبادر المراكز البحثية إلى دراسة هذه المشكلة ، كما يحتم على منظمات المجتمع المدني توفير الدعم الاجتماعي إلى تلك العوائل المنكوبة."

لكن الحزن الذي يخيم على أطفال العوائل المهجرة في العيد " اكبر من أية مبادرة تسعى لها الجهات المسؤولة أو تحاول أن تعكسها النوايا الطيبة في الخيام البالية" كما تقول

السيدة أسماء كاظم (41 سنة ) وهي أم لأربعة أطفال قتل والدهم بسبب العنف الطائفي في منطقة الدورة جنوبي بغداد .

وأضافت " ليست ظروف المعيشة وحدها سبب الحزن لنا ولأطفالنا ، فمعظم العوائل فقدت أحبتها في العنف الطائفي ، أو خسرت أملاكها في مناطقها التي هجرت منها ."

وأوضحت " قتل زوجي بعد ساعات من تهديدنا بالرحيل ، والقونا في الشارع وقالوا لنا ارحلوا وآلا سنحرقكم في بيتكم ."

ثم تساءلت " أي فرحة بقيت لنا بعد كل ذلك."

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 5/كانون الثاني/2007 - 14 /ذي الحجة /1427