صدام من احلام العظمة الى حبل المشنقة

  اراد صدام حسين الذي صادقت محكمة التمييز العراقية الثلاثاء حكم الاعدام الصدر بحقه ان يكون البطل الذي يقود العرب الى المجد والقائد العظيم للعراق.

وجاءت نهاية عبادة الشخصية التي احاطت "بالقائد العظيم" وفرضت على العراقيين بقسوة ليؤمنوا انه مزيج من القائد العربي صلاح الدين الايوبي محرر القدس الذي ولد في تكريت ومن ملك بابل نبوخذنصر حين اعتقل في 13 كانون الاول/ديسمبر الماضي في حفرة شمال بغداد.

ومن هذه الهالة التي احاط نفسه بها لم يحتفظ صدام سوى ببعض السلوك المتعالي. ولم يتردد خلال مثوله امام قاضي التحقيق مطلع ايلول/سبتمبر الماضي في التأكيد على انه "رئيس جمهورية العراق والقائد الاعلى للقوات المسلحة" ومناقشته في الموقع الذي يشغله والجهة التي عينته فيه ورفض التوقيع على الاتهامات في غياب محام.

وفي سجنه الذي كان على ما يبدو قرب مطار بغداد حيث تقع واحدة من اكبر القواعد الاميركية في العراق ارتدى دشداشة اللباس التقليدي في ريف العراق بدلا من بزاته الانيقة.

استسلم صدام حسين من دون اطلاق رصاصة واحدة او مقاومة على الرغم من انه وعد العراقيين ب"الموت في هذا البلد والحفاظ على شرفنا الذي نستمده من شعبنا".

ولد صدام في 28 نيسان/ابريل 1937 في قرية العوجة قرب تكريت (150 كلم شمال بغداد) من عائلة سنية عربية. عاش طفولة صعبة اذ توفي والده وهو لم يكمل التاسعة فتولى خاله تربيته وارسله الى بغداد للدراسة.

ومن الفقر وضيق الحال ينتقل صدام للعيش في ابهة القصور وفخامتها. قبل لن يدفع ثمن تحديه للقوة العظمى الاميركية بهزيمة واهانة مع جرجرة ثماثيله في الوحل وصوره الممزقة والملطخة او المحروقة.

قال دبلوماسيون ان صدام الذي خاض حربا دموية ضد ايران (1980-1988) وهزم في حرب الخليج الاولى (1991) كان متفننا في البقاء وبارعا في فن تحويل كل هزيمة الى انتصار وكل كارثة الى عيد.

ومع كل مرة امطرت فيها الولايات المتحدة بغداد بعدد كبير من الصواريخ والقنابل في كانون الاول/ديمسبر 1998 وقبل ذلك عامي 1996 و1993 وكان يشاهد وهو يعلن انتصاره.

كانت واشنطن ولندن تأملان في رؤيته مطرودا من السلطة عبر انتفاضة داخلية لكن صدام عرف كيف يقمع بالدم والنار انتفاضتي الجنوب الشيعي والشمال الكردي بعد انتهاء حرب الخليج.

بدأت شهرة صدام حسين في شبابه لدى مشاركته في محاولة اغتيال الرئيس الاسبق عبد الكريم قاسم عام 1959.

واصيب خلال المحاولة في ساقه وفر الى الخارج لكي يعود بعد اربعة اعوام قبل ان يلقى في السجن عام 1964 الا انه تمكن من الفرار لمعاودة نشاطه السري لحساب حزب البعث.

شارك عام 1968 في الانقلاب الذي حمل الحزب الى السلطة الامر الذي شكل بداية صعوده واعتباره بمثابة الرجل القوي في نظام الرئيس الاسبق احمد حسن البكر.

وبعد توليه منصب الامين العام المساعد في حزب البعث تم تعيينه عام 1969 نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ولم يتوقف منذ ذلك الحين عن تعزيز نفوذه.

صار صدام الرجل الاول في العراق في 16 تموز/يوليو 1979 جامعا في شخصه مناصب رئيس الدولة والامين العام للحزب ورئيس مجلس قيادة الثورة.

ولم يبد صدام تساهلا حيال اي محاولة للانشقاق فضاعف حركات التطهير باعثا بمعارضية الى القبر او المنفى كما استطاع فرض نظامه بواسطة البطش والوحشية. كما شجع الوشايات وعمل على اخضاع وسائل الاعلام بشكل كامل.

ومنح الرجل الذي "يوحي بالخوف" نفسه رتبة مشير رغم رسوبه في امتحانات الكلية العسكرية في شبابه وعين نفسه قائدا اعلى للقوات المسلحة التي سرعان ما اكتسحتها القوات الاميركية الربيع الماضي.

ولازال الطاغية يعيش في عبادة الشخصية وثمالة الطغيان عندما قال في رسالة نشرتها رويترز يوم الاربعاء إن إعدامه سيكون تضحية من أجل العراق ودعا العراقيين للتوحد ومحاربة القوات الامريكية.

وقال صدام في رسالة مكتوبة بخط اليد تم الحصول عليها من محامي الدفاع عن صدام في الاردن "ها أنا أقدم نفسي فداء فاذا أراد الرحمن هذا صعد بها الى حيث يأمر سبحانه مع الصديقين والشهداء.

"وإن أجل قراره على وفق ما يرى فهو الرحمن الرحيم وهو الذي أنشأنا ونحن اليه راجعون."

وتابع "رغم كل الصعوبات والعواصف التي مرت بنا وبالعراق قبل الثورة وبعد الثورة لم يشأ الله سبحانه أن يميت صدام حسين فاذا أرادها في هذه المرة فهي زرعه.. وهو الذي أنشأها وحماها حتى الان.. وبذلك يعز باستشهادها نفس مؤمنة اذ ذهبت على هذا الدرب بنفس راضية مطمئنة من هو أصغر عمرا من صدام حسين. فإن أرادها شهيدة فإننا نحمده ونشكره قبلا وبعدا."

وقال فريق الدفاع ان الرسالة كتبت بعد وقت قصير من صدور حكم بالاعدام على صدام في نوفمبر تشرين الثاني لارتكابه جرائم ضد الانسانية خلال فترة حكمه التي دامت 24 عاما وقبل أن تصدق محكمة التمييز على حكم الاعدام يوم الثلاثاء.

وقال صدام "لقد عرفتم أخوكم وقائدكم مثلما يعرفه أهيله لم يحن هامته للعتاة الظالمين وبقى سيفا وعلما."

وتابع "أيها الشعب العظيم... أدعوكم أن تحافظوا على المعاني التي جعلتكم تحملون الايمان بجداره وأن تكونوا القنديل المشع في الحضارة.

"وحدتكم تقف حائلا بينهم وبين أن يستعبدوكم."

وأضاف صدام "أيّها الشجعان.. وجد أعداء العراق.. ان وشائج وموجبات صفات وحدتكم تقف حائلا بينهم وبين أن يستعبدوكم... فزرعوا ودقوا أسفينهم الكريه القديم الجديد بينكم.. وفي ظنهم خسئوا أن ينالوا منكم بالفرقة مع الاصلاء في شعبنا بما يضعف الهمّة ويوغر صدور أبناء الوطن الواحد على بعضهم بدل أن توغر صدورهم على أعدائه الحقيقيّين."

وينبغي تنفيذ الاعدام في صدام بعد صدور حكم يوم الثلاثاء خلال 30 يوما.

ومن اهم الجرائم المنسوبة الى الطاغية صدام ونظامه بالاضافة الى الدجيل:

- في 1991 امر صدام حسين بقمع انتفاضة الشيعة في جنوب العراق ما اوقع الاف الضحايا بعد هزيمة الجيش العراقي في الكويت امام ائتلاف دولي بقيادة الولايات المتحدة.

- في 1988 قام الطيران العراقي خلال الحرب الايرانية العراقية (1980-1988) بالقاء مواد كيميائية على حلبجة (شمال شرق).

شكلت عملية القصف هذه اكبر هجوم بالغازات السامة على مدنيين واسفرت عن مقتل نحو خمسة الاف من اكراد العراق معظمهم من النساء والاطفال في غضون بضع دقائق واصابة عشرة الاف اخرين بجروح.

- عملية الانفال التي ادت في 1987-1988 الى مقتل اكثر من مئة الف من اكراد العراق في عمليات تهجير جماعية ومجازر نفذها نظام صدام حسين في القرى الكردية بحسب حصيلة مقبولة من جميع الاطراف.

- تتهم ايران التي خاضت حربا مع العراق اوقعت نحو مليون قتيل من الطرفين بحسب التقديرات الغربية الرئيس العراقي السابق بارتكاب "جريمة في حق البشرية وابادة وانتهاك للتشريعات الدولية واستخدام اسلحة محظورة".

- طالبت الكويت التي اجتاحتها قوات صدام حسين واحتلتها سبعة اشهر خلال 1990 باعدام الرئيس العراقي في قرار اتهام في حق صدام حسين للجرائم التي ارتكبها في هذا البلد.

وتتهم المذكرة صدام حسين ومعاونيه بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب واستخدام القوة المسلحة لغزو الكويت.

- في 1983 اعدام ثمانية الاف من اعضاء قبيلة البارزانيين الكردية النافذة التي ينتمي اليها رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني رئيس كردستان الحالي مسعود بارزاني.

- اعدام رجال دين شيعة بين 1980 و1999.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 28/كانون الأول  /2006 - 6 /ذي الحجة /1427