العراق بين الانهيار الامني والمشاريع النظرية وتخرصات حواضن الارهاب

طالب الوحيلي

لايمكن لتقرير وضعته مجموعة من الخبراء كتقرير بيكرـ هاملتون ان يكون قانونا يحكم الاسترايجية العسكرية الاميركية ،بل هو مجموعة وصايا غير ملزمة حتما للرئيس بوش بصفته القائد العام للقوات المسلحة وضعت له على سبيل الاستئناس بها في تقييم التجارب العسكرية التي خاضتها قواته في الشرق الاوسط او في اماكن اخرى في العالم مادامت تلك الاستراتيجية قد اشتملت على محاربة الارهاب والقاعدة على وجه التخصيص ،وهي لا تتعدى حدود البيت الابيض والبنتاكون اصلا مادامت وصايا او مقترحات .

التقرير يفتقد الى الخلفيات المتكاملة والجانب التاريخي المعمق للمشكلة العراقية على رأي الدكتور عبد المهدي الذي دعا الى التعامل مع توصيات التقرير بأقصى درجات الجدية سواء في رفض أو قبول بعض مقترحاته وقال سيادته ان اللجنة المعنية بكتابة التقرير أرادت تفعيل آلية وزخم فهددت تدمير آليات وزخم أكبر وأعظم فأعتمدت على منقولات سطحية لبناء استراتيجيات واعتمدت على بعض السمعيات مع نقص خطير في معرفة تلاوين وتداخلات الملف العراقي وان هناك مساومات خطيرة في التقرير كما ان موقف بيكر وفريقه أعاد الى الاذهان موقفه أزاء الانتفاضة الشعبانية عام 1991.

لكن الواقع العملي يدل على ان الولايات المتحدة جادة تماما في البحث عن سبل منطقية لمعالجة الاخطاء التكتيكية التي وقعت بها في محيط القضية العراقية وما نتج عنها من بعض الملفات الخاطئة التي كادت ان تستغرق اهدافها المعلنة في مكافحة الارهاب او في تحرير العراق من النظام الصدامي المنحل الذي كان حالة نشاز او خلل على الحضارة الانسانية ،وقد راهنت الدول الديمقراطية على نجاح التجربة الديمقراطية البديلة عن الحكم الديكتاتوري الشمولي لما تبنته الولايات المتحدة من معالجة غير دقيقة للملفات المختلفة في الواقع العراقي ،وقد تصاعدت باطراد مخيف ذروة الجرائم الارهابية مع التقدم في مسيرة العملية السياسية ،حتى بلغ الحال الى تمركز فلول القاعدة المنهزمة من افغانستان في بعض الحواضن التي لم يجري تطهيرها او اجتثاثها فعليا لينعكس ذلك على امن المواطن العراقي الذي يكاد ييأس من الحصول على الحدود الدنيا من الخدمات والحقوق التي طالما حرم منها في العهد الصدامي البائد .

خطاب وزير الدفاع الامريكي الجديد في مجلس الشيوخ حدد بعض النقاط التكتيكية المستمدة من تجربته الادارية السابقة وقد اكدت قبل صدور تقرير بيكر هاملتون على تلك الاخطاء وعلن عن خطته في وضع المعالجات لها واهم ما فيها، نشر القطعات العسكرية باسلوب مغاير قبل ان تتحول الى قوات اسناد للقوات العراقية فضلا عن استمرارها في تدريب هذه القوات ليكون زمام المبادرة بيد القوات العراقية في مطاردة الزمر الارهابية ومكافحتها .

تقرير بيكر هاملتون لا يخرج عن هذا النطاق من هذه الناحية اصلا حيث يؤكد على انه (يجب أن تتطور مهمة القوات الأميركية في العراق لتصبح مهمة دعم للجيش العراقي، الذي سيتولى المسؤولية الرئيسية لعمليات القتال. ومن الممكن أن يكون قد تم إخراج جميع الألوية الأميركية المقاتلة غير الضرورية لحماية القوات من العراق بحلول العام 2008، ما لم تحدث تطورات غير متوقعة في الوضع الأمني على الأرض. ويمكن في ذلك الوقت، نشر القوات المقاتلة الأميركية في العراق فقط في وحدات مدمجة في القوات العراقية، وفي فرق عمليات خاصة ورد سريع، وللتدريب والتجهيز والنصح وحماية القوات والبحث والإنقاذ. وستستمر جهود الدعم والجهود الاستخباراتية. وسيكون توجيه ضربات للقاعدة في العراق من المهام الأساسية لقوات العمليات الخاصة والرد السريع).

فاذا كان الامر كذلك فانه ينبغي على الادارة الامريكية ان تطلق يد القوات العراقية في رسم خططها الامنية دون قيود او شروط على ان يتاح لها التجهيز العسكري المتوازن مع العمليات العسكرية وتعقيداتها وتوفير المعدات والوسائل التكتيكية واللوجستية والواقع يدل بكل حسرة على النقص الفضيع في هذا التجهيز قياسا بما يتوفر لدى الزمر الارهابية من اسلحة ومعدات تفوق بكثير امكانيات القوات العراقية ،فيما تدل مساحات وامتدادات جبهات مكافحة الارهاب الى تباين كبير جدا بين تلك الجبهات والنقص العددي الفعلي للعوامل البشرية للقطعات العراقية سواء كانوا حرس وطني ام شرطة ام استخبارات ،حتى ان العدد الحالي للمتطوعين في هذه المجالات لا يكاد يمثل نسبة العشرين بالمئة من العدد الواجب لغرض تغطية بغداد العاصمة وحدها امنيا فما بالك ببقية المحافظات الساخنة والغير مستقرة ؟!

كما ينبغي لتنفيذ هذه الخطة ان يتاح للحكومة العراقية التحكم بتوزيع قطعاتها كيفما تشاء وان تكون ادارة المعلومات الاستخباراتية تحت سيطرة الجهات العراقية وان تتمكن من تطهير مؤسساتها من الفساد الاداري والاختراقات الامنية لبقايا النظام البائد وايتامه .لاسيما وان التقرير قد اوصى باهمية زيادة عدد الألوية العراقية المدربة والمجهزة و(يجب على الحكومة العراقية أن تعجل في تولي مسؤولية الأمن العراقي. وينبغي على الولايات المتحدة، أثناء هذه العملية وبهدف تيسيرها، أن تزيد بشكل لا يستهان به عدد العسكريين الأميركيين، بمن فيهم القوات المقاتلة، المدمجين في صفوف وحدات الجيش العراقي الداعمين لها. ومع تقدم القيام بهذه الإجراءات، يمكن للقوات المقاتلة الأميركية أن تبدأ بمغادرة العراق). وهذه نتيجة يحلم بها كل عراقي ومحل اتفاق الحكومة خصوصا بعد ان تتأهل القوات العراقية ،لكن الواقع بعيد كل البعد عن هذا الطرح ،بل ان الاشارات التي بعثها التقرير ووضعت ضمن سياق الاستراتيجية تلح على حكومة المالكي بالتعجيل في السيطرة على الملف الامني وتحقيق المصالحة الوطنية ،ومقابل ذلك لا يجد المواطن العراقي اي نية جدية من الادارة الامريكية في دعم حكومة المالكي الا بالقول الخجول ،اما فعليا فانها باتت تدعم الاطراف المعادية للعملية السياسية وتفتح لها الاحضان ،ناهيك عن سكوتها على الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه دول كالسعودية مثلا للزمر الارهابية بحجة دعم وحماية الطائفة (السنية) ،دون حياء من دين او عرف دبلوماسي ،فضلا عن التصريحات المتكررة التي اخذت جانبا رسميا هذه المرة في الاعلان عن تقديم كل اشكال الدعم (للسنة)  لو وقعت حرب طائفية في العراق،اضف الى ذلك الفتاوى المتكررة لمشايخ الافتاء التي تجاهر بالدعوة للقضاء على اغلبية الشعب العراقي المتمثلة (بالرافضة والصفويين) حسب وصفهم لاتباع مذهب اهل البيت .

  فيما اشار التقرير الى مسألة تحسين نظام القضاء الجنائي العراقي الذي يجب ان يكون اكثر حيوية واشمل حجما واوسع سلطة بعد ان تتوفر له كافة مستلزمات القوة والحماية والاستقلال.يعرف ابسط عراقي ان قوات الاحتلال لم تقدم اي متهم لديها ومعظمهم من ابشع مجرمي الارهاب الى المحاكم الجنائية ،بل وتتدخل بكل اجراء من شأنه تطبيق القانون الجنائي باتجاه افراغ السلطة القضائية عن محتوياتها الحقيقية .وخلاصة العلاقة بين الحكومة العراقية والادارة الامريكية كمن قال (القاه في اليم مكتوفا وقال له اياك اياك ان تبتل بالماء) او كالمثل الشعبي العراقي القائل (خبزة لا تثلمين باقة لا تفلين اكلي لما تشبعين)..

سياسة الحكومة العراقية وميول القوى الوطنية الفاعلة في العملية السياسية كلها باتجاه البحث عن المعالجات السليمة والسلمية للملف الامني وقد تبنت مشروع المصالحة والحوار الوطني كاساس لاستراتيجيتها الامر الذي باركته كل القوى الخيرة في العالم وجعله التقرير المذكور مرتكزا اساسيا في التطورات اللاحقة للعلاقة مع الحكومة العراقية وامكانية نجاحها .

لكن مؤتمر اسطنبول لنصرة الشعب العراقي ،كان واحدا من المنابر التي فضحت اصرار رئيس اكبر كتلة سنية في البرلمان العراقي والشريك الاساسي في الحكومة الحالية هو اكبر داعية لاشعال الحرب الطائفية في العراق عندما خان شركائه وراح يصفهم باوصاف لا تنم الا عن اعتى صوت من اصوات الارهاب لايمكن ان تستقيم حال العراق او المصالحة مادام يعلن عن نفسه بهذا الشكل من الطائفية الدموية وكانه الجمل الذي وصفت به احدى حروب الفتنة في التأريخ الاسلامي !!

ويبقى التقرير مجرد توصيات يمكن ان يصدر بديلا لها لاسباب عزاها البعض لعدم الدقة وعدم الجدية ،فيما ينتظر الشارع العراقي كل بادرة تساهم في فرض الامن وايقاف نزيف الدم الذي لم يتوقف مادامت قوى الارهاب تعبث بارواح الناس ومقدرات البلاد مع عجز كبير في معالجتها والقضاء عليها ،ولا يتحمل نتائج ذلك سوى المواطن المبتلى لان الذي يده في النار ليس كالذي يده في الماء!!!  

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 19/كانون الأول  /2006 - 27 /ذي القعدة /1427