حفلات الزفاف في العراق  بين تحدي العنف والأمل في الحياة

تدوي أصوات طلقات الرصاص فتشق الصمت الرهيب ..الناس في هذه الايام يخشون دوي الرصاص لانه ينذر بالموت والحزن.. ،لكن الرصاص في هذه المرة بالذات ينطلق مدويا معلنا عن الفرح الذي كاد العراقيون أن ينسوه..

ثمة زغاريد تنطلق على إستحياء متحدية الواقع المؤلم وأنات الموت..ينطلق موكب العرس الصغير مسرعا خوفا من مفاجآت الرعب والمواجهات رغم أن الاحتفال يتم في عز الظهر لأن ليل العراق بات ملغوما ..تنتظر العروس الموكب المسرع ليأخذها الى بيت العريس دون ان تطمع بأي مما كانت تحلم به من مباهج الاحتفال باليوم الذي انتظرته طويلا..إنه حال كل الأعراس في بغداد ومعظم مدن العراق اليوم.

"لم أكن أتصور يوما ان الحال سيؤول بنا الى هذه الدرجة " ، هكذا تحدثت هند التي زفت الى ابن عمها قبل ايام قليلة ، مضيفة بصوت متهدج " حتى الفرح اصبح شيئا غريبا علينا ، الافراح التي تقام اليوم عبارة عن احتفال صغير بين عائلتي العروس والعريس ..حتى الموسيقى التي كانت ترافق الزفة اختفت في الكثير من المناطق بسبب الجماعات التكفيرية، وما بقي من المظاهر القديمة هو فقط اصوات طلقات الرصاص والزغاريد."

السبب في اختفاء مظاهر الفرحة والموسيقى والغناء المرافقة للاعراس هو العنف الذي يواجهه الجميع وخاصة اصحاب محلات الفرق الموسيقية ..يقول ابو علي ،وهو صاحب احد المحال المتخصصة بتأجير الفرق الموسيقية ، "واجهتنا تهديدات صريحة بإقفال محلاتنا في الكثير من المناطق ،فالجماعات المتشددة والطائفية في ذات الوقت تحرم الاختلاط بين الجنسين وتدعو الى الاعراس الاسلامية ،اما الاغاني والموسيقى فهي بدعة في نظرها." ويضيف ابو علي "لقد قطعت هذه الجماعات رزقنا ،واما من يخالف فليس امامه الا ان يواجه التهديد الذي انذر به ."

أحلام شابة اخرى التقت بها وكالة أنباء (أصوات العراق) في احد متاجر العطور ، وبعد أن قالت إنها تجهز لعرسها أضافت " لم احضر لجهازي كما كنت احلم واكتفيت بما جهزته لي والدتي قبل سنوات ،فالذهاب الى السوق فيه من المخاطرة ما يدعو الى التفكير طويلا قبل المجازفة بذلك ،خاصة اننا من سكان منطقة الوزيرية ،والاسواق القريبة لنا هما سوقا الاعظمية والكاظم ."

البداية دائما هي ان يحجز العروسان احدى القاعات لاقامة حفل الزفاف ،هذا ما حدث في احدى حفلات الزواج التي تحدت واقع العنف ..مي بنت العشرين عاما تحدثنا عن ذلك فتقول "اصر والد احمد ووالدتي على اقامة حفل الزفاف في احدى القاعات الفاخرة ،وللاحتراز حجزنا القاعة ظهرا،حتى لايضطر المدعوون الى مخاطر المجازفة ،خاصة مع وجود عمليات الخطف وسرقة السيارات مع عدم اغفال ان النساء في مثل هذه المناسبات يتفاخرن بلبس الحلي والمصوغات."

وكفت مي عن الكلام ولاذت بالصمت، ليكمل احمد الزوج الهادئ الحديث منفعلا على غير عادته" في حدود الرابعة عصرا إنتهى الحفل..خرجنا الى الشارع ،كان مزدحما بشكل مريع ،فأحد الطرق الرئيسة ،كما قال احدهم إنفجرت فيه سيارة مفخخة."

ينظر احمد الى مي ويواصل حديثه "مر الوقت طويلا،صمت الجميع حين مر رتل عسكري امريكي بالقرب منا ..وتبعه رتل اخر لقوات الشرطة ،وفي لحظة سريعة انفجرت عبوة قريبة."

وتكمل مي حكايتهما بالقول "كانت النار مشتعلة بشكل لم أره في حياتي وثمة سيارات محترقة وأناس يتراكضون ،وما هي الا ثوان حتى احيط المكان بسيارات الشرطة والاسعاف،في تلك اللحظة بكيت من كل قلبي ..شعور كاد يخنقني ،ادركت حينها ان الأفراح اؤجلت في هذا البلد."

ومن جانبه يحكي سيف قصة زواجه فيقول " تخلصا من الخوف والواقع القاسي الذي يسود مدينتنا بغداد قررنا ان نذهب الى كردستان."

ويتابع وقد ارتسمت على وجهه إبتسامة ساخرة "ما ان وصلنا الى احد الفنادق هناك ،وفي الليلة الاولى لنا حدث ما لم اكن اتوقعه ..كنا نتناول العشاء حين سمعنا من احدى الفضائيات خبرا عن معارك ضارية في العامرية ..وهي المنطقة التي يسكن فيها اهلي واهل زوجتي ،حينها اصرت سعاد على العودة."

ويضيف سيف بعد ان اختفت ابتسامته"كان طريق السفر طويلا وشاقا ،حتى اني ظننت بانني لن ارى بغداد ثانية ..وبعد ساعات طوال وصلنا ..كانت المدرعات الامريكية تحيط بالشارع ،وبعد ساعات عصيبة دخلنا المنطقة ،استغرب الاهل وصولنا ،ولكنه قدر العراقيين..كان الشارع اشبه بساحة مفتوحة للمعركة .. ولكن الذكرى التي بقيت هي مرارة ما زال طعمها الى اليوم في قلوبنا.. "

هذه صورة من معاناة العراقيين وصراعهم اليومي من أجل الحياة في مواجهة معادلة الموت والدم التي فرضت عليهم ..إنها دراما الموت والحياة على ارض الرافدين التي لا يعرف أحد متى تنتهي. 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 18/كانون الأول  /2006 - 26 /ذي القعدة /1427