المعضلة العراقية.. ماهي الحلول؟

رفعت الواسطي

 المعضلة العراقية مصطلح ربما سيتم تداوله في الاوساط الرسمية محليا واقليميا ودوليا، بعد ان تجرب النظريات والحلول التي تطرح من قبل المعنيين بالشأن العراقي.

معضلة الملف العراقي تكمن في عدة نقاط نود اجمالها كما نعتقد:

1-     ( الازمة السياسية) للفرقاء السياسيين ممن عرفتهم الساحة الوطنية أيام النضال ضد نظام صدام البائد (هنا الاشارة واضحة بحكم واقعية وجودهم وهم الشيعة والكرد بالنسبة الاعم) أو ممن تحركوا في الوقت المناسب كواحد من الحلول الطارئة لاي مشروع سياسي جديد في العراق يكون بديلا عن الحكم الشمولي الواحد( المشمول بهذا الاختيار جبهة التوافق وهيئة علماء المسلمين والمقاومة! ) طبعا هذا الاختيار هو امر طبيعي مستمد من واقع هؤلاء الذين لم يعرف او يسجل لهم اي موقف ضد نظام صدام منذ عام 1968 والى 2003. في هذا السياق مهم لنا التعرف على الخريطة السياسية لاصحاب الازمة:

الاحزاب الاسلامية الشيعية وباهم فصائلها، المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بزعامة  السيد عبد العزيز الحكيم، حزب الدعوة الاسلامية بزعامة السيد ابراهيم الجعفري، التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر. هذه الحركات لم تعرف باي مشروع حقيقي لانقاذ الشعب العراقي من حكم نظام صدام البائد وقد عرف عن الفصيلين حزب الدعوة والمجلس الاعلى بصراعهما التنافسي منذ ان كانوا في ايران وأغلب المستقلين العراقيين المهجرين او اللاجئين في ايران وسوريا ينتقدون وبشدة هذين الفصيلين نتيجة ممارسات سيئة ارتكبت كانت بعيدة عن سياقات الاخوة ووحدة المصير بينهما. بينما عرف عن تيار السيد مقتدى الصدر بعدم وجود اي حنكة او قيادة حكيمة له وممارسته انتهاكات موثقة تم التغاضي عنها لمصالح حزبية من قبل المجلس الاعلى وحزب الدعوة الى حد تحالفهم في ماعرف بقائمة الائتلاف في الانتخابات الثانية من العام المنصرم.( هذه الاحزاب تغض الطرف عن التدخل الايراني في العراق لاعتبارات كثيرة لاتخدم المصلحة الوطنية للعراق).

حركة الوفاق الوطني بزعامة الدكتور اياد علاوي / هذه الحركة عرف عنها بالماضي القومي (البعثي) ولاتزال تعمل ضمن دائرة التحالفات القومية المتعارضة مع تطلعات الغالبية من الشعب العراقي( يتبنى قادة الحركة والمتحالفون معها مبدأ الانقلاب العسكري).

الاحزاب الاسلامية السنية ومن ضمنها هيئة علماء المسلمين السنة / لم يعرف لها أي موقف حقيقي ضد نظام صدام وحزب البعث منذ عام 1968 والى عام 2003. تحركت على الساحة العراقية بشكل مثير للجدل حول تورطهم في الاعمال الارهابية التي استهدفت المدنيين في مدن العراق وخصوصا العاصمة بغداد، ( لديها تنسيق خطير مع فصائل مايعرف بالمقاومة والدول الاقليمية الداعمة للارهاب في العراق) علما لم يكن لهذه الفصائل اي منشور او تعليق او بيان موثق وثابت في وسائل اعلامهم يدين وبشكل واضح جرائم نظام صدام البائد.

2-المشكلة الاقليمية: ليست جديدة على مسرح الاحداث في العراق فالصراع الفارسي الروماني اتخذ من العراق ساحة لتصفية الحسابات، والصراع العثماني الصفوي وجد من العراق ساحة مناسبة لبسط نفوذ من يحسم الامور في ساحة المعركة حتى ان أهالي بغداد من الشيعة قد تعرضوا الى الابادة من قبل العثمانيين والعكس مع السنة من قبل الصفويين، للاسف نحن لانتعب انفسنا بقراءة التاريخ فالصراع الطائفي موجود بل جذوره تعود الى حكم الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام حين واجه تمرد معاوية وشنه غارات على مدن العراق المحاذية لبلاد الشام وتحريضه على الولاية الشرعية للامام علي(ع) حتى وبعد استشهاده  توج العنف الدموي ضد شيعة العراق بمبدأ ( الشبهة والظنة والتهمة). ولايفوتنا جرائم الوهابية في فترة الحكم العثماني ضد المدن المقدسة في كربلاء والنجف  وجرائم الابادة التي تعرض لها سكان هاتين المدينتين.

من المناسب حقا وللانصاف تناول الملف الاقليمي مع العضلة العراقية بالشكل التالي:

أ‌- ايران / تدخلها في العصر الحديث كان واضحا من خلال التدخل في الشأن الداخلي واتفاقية الجزائر عام 1975 شاهد حي دفع ثمن خفاياها ابناء العراق، ففي عام 1974 بدأت الحركة العسكرية للمعارضة الكردية توجع نظام حزب البعث الحاكم في بغداد وبلغت خسائر الجيش العراقي حسب اعتراف صدام العوجة 60000 الف جندي. تلك العمليات كان من خلالها الدعم الايراني للحركة الكردية كان واضحا ليس خافيا على احد، وبعد مساومات نظام حزب البعث مع ايران تحت وساطة جزائرية تمت تصفية الحركة الكردية المسلحة.

بعد انتصار الثورة الايرانية الغيت اتفاقية الجزائر عام 1980 من قبل رئيس النظام العراقي آنذاك ( صدام العوجة) كجزء من المخطط المشترك بين العراق ودول الخليج والولايات المتحدة الامريكية لاسقاط النظام الايراني  وقد أعلنها صدام بصراحة بعد غزوه للكويت عام 1990 من خلال رسالة وجهها الى هاشمي رفسنجاني رئيس جمهورية ايران  آنذاك قالها نصا من خلال وسائل الاعلام الرسمية له( ان حرب الثماني سنوات كانت فتنة استهدفت البلدين الجارين). نتيجة ممارسات نظام صدام في الفترة التي اعقبت حربه العدوانية على ايران حيث زيادة القمع والارهاب بشكل دموي سافر ضد ابناء الشعب العراقي من الطائفة الشيعية كالتهجير القسري الى ايران وحجز الاف الشباب من خيرة تلك العوائل والاعدامات المتكررة بحيث كنا كثيرا مانستفيق على نوائح الباكيات من الامهات والارامل، هذه الامور جعلت من دعم ابناء العراق امر حتمي لابد منه من قبل  ايران  وبالفعل فقد شجعت فصائل المعارضة العراقية على التحرك ضد نظام صدام ( يلاحظ من خلال ما أشرت الى ان هناك تفهما منطقيا للدعم الايراني للعراقيين بعد ان ضاقت عليهم السبل فلا معين لهم من الدول سوى ايران وسوريا). النقطة الاهم هي ان نظام صدام العوجة لايملك الشرعية في الحكم وبالتالي فان وجوده مخالف لكل معايير المنطق والعرف الاخلاقي والانساني بل الدولي في قيام أنظمة الدولة العصرية.( هذه النقطة تكون في رأيي نقطة ايجابية لصالح مايعرف بالتدخل الايراني في الشأن العراقي باعتباره مفروض عليها).

في عام 2003 تم احتلال العراق من قبل دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لاسقاط نظام صدام الدكتاتوري وقيام النظام الديمقراطي البرلماني التعددي كما هو معلن عنه رسميا. في هذه الفترة بدأ التدخل الايراني يأخذ تصعيدا خطيرا في اللهجة واللغة الاعلامية لايران وحلفائها ( سوريا وحزب الله اللبناني) حيث بدأت وسائل الاعلام لها ولحلفائها تحرض على العنف بشكل أثار استغراب وامتعاض الغالبية الاعم من ابناء الطائفة الشيعية في العراق. ولتحقيق معادلة مهمة من قبل ايران في الشأن العراقي أشارت المعلومات الى تورط ايران في الاحداث الدموية التي شهدتها مدينة النجف الاشرف في فترة حكم اياد علاوي رئيس حركة الوفاق الوطني وكان دعم ايران لتيار السيد مقتدى الصدر واضحا. اليوم مرة اخرى تتجدد المعلومات بشان تدخل ايران في الجنوب خصوصا في مدينتي العمارة والبصرة. ( هذه النقطة تعد نقطة سلبية من قبل ايران في الملف العراقي بعد سقوط نظام صدام باعتبار ان الحكومة العراقية هي حكومة شرعية منتخبة انتخاب وطني )

ب‌- سوريا/ اتخذت نفس الموقف الايجابي لايران تجاه العراق منذ عام 1979 ولغاية عام 2003  وقد كانت مواقف سوريا مشهودة بكل عنفوان الرضا والمحبة من قبل الاوساط الشعبية وقوى المعارضة العراقية آنذاك ) المشكلة بدأت من عام 2003 عام سقوط الطاغية صدام والجانب السلبي الشبيه لايران للاسف انتهجته الحكومة السورية بشكل سافر.

ت‌- الاردن / تتميز مواقف الاردن بالسلبية دائما ضد مصلحة الشعب العراقي منذ عام 1968 عام وصول حزب البعث الى السلطة وقد توجت بشكل مهين ومذل من خلال موقف الملك الراحل الحسين بن طلال الداعم للحرب العدوانية ضد ايران ولاننسى المتطوعين الاردنيين للمشاركة في فصائل ماكان يعرف بالجيش الشعبي العراقي الذي كان موقفا مسيئا للشعب العراقي الرافض لتلك الحرب. ان ماتقوم به الاردن اليوم وبقيادة الملك عبد الله بن الحسين هي مواقف مدانة ايضا من قبل الاوساط العراقية.

ث‌- المملكة العربية السعودية / لم تكن مواقفها يوما لصالح تطلعات الشعب العراقي وقد كانت الشريك المهم مع نظام صدام البائد في حربه العدوانية ضد ايران عام 1980. كذلك في خيمة صفوان عام 1991 التي كان من نتائجها قمع الانتفاضة الشعبية وآلاف الشهداء من ابناء الطائفة الشيعية. وماينطبق على الدول الانفة الذكر اليوم ينطبق على السعودية أيضا.

ج‌- تركيا/ ارتبطت في اتفاقيات امنية مع نظام صدام البائد ومنها حق الملاحقة لكلا الطرفين ضد المعارضة داخل الحدود الدولية لكل منهما مسافة 30 كم. والتعاون المخابراتي المشترك بين الدولتين. اليوم تحاول تركيا ان تظهر بمظهر المراقب للاحداث مع وجود أهم الاوراق يمكن ان تحركها في الوقت المناسب لها وهي حزب العمال الكردستاني والتركمان في مدينة كركوك وورقة المياه لدجلة والفرات.( تركيا طبعا لاتتحرج من التدخل عسكريا في الاراضي العراقية نتيجة سوابق لها أصبحت الكثير من دول العالم تتفهم ذلك).

3- العامل الدولي: أهم الدول الفاعلة في الملف العراقي هي الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا، هناك صراع خفي للاجندة المحرضة للكثير من المشاكل الداخلية والاقليمية للعراق. والاسباب ( اقتصادية، سياسية).

الحلول الكفيلة لخروج العراق من النفق المظلم بين خيارات عدة هذه أهمها:

اولا: الخيار الوطني من المؤسستين العسكرية والمدنية  وذلك باجراء اصلاحات سياسية مهمة تتجسد فيها الارادة الوطنية الحقيقية للفرقاء السياسيين باعتبارهم من يملك مفاتيح اهم الحلول وهذا يستدعي التنازل المشترك بينهم وتجريد المليشيات من كافة انواع الاسلحة والتعامل مع من يقف ضدها بقوة مع تطبيق حرفي لقانون مايعرف بمكافحة الارهاب. ( هذا الخيار مشكوك فيه نتيجة مواقف سابقة للجميع).

ثانيا: الخيار الوطني( المعارض) من المؤسستين المدنية والعسكرية المستقلتين وهو خيار مهم ويحتاج الى وقفة تأمل طويلة الابعاد تأخذ في نظر الاعتبار العامل الداخلي والخارجي من العراقيين جميعا والعوامل الدولية الفاعلة. هذا الخيار لابد له من ستراتيجية واضحة في الاهداف والمشروع الوطني البديل سواء في المرحلة الحالية ام لاحقا المهم ان توضع الرؤى الواضحة والآليات التي يفترض ان تركز على موضوعة:

كيفية التعاطي مع الاحزاب والمليشيات المسلحة، حزب البعث، الارهاب، الاقتصاد الوطني، العلاقات الدولية والاقليمية.( الخيار المشار اليه سيضطر اليه الكثير من المستقلين العراقيين بعد ان يعلن رسميا فشل الحكومة والاحزاب العراقية في اخراج العراق من مأزقه الحالي).

ثالثا: تقسيم العراق، ربما ستكون هناك معارضة قوية ودموية ايضا لكنها قد تكون من الحلول التي سيجبر عليها الكثير نتيجة فشل الخيارين الوطنيين المشار اليهما أعلاه وهو من بين استحقاقات العنف الطائفي وهذه النقطة ستكون ضمن معادلات دولية مفروضة تتدخل في سيناريو العنف الدائر الان مخابرات دولية مدروسة وتدخلات اقليمية غير مدروسة ان لم تكن غبية. تقسيم العراق فيه أيضا معادلات اقتصادية مربحة تتحرك من خلالها السيناريوهات الثانية لمعالجة الازمات الاقتصادية التي تعاني منها اهم الدول كالولايات المتحدة الامريكية وكورقة مهمة للمشاكل التي تعاني منها اسرائيل ايضا. ( الرابح من التقسيم هما الشيعة والكرد ان عرفوا كيف يلتقوا بحدود جغرافية بينهما من خلال ديالى وواسط وبهدوء أعصاب باعتبار ان للشيعة منفذا بحريا).

رابعا: الخيار الاصعب، يتمثل بوصول نظام شبه دكتاتوري على مقاييس الانظمة العربية الحاكمة يدخل ضمن لعبة ايجاد الحلول الاقليمية المهمة ومنها السلام في الشرق الاوسط ووقف التهديدات الايرانية المحتملة ضد مايعرف بالمصالح الحيوية.( هذا الخيار متوقع له ايضا ان اجهض احتمال تقسيم العراق والتعليلات ستكون جاهزة من خلال الاحداث الدموية التي يشهدها العراق) معروف ان مرض السرطان ان استفحل يكون الخيار الكيمياوي واردا بقوة رغم تأثيراته الاخرى.

ان ما أضعه هنا ليس بالضرورة هو المرشح لذلك ارجو ممن يقرأ مقالي  المتواضع ان يشارك بترشيح مايتوقعه من حلول علها تنبه من يهتم حقيقة بالمعضلة العراقية ونخرج وطننا الحبيب من نفقه المظلم. 

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس7 /كانون الأول  /2006 -15 /ذي القعدة /1427