السعودية والجوار العراقي وأشواط اللعبة المفتوحة

طالب الوحيلي

 لا ريب ان العراق وما يجري فيه وما يمكن ان ينتج عنه هو ليس  بمعزل عن الحدث العالمي والإقليمي على حد سواء، سواء كان ذلك سلبا ام إيجابا، لما يعنيه هذا البلد من مركز للثقل في السياسة الدولية لا يمكن لاي تطورات ان تبعده عن التأثير الاقلمي او الدولي، ولذلك هو محل ترقب وتأمل القوى الدولية وما تتبناه من مواقف مباشرة او غير مباشرة اقتربت كثيرا من مصيره السياسي والقيمي وسعت الى التحكم به.

فتنوع شعبه ألاثني بقدر ما يكون ميزة رائعة له لعراقة تعايش مكوناته وانصهارها في عمق تاريخه، فإنها تشكل سببا مرعبا اليوم لعدم التوافق السياسي بعد ان لعب النظام البائد على خيط الطائفية والشوفينية وغذى روح التخندق السياسي لدى فئة في المجتمع تشعر بعمقها العربي الطائفي الذي أكد كأنظمة سياسية وكشعوب على النظرة الأحادية للقضية العراقية، دون ان يعبأوا بحجم المأساة وبحار الدم التي تجري دون انقطاع تحت وابل من الإعلام الموجه والمحترف الذي تجاهل واستخف بالشعب المظلوم ضحية النظام الصدامي الذي يتفقون جميعا على انه ابشع طاغية حكم بلاده بالدم والجوع والإذلال وانه مصدر من مصادر الخيبة العربية كونه قد اضر بقضاياهم العربية المصيرية بدل ان ينفعها، مع ذلك وحين حانت للشعب العراقي فرصة الانتفاض عليه والعرب مازالوا لم ينفضوا غبار كارثة الخليج التي أوقعهم بها، تحولت فلسفة بقائه لديهم ليكون مجرد حاكم محاصر بالديون المهلكة وبالعزلة وبالحسرة متعة بعض تقاليد واعراف الحكام التقليدية حتى ولو اختزل حكمه ببغداد وبالمدن الموالية له.

وإذعانا لسياسة القطب الواحد باركوا سقوطه، ليكونوا وجها لوجه مع ثورة حضارية لم يتوقعها أي محلل او خبير بالواقع العراقي، وليغير ذلك النتائج المتوخاة في أذهان الجميع، فانتصار الشعب العراقي على الإرهاب وعلى صفحات التخريب وإحراق البنى التحتية للبلاد والتأسيس لعراق جديد وبمباركة المرجعية الدينية وتناسق حركة القوى الوطنية التي دخلت العراق مع اكبر زخم شعبي استمد جذوره وجدواه اصلا من تاريخ النضال والجهاد العراقي طيلة الحقبة الصدامية المريرة، كل ذلك تعتبره انظمة المنطقة هاجس خطر يهدد كياناتها ومستقبلها مما يقتضي إشعال حرب طاحنة وسط الشعب مادامت عناصرها لم تخمد أصلا اذ من السهولة النفخ في الرماد ورمي الزيت على ذبالة التفرقة الطائفية وهي الخطر الوحيد الذي قد نجحت فعلا في انضاجه على مهل لتكون مراحل الحكم الديمقراطي والحقبة البرلمانية مسرحا لأشد حملات التصفية الجسدية والقتل على الهوية بواسطة القاعدة والصداميين والقبليين وبذلك فقدت التجربة السياسية في العراق الجديد بعض مميزاتها.

ما يجري في داخل العراق يترك العيون ترنو الى خارج حدوده عبر الإعلام الممنهج والمعبأ والمباشر في البحث عن كل مواقع الخلل وفي تضخيم السلبيات وفي إثارة النعرات الطائفية ولعله العلة الحقيقية في ما وصل اليه الحال، وكأن التجربة العراقية قد خلت من أي ايجابية وان أغلبية الشعب وما تمثله اكثر من 70% منه لا وجود لها ! والانكى ان الاعلام العربي مسيس وخاضع لإرادة الأنظمة ويعمل تحت رقابتها، فيما تبقى الفضائيات العراقية التي اتخذت من بعض الدول مقرات لها تبقى اسيرة سلطات تلك الدول وسياساتها.

دول الجوار العراقي أعلنت منذ سقوط الطاغية عن دورها في تطويق الملف الامني باتجاه الحيلولة دون ان تكون حدودها معابر للزمر الإرهابية التي اجتاحت الحدود بصورة اشد خطرا من اجتياح القوات المحتلة للعراق وقتلت مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء وتسببت في ردود الأفعال العكسية أكثر مما فعلته القوات الأجنبية التي احتمت كثيرا بهذا الاقتتال من اجل البقاء في العراق أطول مدة وتحقيق انجع النتائج، ولا احد يشك بنجاحها باحتلالها العراق بأقل من شهر فيما يمكنها البقاء متفرجة الى ما لا يعلمه الا الله او رغبة الشعب العراقي من الخلاص الفعلي من هذا الوضع الشاذ الذي لو توحد الجميع على دعم حكومة الوحدة الوطنية والسعي لإنجاح خطواتها لكفانا شرور الإرهاب الوافد من خارج الحدود ومن طغيان بقايا النظام البائد المدانون أصلا بالمشاركة بقتل أبناء العراق طيلة حكم صدام.

لكن تسرب المعلومات او التقاط الإشارات الصريحة عن الدعم اللامحدود لبؤر الإرهاب التكفيري يدل على المنحى الخطير للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق وعد احترام سيادته، من ذلك التصريحات الأخيرة للسعودية التي تعترف بدعم الحرب الأهلية من خلال تصريحها بتمويل طائفة السنة في العراق بكافة الإمكانيات المادية والمعنوية ناهيك عن فتاوى التكفير الصادرة من اغلب مراكز الإفتاء الرسمية ضد أغلبية الشعب العراقي بالرغم من انبثاق وثيقة مكة المكرمة وما تعنيه من حرمة للدم العراقي ونبذ لكل أنواع إدامة الاقتتال الطائفي.

واجتماعات دول الجوار لا تعدو في حقيقتها سوى لقاءات تجري فيها تقييمها لمستوى ما وصل إليه الحال العراقي وما يمكنها الاستفادة او يجنبها الضرر او هو إسقاط فرض ليس الا، والا فان بامكانها فعل الكثير واقل شيء بيدها هو تسليم المجرمين الذين اتخذوا من أراضيها مراكز نشاطهم السياسي (الارهابي)او منع تقديم الدعم المالي للزمر الارهابية الفاعلة تحت مسميات كثيرة، او منع تسلل الأسلحة الحديثة جدا او الاعتدة ومواد التفخيخ عبر حدودها وهي قادرة على اكتشاف أدق سلعة او بضاعة تمر الى داخل بلدانها ولكنها تغض النظر على الذي يخرج منها باتجاه العراق حصرا، واذ يقول المثل ( اذا لم ترغب بمنفعتي فلا تضرني) هو اقرب الى واقعنا، فلا نرجو ان تكون دول الجوار حواضن للإرهاب او للقوى المتآمرة على الشعب وعلى العملية السياسية.

اللعبة الدبلوماسية هي المحرك لأمواج السكون العالمي أمام طوفان الدم العراقي ونيران الخراب، ولهذه اللعبة رجالها الذين بإمكان كل واحد منهم ان يحقق ما تعجز عنه الأسلحة التقليدية والصواريخ العابرة للقارات، والعراق اليوم يشعر انه بمعزل عن الحياة الدبلوماسية، ولعل زيارة وزير الخارجية السوري الاخيرة كانت بمثابة فتح كبير في الوقت الذي يمكن ان تكون العلاقة مع العراق رغبة أعظم الدول لو استطعنا إثبات قدرتنا في الترويج لتجربتنا السياسية العراقية الموحدة في وقت استطاعت فيه قنوات فضائية عربية استراق ما تتمتع به معظم المحافظات من امن واستقرار لحساب الانفلات الأمني في العاصمة او بضعة محافظات..

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 3 /كانون الأول  /2006 -11/ذي القعدة /1427