دلالات لقاء المالكي وبوش واهداف مذكرة هادلي

 

قال نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي عقب عودته من عمان عصر اليوم الخميس بعد مباحثاته والرئيس الامريكى جورج بوش إن بوش أبدى إستعداده لتسليم العراقيين الملف الامني .

وقال المالكي فى مؤتمر صحفى فى بغداد اليوم "حملت معي إلى عمان مقترحات تضمنت رؤيتنا لشكل العلاقة مع القوات الأجنبية في المرحلة المقبلة تستند على ثلاثة محاور.. الاول تسليم الملف الامني إلى القوات العراقية بعد أن تطورت بشكل كبير .. والثاني نقل تدريب قوات الأمن العراقية إلى العراقيين..والثالث نقل غرفة عمليات القوات العراقية الى الجانب العراقي."

أضاف إن هذه المسؤوليات سيكون ضمنها تسليح القوات العراقية التي حصر حاجتها بالسلاح المتوسط والخفيف وهي الاسلحة الرشاشة والمدرعات والدبابات والطائرات المروحية والتي ستساهم في المرحلة المقبلة بشكل فاعل للتصدي للعصابات الارهابية.

وقال المالكى إنه على اتصال بالحكومة السعودية ولم يسمع منهم ماقيل حول دعم البعثيين وتسليحهم . وقال ان العلاقات العراقية العربية تقوم على الاحترام المتبادل والعلاقة الايجابية القائمة على التعاون دون التدخل في الشؤون الداخلية ولا دعم فئة من الشعب العراقي على حساب فئة اخرى، وان العراقيين جميعا شركاء في الوطن والمواطنة والعملية السياسية ولا نسمح لاحد ان يفصل بين مفهوم العراق الواحد.

هذا وكان لقاء بوش مع المالكي قد وضع المنطقة فوق بركان قد يتفجر في أي لحظة كما سبق الزيارة مذكرة نشرتها الصحافة الامريكية بعنوان مذكرة هادلي أعدها مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي يثير فيها الشكوك حول نوايا وقدرات رئيس الوزراء العراقي في السيطرة على العنف الطائفي في البلاد . فما هي دلالات هذا اللقاء وماهي اهداف المذكرة.

قال الباحث الأنثروبولوجي الدكتور هشام داود اليوم الخميس ان هناك تغيرا في الخطاب الامريكي من خلال لقاء بوش باطراف في الحكومة العراقية في عمان والأجواء التي سبقته فيما قال الدكتور حيدر سعيد أن الأمريكان يسعون إلى صفقة سياسية تخص منطقة الشرق الاوسط.

وأضاف داود لوكالة أنباء (أصوات العراق) من عمان "هناك انحسار في قاعدة الرئيس الأمريكي جورج بوش تجلى في انتخابات نصف الفترة ومن الواضح أن خطاب بوش صار مشكوكا بنجاحه بعد ثلاث سنوات ونصف من سقوط نظام صدام حسين."

وقال"هناك 2900 قتيل في القوات الأميركية و30 ألف جريح ومعاق وخسارة مالية بلغت 400 مليار دولار أي 120 ألف دولار في الدقيقة الواحدة ونتيجة لهذه الخسائر فان الرئيس الأميركي يلاقي ضغطا باتجاه تبديل سياسته."

وفيما يخص الوضع في العراق قال داود" الوضع مقلق والتصادم من الصعب ضبطه والدولة شبه مفقودة ويبدو لي أن الأمريكان مقبلين على مواجهة بعض الأطراف السياسية الشيعية المتنفذة."

واشار الى " ان الخطر العراقي تحول إلى خطر إقليمي وهذا يزيد من مخاوف الأمريكان."

وأضاف" قبل ثلاث سنوات ونصف كان المشروع الأمريكي يهدف من بين أمور أخرى محاصرة إيران، اما اليوم فايران هي التي تحاصر الأمريكان في العراق."

وعن لقاء بوش باطراف في الحكومة العراقية في عمان قال داود" هذا اللقاء يريد أن يعطي للأمريكان وللحلفاء الأوربيين صورة بأن هناك تحركا حكوميا جادا وجديدا كما تهدف الزيارة إلى تطمين بلدان المنطقة."

واوضح داود" أن الأمريكان جزء من المشكلة وهم أيضا جزء من الحل لا أحد حاليا يعتقد حقا بضرورة انسحاب فوري أمريكي من العراق حتى أن البلدان الأوربية التي كانت تعارض الموقف الأميركي، كفرنسا مثلا، لا تريد هذا الانسحاب."

وقال" أن المؤتمر الصحفي كشف حرص الأمريكان على دولة عراقية متماسكة وأعتقد أن هذا يشكل معطى جديدا في سياسته بمعنى أنهم كانوا ينادون ويعملون من أجل حكومة هشة على أن يصاحبها ديمقراطية محلية، لكنهم اليوم يوازنون هذا الخطاب باتجاه حكومة ذات صدقية في بغداد مع الحفاظ على بعض ممارسات دولة القانون."

وقال المحلل السياسي الدكتور حيدر سعيد" لقد أحسست من المؤتمر الصحفي واللقاء وإطراء بوش المتكرر للمالكي، أنه ليست هناك نية أميركية لإحداث تعديل انقلابي على المؤسسات السياسية القائمة، سواء تمثل هذا التعديل بحكومة إنقاذ وطني أو سواها مما يشاع."

وأضاف" أتصور أن المؤسسات السياسية القائمة، بما فيها المالكي كرئيس للحكومة، ستبقى على حالها، ولكن قد يحدث تعديل في مصادر اتخاذ القرار أو مؤسسة القرار، باتجاه توسيع قاعدة الشرعية وربما يدل على ذلك حضور أقطاب العملية السياسية كلهم إلى عمان (طارق الهاشمي وحارث الضاري وإياد علاوي وعبد العزيز الحكيم)."

وأوضح سعيد"أعتقد أن الأمريكان يسعون إلى صفقة سياسية تخص منطقة الشرق الأوسط برمتها، محورها العراق، وتتضمن على نحو أساسي إيران وسوريا. لقد بات واضحا أن واحدة من توصيات لجنة بيكر ـ هاملتون إشراك إيران وسوريا في الشأن العراقي وربما يكون في مقابل تخفيف الضغط على إيران، فيما يخص برنامجها النووي هو أن تسهم، من جهة، في احتواء الاتجاه الموالي لها داخل العراق، ومن جهة ثانية الضغط على القوى السياسية الشيعية، لتأجيل أو تعديل مشروع فيدرالية الجنوب."

وأكد الدكتور هشام داود " ان المؤتمر الصحفي كان باهتا، لكن ما لفت انتباهي فيه هو تأكيدات المالكي المتكررة على مجموعة قضايا أظن أنها مهمة وجديدة في خطابه السياسي أولها رفضه لتدخل بلدان المنطقة في الشأن العراقي، وإشارته إلى الهيمنة على القرار العراقي."

وقال" ما من شك أن المعني هنا إيران حصرا ، اما القضية الثانية فهي أن التيار الصدري جزء من الدولة، وليس فوق القانون والدولة أي أن الدولة فوق الكل، وليست أداة للجزء." وأضاف داود"من هنا أكد المالكي أنه منفتح على الحوار مع القوى السياسية التي تؤمن بالحوار، في إشارة واضحة منه بأن الباب ما زال مفتوحا أمام الأطراف التي لم تشارك في العملية السياسية إلى الآن ويبدو أن المالكي اختار أن لا يكون قويا في المعسكر الشيعي فحسب، بل يريد أن يستمد قوته من العراقيين جميعا."

وأوضح" إن إشكالية المالكي السياسية هنا ليست في سعة قاعدته الشرعية، بل في آلية إدارتها والسؤال المطروح: هل سيجري تركيب المؤسسات مستقبلا بطريقة أوسع من القاعدة الطائفية الحالية؟."

يرى الدكتور حيدر سعيد انه "إذا جرى توسيع قاعدة الشرعية، سواء بتعديل دستوري للنظام السياسي، أو تنقيح في الصيغة الحكومية القائمة، فإننا سنكون أقرب إلى توسيع قاعدة الشرعية، وجذب المزيد من الأطراف السنية، بحيث تضعف حضانة الوسط السني للقوى الجهادية."

من جهة اخرى اختلف مراقبون ومحللون سياسيون عراقيون حول الهدف من تسريب الإدارة الأمريكية قبيل لقاء المالكي وبوش بساعات لمذكرة أعدها مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي يثير فيها الشكوك حول نوايا وقدرات رئيس الوزراء العراقي في السيطرة على العنف الطائفي في البلاد .

بعض الآراء ترى أن توقيت نشر المذكرة لا يتعدى كونها "ورقة ضغط" من الجانب الأمريكي على رئيس الوزراء العراقي ,ويقول آخرون إنها " تعطي مصداقية" للأقاويل التي ترددت عن أن عمر حكومة المالكي لن يتجاوز الستة أشهر ,في حين يذهب محللون إلى أن المذكرة بداية تسويق "طبخة جديدة" للمنطقة .

المذكرة - المفاجأة قيل عنها إنها "سرية " وأعدها هادلي للبيت الأبيض في إطار خطط مراجعة الإدارة الأمريكية لسياستها في العراق.. وتحمل تاريخ الثامن من الشهر الجاري ، لكن صحيفة ( نيويورك تايمز ) نشرت مقتطفات منها الأربعاء مستبقة بها اللقاء الذي عقد اليوم الخميس في العاصمة الأردنية عمان بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء العراقي .

مذكرة هادلي تتحدث عن أن نوايا المالكي " تبدو جيدة" إزاء محاولة إنهاء العنف الطائفي في العراق ،لكنها تثير شكوكا حول قدرته على ذلك.. وتقول إنه "إما يجهل مايدور.. أو أن قدراته ليست كافية لترجمة نواياه إلى أفعال."

المحلل السياسي والخبير القانوني طارق حرب يقول لوكالة أنباء ( أصوات العراق) اليوم "هي ( المذكرة) ورقة ضغط على المالكي في مفاوضاته مع الجانب الأمريكي بشأن إستلام الملف الامني ,والقصد منها خلخلة وتقليل مطالبات الجانب العراقي.. ولاسيما مع وجود القرار ( 1723) الصادر عن مجلس الأمن الدولي."

ويعطي القرار المذكور سلطة للحكومة العراقية أن تطلب من الأمم المتحدة سحب القوات المتعددة الجنسيات أو إعادة النظر في بقائها بالعراق خلال مدة ستة أشهر ،وليس سنة كما كان ينص القرار السابق ( 1546) .

ونوه حرب إلى أن المذكرة " تزامن توقيتها مع تصريحات الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان ،ودعوته إلى عقد مؤتمر لكل الاحزاب السياسية في العراق لحل الأزمة الراهنة في البلاد."

وخلص الخبير القانوني إلى أن المذكرة " تأتي ضمن جملة تأثيرات أخرى على الموقف العراقي (وإضعافه) أمام الموقف الأمريكي."

وقال جورج بوش ،خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع المالكي عقب محادثتهما صباح اليوم في عمان ،إن الولايات المتحدة "ستحتفظ بقوات في العراق إلى حين إتمام المهمة" ،وأشاد بالمالكي ووصفه بأنه "زعيم قوي" .

محلل سياسي آخر اختلف مع رؤية طارق حرب ،معربا عن اعتقاده بأن مذكرة هادلي " أعطت نوعا من المصداقية للإشاعات والاقاويل التي تحدثت عن أن حكومة المالكي لن يطول عمرها أكثر من ستة أشهر."

وقال المحلل السياسي العراقي الذي طلب عدم ذكر اسمه " أعطت المذكرة مؤشرا على أن الإدارة الأمريكية لديها سقف زمني لحكومة المالكي ,وهو لن يتجاوز شهر كانون أول ديسمبر المقبل."

وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ألمحت ،في زيارة سابقة لها للعراق ،إلى أنه يوجد شهران أمام الحكومة الحالية للسيطرة على الأوضاع , تلاها تقارير أمريكية وتصريحات لمسؤولين أمريكيين تأتي في السياق نفسه .

وأصر المالكي في حينها على نفي تلك التقارير ،مشددا على أن البرلمان العراقي وحده هو من له "صلاحية تحديد مهلة" لحكومته .

ويحمل المحلل السياسي الجانب الأمريكي جزءً كبيرا من الإرباك والخلل الحاصل في إدارة المالكي "بسبب الخلل في إدارة الولايات المتحدة للملف الأمني في العراق.. الأمر الذي إنعكس سلبا على أداء المالكي."

وأعرب عن اعتقاده بأن المحاصصة في توزيع الحقائب الوزراية " أصبحت عائقا لا يمكن تجاوزه" ،مضيفا بأن "هناك أيضا التخندق الطائفي ،والذي تجاوز السياسيين إلى الشارع العراقي.. وأصبح مشكلة سياسية واجتماعية."

ويتفق المحلل السياسي العراقي مع (مذكرة هادلي) في أن النوايا وحدها لا تكفي ، ويقول "القضية أكبر من النوايا.. فهل النوايا الطيبة ،كمبادرة المصالحة الوطنية ،وجدت مجالا للتطبيق..؟."

وأجاب عن تساؤله قائلا "بالأمانة لا.. لكون القضية ليست قضية عراقية داخلية لكي يكون المالكي مطلق اليد في حلها ،على الرغم من إظهاره شجاعة أكثر من الذين سبقوه ، بل أن لها بعدا دوليا يتمثل في تحكم الولايات المتحدة في الأمور.. وبعدا إقليميا يتمثل بتدخل دول الجوار."

محلل إستراتيجي عراقي ثالث جاء رأيه مخالفا تماما للرأيين السابقين ،معربا عن إعتقاده بأن (مذكرة هادلي) تأتي في إطار "سوق المساومات السياسية الذي تشهده المنطقة حاليا ،للتأثير على قناعات الرأي العام العراقي والأمريكي."

وقال المحلل الذي رفض هو أيضا ذكر اسمه "الهدف من المذكرة تسويق (طبخة جديدة) من شأنها أن تضخ بعض الدماء في المأزق الأمريكي الحالي في العراق ،على أساس إظهار أن الإدارة الأمريكية ليست في مأزق.. وبأن الولايات المتحدة لا تزال اللاعب القوي في العراق."

وأضاف " كذلك هي محاولة لتغطية الآثار الجانبية لإستقالة (وزير الدفاع الأمريكي دونالد) رامسفيلد ،ومحاولة للإمساك بزمام المبادرة مجددا."

وتوصي مذكرة مستشار الأمن القومي الأمريكي ،التي وضعت بعد زيارة هادلي ومساعديه إلى العراق مؤخرا ، بجملة خطوات يجب على رئيس الوزراء العراقي إتخاذها.. ويجب على الجانب الأمريكي فعلها لمساعدة المالكي .

ومن التوصيات ضرورة "إقناع المالكي بتوسيع دائرة مستشاريه ،أو للقيام بإجراء ضد مصالح

الإئتلاف الشيعي الذي ينتمي حزبه إليه.. والعمل لصالح العراق ككل."

لكن أبرز ما تشير إليه المذكرة هو "مساعدة المالكي على تكوين قاعدة سياسية جديدة له بين السياسيين المعتدلين من السنة والشيعة والأكراد والأقليات الأخرى.. لتؤسس لكتلة برلمانية جديدة تحرر المالكي من إعتماده الضيق على لاعبين شيعة فقط."

وأوصت المذكرة أيضا بـ "التحاور مع ( المرجع الشيعي الأعلى السيد) السيستاني ،لضمان

دعمه لحركة سياسية جدية غير طائفية. 

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة  1  /كانون الأول  /2006 - 9 /ذي القعدة /1427