بعيدا عن الديمقراطية قريبا من الامل

 

 كتب علي النواب: إن أي تغيير في التواجد الأمريكي في العراق سواء عبر إعادة انتشار أو تخفيف للقوات أو تركها المدن أو حتى انسحاب، لن يجلب ضررا للعراق أكثر مما هو عليه! بل أرجح أنه سيكون في مصلحته، فالوجود الأمريكي في العراق أصبح عرضة للابتزاز اقليمياً وداخلياً، فدول الإقليم الفاعلة في الشأن العراقي عملت على ثلاثة اهداف، حماية أنظمتها المستهدفة بسيناريو التغيير العراقي، دعم دولي لمعارضة داخلية ، والتملص من أي إصلاحات جوهرية، وثانيهما إرباك الديمقراطية العراقية وجعلها بالغة الكلف عند التبني وتدميرها كنموذج للتسويق وقرنها بالفوضى لإخافة شعوبها، ومقايضة استقرار العراق او كف اليد عن التدخل في شؤونه بحل مشكلات واختناقات تلك الأنظمة، لذا فمن شأن الانسحاب جعل امريكا متحررة من الضغط على خاصرتها الرخوة في العراق، وجعلها تتخفف لمواجهة خصومها وتفقدهم ورقة ابتزاز يعود من غير المجدي وربما عبئاً الاحتفاظ بها.

على هذا الاساس فان الأطراف المتصارعة في الداخل  باتت تبتز الوجود الامريكي لتصحيح وضعها في المعادلة السياسية ولاستمالة الدعم الامريكي لها على حساب الفرقاء الآخرين، ولبيان فشل تحالفات الامريكان القائمة وعجزها في أن تضمن المصالح المتبادلة، ولتقديم النفس كحليف قادر وضامن للاستقرار. ومن جهة أخرى فإن من شأن انسحاب امريكي او استبداله بتدخل محدود، ان يترك العراق لتوازناته الداخلية التي ستكون كفيلة باستقراره ولو بعد حين او عبر المرور من بوابة تسخين قاسية وأخيرة تدرك المكونات بعدها أن لا أحد منها يستطيع الغاء الآخر ولا مفر أمامها إلا التوافق على العيش المشترك، اذ ان توازن الرعب بين الأجنحة المسلحة للمكونات العراقية وتوازن الردع بينهم سيسهم في العودة الى الرشد بدل الاستمرار في خوض معركة صفرية لا منتصر فيها. وبعد ذاك سيتحول الصراع بدل، حسبما ما يوصف الآن، بين ميليشيات شيعية وإرهاب سني، فسيكون داخل كل مكون، بين القوة السياسية الشيعية وبين الميليشيات المنفلتة المضعفة للدولة والمضيعة لهيبتها والمنازعة لها سلطانها، وبين السنة وجماعات التطرف والارهاب وايديولوجيتهم الاقصائية ونماذجهم الظلامية، وتلك لن تكون معركة من أجل العراق، بل من أجل التزاحم على النفوذ، وهذا ما سيدعو الاطراف لخوضها بجدية وضراوة.

وكما يعرف المراقبون وربما المواطن العادي ان العراق  اصبح ورقة ترجيح أساسية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، كونه ولأول مرة تتعاظم أهمية العامل الخارجي في تحديد ميول الناخبين، الذين طالما كانت تحركهم الانشغالات الداخلية، فإن ما سيستتبعه منطقياً أن تكون الساحة العراقية أولى المتأثرين بمخرجات هذه الانتخابات، إلا أن اللافت أن الكثيرين هنا يتوقعون بأن لا تغير في الاستراتيجية الأمريكية تجاه العراق، راكنين في ذلك إلى أنه ليس هناك فارق في ثوابت السياسة الخارجية بين الحزبين الأمريكيين والاختلاف يتراوح في التفاصيل أو في مقاربات تحقيق هذه الاستراتيجية، وتزداد المشكلة عندما يشترك السياسيون وأطراف حكومية في هذه الرؤية من دون إدراك حقيقي لأبعاد هذا التغيير، وبأن الرئيس بوش المتحمس والمندفع تجاه العراق لن يعود بعد الآن هو الماسك وحده للسلطة، بل عليه أن يدخل في تسويات، وأن يعطي تنازلات متواصلة، وأيضاً فإن هذه الرؤية لا تلحظ أن صعود الديموقراطيين الى أغلبية الكونغرس بمجلسيه سيجلب أوقاتا عصيبة وصعبة للادارة الامريكية، التي لا شك في أنها هي المسؤولة عن إدارة السياسة الخارجية، ولكن ستعيقها أو تنازعها في ذلك لجان الكونغرس عبر جلسات الاستماع والاستجوابات والاستدعاءات المتتالية وبشهر رفع السرية عن التقارير والتحقيقات، وقبل ذلك من خلال التحكم في الموازنة المالية والانفاقات والتي ستقايض بالاشتراك في اتخاذ السياسات.

فالديمقراطيون الذين نجحوا في الانتخابات بفضل التركيز على تغيير الاستراتيجية الأمريكية في العراق، والبحث عن مشروع خروج أمريكي منه، سيثابرون بالعمل على هذا المسار وسيخبرون العراقيين بوضوح بأن زمن الالتزام مفتوح الباب قد انتهى، وأن عليهم إعادة انتشار امريكي في غضون اربعة أو ستة اشهر من بدء العام القادم ، معنى ذلك اننا امام سيناريوهات جديدة ستضعنا ( الحكومة العراقية ) امام خيارات وربما التزامات وتوجهات اخرى.. كالخوف من الانزلاق الى حرب أهلية أو اقتتال طائفي، وتمدد لـ«نفوذ» دول الجوار ومسارعتها لملء فراغ مابعد الانسحاب، وربما اتجاه البلد نحو التقسيم،ايضا ترى بعض الاطراف الداخلية و المجاورة من مشروع الخروج من العراق هو بوابة الحل لمعظم مشاكل العراق السياسية والامنية .

وتاسيسا على ذلك فإن من شأن انسحاب امريكي او استبداله بتدخل محدود، ان يترك العراق لتوازناته الداخلية التي ستكون كفيلة باستقراره ولو بعد حين او عبر المرور من بوابة تسخين قاسية وأخيرة تدرك المكونات بعدها أن لا أحد منها يستطيع الغاء الآخر ولا مفر أمامها إلا التوافق على العيش المشترك، اذ ان توازن الترهيب بين الأجنحة المسلحة للمكونات العراقية وتوازن الردع بينهم سيسهم في العودة الى الرشد بدل الاستمرار في خوض معركة لا منتصر فيها. وبعد ذاك سيتحول الصراع بدل، حسبما ما يوصف الآن، بين ميليشيات شيعية وإرهاب سني، فسيكون داخل كل مكون، بين القوة السياسية الشيعية وبين الميليشيات المنفلتة المضعفة للدولة والمضيعة لهيبتها والمنازعة لها سلطانها، وبين السنة وجماعات التطرف والارهاب وايديولوجيتهم الاقصائية ونماذجهم الظلامية، وتلك لن تكون معركة من أجل العراق، بل من أجل التزاحم على النفوذ،. ولكي لا نثير بعد الآن هواجس ومخاوف الاخرين ، دعونا  ان لا نتحدث عن الديمقراطية، بل عن دولة يمكن أن يعيش فيها الإنسان مع نوع من الاستقرار وقليل من الأمل.

شبكة النبأ المعلوماتية-االاربعاء  29  /تشرين الثاني  /2006 - 7 /ذي القعدة /1427