الأزمة العراقية الراهنة وخيار التغيير الجذري

كتب علي النواب:ما حدث قبل ايام  وما سبقه ليس  بجديد على مجريات الإحداث والصراع الدائر بين الجماعات التكفيرية البعثو سلفية والمليشيات الطائفية, على الرغم من فداحة الأضرار ونهر الدم العراقي، الذي جرف ابناء مدينة الصدر، والحرية، والكاظمية والاعظمية، وديالى، والبصرة، وتلعفر، وغيروهما من المدن العراقية الشهيدة،الذي يذبح أبنائها الفقراء والكادحين والمثقفين، وكل الشرفاء بسيف الإرهاب خلال عشر الثانية من اليوم، على مذبح الصراع الطائفي والعرقي الشوفيني والعنصري، والتكالب المحموم لفرض الأجندة السياسية الطائفية والعرقية المتشابكة مع الأجندة الإقليمية والدولية، فان الموت يتواصل وانهار الدم بات اكبر من نهري الفرات ودجلة، والمقاصل والمفخخات على قدم وساق، ويتففن القتلة في القتل في جرائمهم السادية، حيث صلت بهم الوقاحة إن يمارسوا ساد يتهم, ويقتلوا أب وأم أمام أطفالهم بدم بارد، محاولين إيقاع اكبر قدر ممكن من الجرائم بحق الشعب العراقي، الذي لا ناقة له ولا جمل لهم في صراعهم الطائفي والعرقي السياسي، وحربهم الجهادية الغير مقدسة، وعلى الرغم من كل هذه الأعمال التي يندى لها جبين الإنسانية.

 ولازال الأعلام العربي كمنفاخ حداد يذكي جمر القتل والذبح، عبر تغطيته المتحيزة للإحداث، ومثال على ذلك، ما ساقه السيد حمدي قنديل، الكاتب والصحفي المصري و صاحب برنامج قلم رصاص في تلفزيون أبو ظبي، في برنامجه المذكور من اشاره إلى إن إصدار حكم الإعدام بالمجرم الدكتاتور صدام حسين، لأن الرجل سني!!؟

إن بوادر التفجير وتصاعد الجرائم والتصفيات المتبادلة، قد لاحه أفقه حينما تعالت أصوات الأجنحة السياسية، للمليشيات المسلحة في قبة البرلمان، مستخدمة أسوء خطاب سياسي منذ الاحتلال، حيث أصبحت كلمات [ الروافض والنواصب، والصفوين ] هي محور خطابها الأساس، وطغى عليها الطابع الطائفي المقيت المكشوف، لينهي شهر عسل مزيف بين هذه الأطراف،و كانت مذكرة اعتقال ( التحقيق) حارث الضاري غير المحسوبة، والذي كان صاحبنا قبلها يتغنى في محاسن القاعدة الجهادية في لقاء مع تلفزيون العربية, وأعقبه في لقاءات ومؤتمرات صحفية، شجعته ليعلن إلغاء العملية السياسية وسحب الاعتراف والشرعية بالحكومة من قبل الجامعة العربية والأمم المتحدة، تلك هي الشعرة التي قسمت ظهر بعير(حكومة الوحدة والوطنية) الأعرج.

لقد حذر قبل هذه الإحداث العديد من الشخصيات والقوى والأحزاب، من إن تساهم التراشقات غير المسؤولة والخطوات غير المحسوبة من تفجير الموقف، وتصعيد العنف الطائفي السياسي، عبر استغلالها من قبل فرق الموت والجماعات التكفيرية، لتصب النار على زيت ألازمة المستفحلة التي يتوقع لها إن تعصف بحكومة المالكي، والتي سوف تستبدل عشرة من وزرائها، للإحداث تغير جذري في الحكومة التي تتلاطم ببحر ألازمة التي باتت معالمها معروفة من خلال الشواهد التالية:

أولا: إن الصراع والحراك الطبقي الاجتماعي الدائر في الوقت الراهن، على الرغم من عدم وضوح معالمه في ظل تعطيل الدورة الاقتصادية الإنتاجية وتعطل عملية إعادة الأعمار، وسيادة النشاط الانتهازي في مختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية،، اللذان يمثلان اللاعب الحقيقي في مختلف النشاطات، وميثاق تحالفهم النهب والفساد المشترك، المرتبط بالأجندة الإقليمية لدول الجوار, والدولية المتمثلة في قوات ألمحتله، وتضللاهما مظلة بعض أطراف الإسلام السياسي الحاكمة والمشاركة بشكل أساس في العملية السياسية، والمحمية ببنادق فرق الموت المليشيوية والجماعات البعثو سلفية التكفيرية، التي لها ممثليها الرسميين من قوى وأحزاب في الحكومة والبرلمان وتلعب هذه القوى دورين مختلفين في العملية السياسية،هما دور المشارك والمعارض في الوقت نفسه، ومن هنا تراهن هذه القوى على كل الأجندة التي تضمن لها استمرار نشاطاتها وأرباحها الطفيلية، وتشكل ألازمات مناخها الحقيقي للاستمرار هيمنتها وسيطرتها على الحياة السياسية والاجتماعية، وتعتبر القضايا الوطنية غير مدرجة على سلم اولوياتها، وان تضاربت مصالحها الطائفية، فانها تجتمع على تمزيق الوحدة الوطنية وبيع التراب الوطني بثمن بخس للذين يدفعوا لهم في سوق ألنخاسه المعولم، أمام على الطرف الثاني تقف قوى اجتماعية طبقية لها مصلحة حقيقة في انتصار البرنامج الوطني الديمقراطي، تضم في صفوفها، العمال والفلاحين وطيف واسع من الطبقة الوسطى وخصوصا فئة المثقفين والكادحين والشغيلة وكل المتضررين من الإرهاب والاحتلال على حد سواء،والمنتمين لمختلف القوميات والأديان والطوائف والمكونات السياسية والاجتماعية، ولكن هولاء بحاجة إلى طرح برنامج يوحدهم، لخلق تجمع لقوى تخلق توازن بين القوى الطائفية المرتهنة للمشاريع الإقليمية، ومشروع الاحتلال وأجندته التي بات مؤثرة بشكل مباشر في الشأن الوطني.

ثانيا: يواجه المشروع الوطني العراقي،مأزق حقيقي في ظل شر عنة الطائفية، ويجري على الأرض محاولات تطبيقها على الوجود الاجتماعي، حيث افرز تغيرات طبوغرافية وأثار بشرية ومادية مذهلة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، فبلغ عدد المهاجرين حوالي مليون مواطن من ضمنهم عشرات الالاف من الأقليات الدينية في مقدمتهم الصابئة المندائين، و الكلدان والاشورين والسريان، وقتل أكثر من 650 ألف مواطن بقنابل المحتل الهائلة الانفجار،وسيوف التكفرين والبعثو سلفيين، ورصاص المليشيات التي تقتل على الهوية، وهجر أكثر 350 ألف على الهوية الطائفية، وتم تقسيم العاصمة إلى قسمين شيعي وسني، وخسائر اقتصادية تقدر 2.5 تر ليون دولار من الثروات الاجتماعية للشعب العراقي !!؟

ثالثا: إن هذه الأعمال اللاانسانية ترعاها قوى سياسية طائفية، تمارس[ التقية السياسية], فهي تمارس العمل السياسي العلني بالاستفادة من العملية السياسية، وتسعى في ذات الوقت تكريس إمكانيات الدولة لتنفيذ مشاريعها الطائفية والعرقية والاثنية غير المشروعة، التي تكشف عدم مصداقية نواياها إزاء المشروع الوطني، وتساهم في تحطيم هيبة الدولة، وتفتيت النسيج الاجتماعي، وتمزيق الوحدة الوطنية، ودفع الوطن إلى حرب أهلية طائفية، ويتحمل الإسلام السياسي المتطرف، والبعثين الصدامين،وجماعة القاعدة، والدول الإقليمية، والاحتلال مسؤولية ذلك، بحكم الأجندة والمصالح المشتركة لهذه القوى، الرامية إلى نسف المشروع الوطني الديمقراطي العراقي الحقيقي.

رابعا: إن كل المكونات الاجتماعية، القومية والدينية والسياسية والاثنية، سوف تتضرر من تمزيق وحدة العراق، وكل الحالمين في تحقيق مشاريعهم القومية أو الطائفية والاقليمية والدولية على حساب المصالح الوطنية العراقية، مخطئين جدا في حساباتهم وليكن لهم حساب الاحتلال الأمريكي مثلا في الحسابات السياسية والعسكرية، فسوف لا يحصدون إلا الموت والدمار، و استغلال الدول المجاورة لفرض النفوذ الايراني والسعودي والسوري والتركي على هذا الجزء اوذاك من التراب الوطني العراقي الفيدرالي، بعد إن يتفقوا هولاء على تطمين أمريكا ومصالحها الحيوية في المنطقة، فسياسية الولايات المتحدة الديماغوجية والبراغماتية القابلة لجميع الاحتمالات، في حالة ضمان مصالحها الاحتكارية العابرة للقارات، و حينها تصبح الأحلام سراب في سراب، وتبدأ الشعوب نضالاتها التحريرية من جديد من نقطة الصفر, وتدفع الشعوب أيضا أثمان جديدة وتضحيات جديدة للقصور النظر السياسي والتفكير الضيق الأفق الذي يرى في خرائط الدول مجرد أوراق يمكن تمزيقها، وأعلامها مجرد خرق لمسح البساطيل، مما يضع على القوى السياسية العراقية الحقيقية، تقدير المخاطر الجدية المحدقة بها،والوقوف بجدية إزاء ما يجري من أحداث حرصا على مصالحها السياسية الاجتماعية الاقتصادية ومصالح جماهيرها، والتمسك بالمشروع الفيدرالي الديمقراطي الوطني ودفعه إلى أمام، فعلى الرغم من كل الإشكالات المحيطة به يشكل الحل السلمي الديمقراطي لكل القضايا الراهنة.

خامسا: إن حكومة المالكي التي تعاني اليوم من أزمة حقيقية، مرتبطة في ألازمة السياسية العامة، المرهونة في المحاصة الطائفية السياسية، التي تعيق تحقيق برنامجه، المتمثل في:

مكافحة الإرهاب وحل المليشيات، المصالحة الوطنية،إعادة البناء والأعمار،جدولة انسحاب القوات المحتلة، وبناء القوات المسلحة الوطنية.،بناء مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد.،بناء الأساس القانوني للنظام الفيدرالي وحل كل القضايا المتعلقة في حقوق القوميات.

يتطلب منها التعامل بجدية مع أعباء هذه ألازمة وحلها بإجراءات متوازنة تعيد الثقة في الحكومة وتفرض هيبتها، مما يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على تحقيق البرنامج والوطني الديمقراطي، عبر مؤتمر وطني تحضره كل الأطراف الراغبة في تحقيق هذا البرنامج على إن توضح رأيها في الإرهاب والمليشيات بشكل واضح وصريح، وتحل مليشياتها،وتفك ارتباطها مع الجماعات المسلحة، وتلتزم باستحقاتها الوطنية، الولاء للعهد والميثاق الوطني المشترك، من دون هذا تصبح الحكومة، قاعة يختلط فيها الحابل بالنابل،و كل يغني على هواه.

لقد حان الوقت لكل العراقيون الشرفاء الوقوف بوجه المليشيات والجماعات التكفيرية البعثو سلفية وإسقاط الساسة الطائفيين، الذين يعتاشون على سفك الدماء، ويسيرون على إيقاع طبول الحرب, ويدفعون البلاد نحو الحرب الطائفية الأهلية، التي سوف تغرق العراق بشلال الدم، وتجعله في نهاية النفق المظلم ، ولات ساعة مندم. 

شبكة النبأ المعلوماتية-االاربعاء  29  /تشرين الثاني  /2006 - 7 /ذي القعدة /1427