سكان بغداد ماذا يقولون عن حظر التجوال الذي يزيد من معاناتهم؟

 

رفعت الحكومة العراقية يوم الإثنين حظر التجوال بشكل كامل عن المشاة والمركبات بعد مرور ثلاثة أيام من الحظر الذى شل حركة الحياة فى العاصمة.

وكانت مدينة الصدر الضاحية الشرقية لمدينة بغداد والتي تسكنها اغلبية شيعية قد تعرضت يوم الخميس الماضى الى سلسلة تفجيرات لعدد من السيارات المفخخة انفجرت في اوقات متقاربة في اماكن متفرقة من المدينة اسفرت عن وقوع اكثر من 200 قتيل واكثر من هذا الرقم من الجرحى.

واعلنت وزارة الداخلية بعد ساعات من وقوع التفجيرات حظرا "مفتوحا" لمنع التجول في مدينة بغداد بعد تواتر معلومات عن وجود تهديدات قد تؤدي الى احتمال وقوع اعمال قتل انتقامية لحادثة مدينة الصدر.

المواطنون فى بغداد إعتادوا مثل هذه الظروف منذ ثلاث سنوات .. إنفجارات وضحايا بالمئات.. يعقبها حظر للتجوال وتوقف للحياة طوال فترة الحظر.

الإعلامية تنهيد علي الربيعي تقول لوكالة (أصوات العراق) "من ضمن الأشياء الكثيرة التي اعتدنا عليها ،حظر التجوال وسوء الوضع الأمني. "

وتتساءل"لكن ليس من المعقول أن نتآلف مع وضع غير طبيعي، هذا الجو المشحون يفرض على البيوت نمطا خاصا من التعايش .. نمطا تحاصر فيه العائلة بين جدران البيت."

وتضيف الربيعي" أسوأ ما في الأمر أن نضطر الى البقاء في البيت ،فنحن نعلم اننا لسنا في عطلة للراحة ، بل هناك من الاحتقان ما دعا الى ذلك."

"من الصعب ان يبقى الرجل حبيس البيت".. هكذا تقول بيداء محمد (أم حسين ) وهي ربة بيت (40)عاما.

وتضيف "مكان الرجل ليس في البيت ،طبيعة علاقاته وتكوينه النفسي والجسمانى يرفضان ذلك ، وإذا ما طال مكوثه تكثر المشكلات ، فالاحتكاك المباشر ولوقت طويل مع أفراد العائلة الواحدة يولد الملل، ومن ثم البحث عن المشاكل ،خاصة إذا كان الرجل يعمل كاسبا ،فحظر التجوال يعني أن رزقه سينقطع في ذلك اليوم ،فإذا حسبنا الجمعة ،فذلك يعني انه سيتعطل يومين عن العمل ،وربما أكثر من ذلك".

فراس علي، يعمل في مهنة تصليح السيارات، يقول"كوننا كسبة فان رزقنا يعتمد على ما نحصل عليه يوميا، ومع أيام حظر التجوال نتضرر كثيرا ،خاصة ان الأيام التي تلي ذلك يكون الشارع فيها مزدحما ومتأزما في ذات الوقت مما يؤثر في عملنا كثيرا".

الدكتور محمد توفيق، طبيب يعمل في إحدى المستشفيات الحكومية، يرى ان نفسية العراقي تعرضت مؤخرا الى المزيد من الضغط ، ويقول"ما ان تستمع الى أحد أفراد عائلتك أو صديقك او زميلك في العمل حتى تجده مستفزا اغلب الوقت ،فسوء الوضع الأمني وحدوث الكثير من جرائم القتل والاختطاف ولد جوا مشحونا ،عشرات الحوادث تضاف يوميا الى سلسلة لا نعلم متى تنتهي. "

ويؤكد أن للحظر وجهان يتنافيان مع بعضهما البعض من حيث التأثير على نفسية الفرد العراقي، فيقول" تشعر من جهة بأنك وافراد عائلتك في أمان وقتي ،لكن ماذا بعد ذلك ؟..سينتهي حظر التجوال وتنزل إلى الشارع مرة أخرى ".

احد ضباط المرور، يتساءل بحكم وجوده في الشارع فيقول"ماذا فعلت الحكومة ؟ هل يوقف حظر التجوال مسلسل العنف في البلد ؟ أبدا ." ويستدرك مضيفا"أثناء تواجدنا في الشارع لاحظنا مرور العديد من السيارات المظللة ،بالإضافة إلى السيارات الأمنية الخاصة ..هل نستبعد أن يتواجد في داخلها عصابات مسلحة أو مواد تفجير. "

ويضيف بأسى"بالتأكيد لا ..فكل شيء يحدث في ارض الرافدين، وما يكون غريبا في بلدان اخرى مألوف في بلدنا ".

رائد محمد (30) عاما ، خريج كلية اللغات ، ويعمل في احد مراكز الانترنت، يقول"في أيام حظر التجوال تغلق ابسط المنافذ المتبقية للمواطن العراقي ،الأسواق القريبة ..المحلات العامة ..الشوارع ، كل ذلك يشعر الفرد بأن في الوضع العام للدولة خلل يفرض هذا الإجراء "

ويعلق رائد عن هذا الوضع قائلا "الأداة الوحيدة المتبقية للترفية هي الجلوس أمام الستلايت ، وهذا يعني مشاهدة عشرات الأخبار المرعبة عن العراق ،ولنا ان نتصور النتيجة المترتبة على ذلك ".

شيماء حسين فقدت زوجها وأخيه مع ابن عمهما في منطقة سلمان باك ،حيث لقوا مصرعهم على أيدى إحدى الميليشيات المسلحة ، تقول "يجول المجرمون في كل مكان ،لا يمنعهم شيء ،فالحكومة تعجز عن الإمساك بهم ،وفي كل يوم يذهب ضحية ذلك عشرات الأبرياء..فهل حدّ حظر التجوال أي من مظاهر العنف؟ ".

سميرة محمد، موظفة في احد الدوائر الحكومية تقول "في أيام حظر التجوال يضطر الجميع الى التواجد داخل منازلهم ، فالرجل وحتى المرأة الموظفة يقضيان جزءا طويلا من النهار خارج البيت ، بالتالي يكون وجودهما في البيت فترة راحة من جحيم الشارع. "

وتستدرك قائلة "لكن هل يكون الحل هو فرض حظر التجوال ..والى متى؟!"

وتقول ريم وهي طالبة في بغداد عمرها 28 عاما انها كانت تسخر من أمها في السابق لانها تحتفظ بمسدس صغير الا أن هذا لم يعد مدعاة للسخرية الان.

وقالت ريم يوم الاحد وهو اليوم الثالث لحظر التجول الذي حبس سبعة ملايين عراقي في بيوتهم لتجنب رد الفعل بعد مقتل 202 شخص في تفجيرات بسيارات ملغومة يوم الخميس الماضي "قالت أمي أنت تسخرين من شيء سأضطر لاستخدامه لقتل شخص ما في يوم من الايام."

وبلغ التوتر ذروته بسبب العنف وانتشار الشائعات عن مزيد من الهجمات. وبقي سكان بغداد في منازلهم حيث اتخذ البعض اجراءات لحراسة أحيائهم بينما اكتفى اخرون بخوض صراع الحياة اليومية في ظل حظر للتجول.

وقالت ريم انها كانت تقف مع أمها عند بوابة منزلهما عندما شاهدتا ثلاث سيارات كل منها تقل أربعة مسلحين تجوب المنطقة التي تعرف باسم بغداد الجديدة في شرق العاصمة. وأسرعتا بالدخول الى المنزل.

وقالت ريم "في اليوم الثاني من (حظر التجول) جاءت الشرطة وانتشلت جثة رجل يبلغ من العمر 33 عاما قتل بالرصاص في متجره". وأضافت "الجميع في منطقتنا لديهم بنادق في منازلهم."

وقال ابو مروة وهو مترجم يبلغ من العمر 40 عاما ويعيش في حي الجامعة السني انه قضى معظم ليل الجمعة على سطح منزله ضمن عملية مراقبة غير رسمية للحي نظمها رجال من سكانه تحسبا لهجمات مسلحين.

وقال "كنا على اتصال بعضنا ببعض ننادي بعضنا بعضا سائلين عما يحدث قرب المنازل.. ومعنا جميعا بالطبع بنادق كلاشنيكوف."

واضاف "كنا نسمع أصوات اشتباكات من وقف لاخر وهو شيء عادي جدا في هذا الوقت. التواجد في الشارع غير آمن لكن التواجد فوق السطح امن فبهذه الطريقة تستطيع مهاجمتهم من أعلى اذا جاءوا."

ورغم الاشتباكات المتفرقة في حيه احتفل ابو مروة يوم الاحد بعيد ميلاد زوجته مع ابنيه. وقال "تمكنا من الحصول على كعكة وبعض الشموع للاحتفال الا أننا للاسف احتفلنا به بدون هدايا هذه المرة."

وبسبب عدم قدرتهم على الخروج وانقطاع الكهرباء لمعظم فترات اليوم ونقص الوقود لمولدات الكهرباء يواجه سكان بغداد مشاكل عملية بالاضافة الى مشاعر الخوف والضجر.

وقالت ريم "لا شيء يسعدني الان.. تضاعفت أسعار الخضر والفاكهة خلال حظر التجول."

ويتابع أبو أنور (37 عاما) وهو أب لخمسة أطفال الاخبار في التلفزيون عندما تتوافر الكهرباء ويتبادل الاخبار مع الاخرين عن طريق الهاتف المحمول.

وقال "بعد ثلاثة أيام من حظر التجول اصبح الطعام مبعث قلقنا الرئيسي خصوصا بالنسبة لي كرب أسرة كبيرة. الخبز هو الجزء الرئيسي من وجباتنا."

وقالت أم هاني الذي يبلغ من العمر ست سنوات انها شعرت "بالاختناق" بعد ثلاثة أيام من تنظيف المنزل ومشاهدة التلفزيون. وأضافت "ابني يلعب الكرة مع الجنود عند نقطة تفتيش قريبة. أشعر بالحزن لذلك لانني أكره أن يلعب في الشارع فهذا يشعرني بالقلق."

وقالت محاسبة تبلغ من العمر 33 عاما اضطرت لترك عملها في وسط بغداد لان الذهاب الى العمل ينطوي على خطر شديد انها تشعر بالقلق على خطيبها وهو ضابط بشرطة المرور لم تقابله منذ ثلاثة أيام بسبب حظر التجول.

وقالت "هذا الحظر لا جدوى منه بالمرة. اذا كان أي شخص يريد أن يفعل شيئا ضد الحكومة فسيفعله على أي حال بمجرد رفع حظر التجول." 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين  27  /تشرين الثاني  /2006 - 5 /ذي القعدة /1427