الرقابة حاجز في طريق الحياة !

عقيل يوسف عيدان*

تحتضن الكويت هذه الأيام معرضاً دولياً للكتاب هو المعرض الحادي والثلاثون من نوعه وكان فرصة لعدد معتبر من دور النشر لعرض إنتاجها المتنوع على القارئ الكويتي. ومن بين المواضيع التي تطرح بصورة دائمة قبل وبعد افتتاح المعرض موضوع الرقابة على "البعض الكثير" من الكتب وضرورة تأمين القارئ من "مخاطرها" أو على الأقل عدم السماح للمعرض أن يكون أداة لإدخال ذلك النوع من الكتب إلى الكويت أو الترويج له.

أود التأكيد أولاً أننا جميعاً - والكتّاب تحديداً - نمارس رقابة ذاتية على أنفسنا أو حتى على المحيطين بنا، على الشأن الاجتماعي أو الشأن الثقافي، وليس منّا من يمارس فعلاً اجتماعياً أو ثقافياً إلاّ ويضع نصب عينيه رؤية المجتمع له ولفعله الذي يمارسه.

وبما أن الكويت تعيش حراكاً ثقافياً واسع النطاق فإن ذلك يستلزم بالتالي وجود رقابة ثقافية واعية تنسجم مع معطيات ذلك الحراك على الرغم من عدم وجاهة وجود مثل هذه المؤسسة (الرقابة) في عصر الثورة المعلوماتية وشبكة المعلومات الدولية، إلاّ أن الرقابة التي ستلزمنا وجودها لابد أن تكون ذات وضعية مرنة تتلاحم مع الآنية الفكرية التي يعيشها المجتمع لكي تقوم بدورها الرقابي دون تقصير يخل باستمرارية هذا العطاء الفكري والرقابة لها دورها التنموي، لكنها تجاوزت هذا الدور لتمارس وظائفها بطريقة أقرب "للصنمية" أي أنها تعمل وفق شروط وقوانين سنّت منذ زمن قديم، هذه القوانين والشروط لا تتماشى مع هذا الزمن الانفتاحي ومع ذلك فإن الرقابة لا تحيد عنها وتتشبث بها، بل تبالغ في تطبيقها فما له علاقة "بالثالوث" المحظور يمحّص ويقلّب ثم يمنع منعاً باتاً سواء كانت العلاقة قريبة أو بعيدة وبذلك أصبح مفهوم الرقابة وثيق الصلة بالمنع والقمع حتى بات الأديب - مثلاً - على وَجل من أن ينتج كتاباً مما يضطره للطباعة خارجاً حتى يأمن على رأيه من التبديل والتغيير والكاتب في الصحافة لا يبتعد قيداً عن ذلك الأديب، فخوفاً من "المقص" أو "المنع" أو "المصادرة" يتكلّف عناء ضبط لغته على أهواء الوضع السائد الذي هو مطالب به، فيموت وبداخل نفسه شيء من الرغبة بالتعبير بحرية، إلاّ أنه يصطدم بمثل هذه الرقابة التي تمنع الأديب والكاتب والمثقف من التصريح بالأوضاع الاجتماعية التي تدور حوله.

إن هذا "الثالوث المحرم" في العرف الرقابي والتي تتبناه مثل هذه الرقابة يقتل الدور النهضوي المناط بها، فتتحول هذه الرقابة من دور تنموي إيجابي إلى دور تراجعي سلبي، فحين يخاف الأديب المثقف من "الخطوط الحمراء" يتحوّل مباشرة هذا الخوف إلى صمت وهذا الصمت إلى جمود، فنظل نحن بلا حراك كما نحن قبل مائه سنة أو أكثر، لم نتبدل ولم نتقدم للأمام وهذا ما لا نريده من الرقابة بل لا بد أن تفتح أفقها وتوسّع دورها الذي تقوم به تماشياً مع مستجدات الفكر في هذا العصر.

ولعل الخطوة العملية الأولى في هذا المجال والتي تسبق إلغاء الرقابة بصورة نهائية، أن يتم العناية أكثر بهذا الرقيب حيث لا يتم إسناد الأمر لشخص منغلق فكرياً حتى وأن كان متعلماً، فلا يكفي في مؤهلات الرقيب أن يكون حاصلاً على درجة ما من التعليم لأن المتعلم والمثقف لدينا عادة ما يكون تعلمه وثقافته، ثقافة "قطيع" أو ثقافة "سماعية"، ففي منعه لكتاب كاتب يركز على ما سمعه أو ما نقل عن توجهات هذا الكاتب أو ذاك، فيبدأ رحلة البحث عن ما يمكّنه من المنع. فمنعه هذا نابع – في الواقع – من ثقافة مكتسبة تقليدية موجّهة لشخص الكاتب لا للكتاب أو للمقال أو أي مطبوعة أخرى وفي ذلك ضرر كبير على الوضع الثقافي العام الذى أرى أن تنوير الفكر قبل التعليم هو المطلب الأساسي في الرقيب لكي يكون مؤهلا.

إن الرقابة شغلت المفكرين والناشرين في اوروبا طيلة اكثر من قرنين قبل ان تلغى في اوروبا وتصبح حرية الفكر والتعبير مضمونة ولكن هناك موضوعات لا تزال تخضع للرقابة حتى في الدول الأوروبية المتقدمة، فكل موضوع يحض على الكراهية العنصرية الموجّه ضد فئة معينة من الناس ممنوع ويعاقب عليه القانون وبالتالي، فللحرية الفكرية حدود حتى في بلدان ليبرالية جداً كالبلدان الأوروبية أو الأميركية.

إلاّ أن هذا القول لا يعني أننا من أنصار الرقابة، فالأمر مفروغ منه، نحن ضد الرقابة والحجر على الفكر، أما أنصارها فكانوا موجودين في صفوف الكنيسة الكاثوليكية أيام محاكم التفتيش ومعلوم أن الكنيسة تنظم لائحة طويلة مسجل عليها أسماء كل الكتب الممنوعة أو التي ينبغي أن تمنع ككتب ديكارت وغاليليو وعشرات الفلاسفة الآخرين وبخاصة فلاسفة التنوير كما أن الرقابة كانت ممارسة في العهد الشيوعي الستاليني حيث يفرض الرأي الواحد أو الحزب الواحد على الجميع ومن يختلف مع خط الحزب الثوري يعتبر منشقا أو حتى مريضاً نفسياً تنبغي معالجته في المصحّات العقلية.

تبقى هناك فكرة أخيرة وهي أن الرقابة في جميع الحضارات والثقافات تمارس لأسباب عقائدية وسياسية أولا والدليل على ذلك أن السلالات الصينية الحاكمة كانت تمنع المس بالعقيدة الكونفوشيوسية المقدسة لأن ذلك يعني التشكيك بشرعية الامبراطور! وقل الأمر ذاته عن التاريخ الأوروبي، فأي نقد للعقائد الكاثوليكية كان يفهم على أساس انه هجوم على شخص الملك لويس الرابع عشر! ولهذا السبب منعت كتب الفلاسفة في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

 * باحث وكاتب كويتي

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  25  /تشرين الثاني  /2006 - 3 /ذي القعدة /1427