الانفتاح السوري على العراق والتحولات القادمة في المنطقة

 

تشير اعادة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والعراق الى تحول في السياسة من جانب دمشق التي أصرت من قبل على ضرورة رحيل القوات الامريكية أولا من العراق ويبدو أنها تستهدف تحسين فرص الحوار مع الغرب.

لكن اغتيال بيار أمين الجميل وزير الصناعة اللبناني وأحد أعضاء تجمع 14 اذار المعارض لنفوذ سوريا في لبنان قد يسمم التحركات من أجل مصالحة مبكرة بين دمشق وكل من واشنطن وحلفائها الاوروبيين.

حتى قبل الاغتيال كانت العلاقات الامريكية السورية متوترة وكان الاتحاد الاوروبي يرفض استكمال اتفاق تجاري يعتبر ضروريا لدفع جهود الاصلاح الاقتصادي في سوريا.

وتنامى الضغط الغربي على سوريا بعد مقتل رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الاسبق العام الماضي. ونفت دمشق تورطها لكن الغضب الشعبي أجبرها على سحب قواتها من أراضي جارتها الصغيرة لبنان.

ويقول دبلوماسيون ان الخلاف حول لبنان مازال عقبة كبيرة امام اي تحسن للعلاقات.

كما تخطيء الولايات المتحدة سوريا أيضا لتأييدها حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وحركة الجهاد الاسلامي الفلسطينيتين بالاضافة الى حزب الله اللبناني وكلها حركات تمتدحها سوريا لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي ومقاومة ما تراه دمشق سعيا من جانب الولايات المتحدة واسرائيل للهيمنة الاقليمية على المنطقة.

وتنظر العواصم الغربية الى اللفتات السورية تجاه العراق على انها خطوة ايجابية لكنها غير واثقة من مدى تأثيرها في القضاء على المقاتلين السنة الذين يقول العراق والولايات المتحدة ان دمشق تساعدهم وتذكي حملتهم منذ الغزو الامريكي للعراق عام 2003 .

وتساءل أحد الدبلوماسيين قائلا "حتى اذا أبطلت سوريا كل المحاذير في العراق واستغلت كل نفوذها فهل سيحدث ذلك فرقا. لن يوقف هذا العنف خاصة القتل الطائفي. فتح باب الحوار مع سوريا لن يكون له فعل السحر."

ودعا كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة يوم الثلاثاء كلا من سوريا وايران لان تكونا "جزءا من الحل" في العراق بعد الحديث في واشنطن وبعض العواصم الاوروبية عن محاولة اشراك الدولتين بدلا من عزلهما ومعاقبتهما.

ونأى الرئيس الامريكي جورج بوش بنفسه عن هذا التحول السافر في المسار دون ان يستبعد تغييرات تكتيكية في سياسته في العراق التي فشلت في وقف الانزلاق نحو حرب أهلية.

واتفق وليد المعلم وزير الخارجية السوري وكان أول وزير سوري يزور العراق منذ الغزو الامريكي عام 2003 مع نظيره العراقي هوشيار زيباري على فتح السفارات واستئناف التعاون الامني.

وأنهى الاتفاق صدعا يرجع الى الوراء ربع قرن حين أيدت سوريا موقف ايران في حربها مع العراق التي استمرت ثمانية أعوام منذ عام 1980 وحتى عام 1988 . وخفت حدة العداء بين جناحي حزب البعث في العراق وسوريا في التسعينات وازدهرت تجارة دمشق مع نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان خاضعا في ذلك الوقت للعقوبات التي فرضتها عليه الامم المتحدة بعد غزوه الكويت عام 1990 لكن الاحتلال الامريكي للعراق أتى بتوترات جديدة.

واتهمت بغداد وواشنطن سوريا طويلا بالسماح للمقاتلين الاسلاميين الاجانب بدخول العراق عبر حدودها وبتقديم العون للمقاتلين السنة الذين يتصدون لقوات الاحتلال الامريكي ولقوات الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة وتدعمها واشنطن.

وتقول سوريا من جانبها انها تبذل قصارى جهدها للسيطرة على الحدود وتحمل الولايات المتحدة مسؤولية اراقة الدماء وعدم استقرار العراق.

لكن في اتفاقها الاخير مع العراق اسقطت اصرارها على جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية معترفة بان ذلك يرجع الى حكومة بغداد.

وقال المحلل السوري سمير التقي رئيس مركز الشرق للدراسات ان دمشق يمكنها ان تلعب دورا مفيدا في العراق.

وقال "انها وسيط نادر يقبله كل الاطراف" مشيرا الى ان النفوذ السوري هو الذي ساعد العراق على اجراء الانتخابات عام 2005 حين لم يعطل السنة التصويت.

ومن جانبه قال نايف حواتمة زعيم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين اليسارية التي تتخذ من دمشق مقرا لها ان استئناف العلاقات السورية العراقية هو رسالة الى واشنطن.

وقال حواتمة لرويترز "انها اشارة طيبة للامريكيين مفادها ان سوريا مستعدة للتعامل مع العراق ومع الامريكيين لصالح أمن واستقرار العراق."

ولا تصدق الولايات المتحدة ان سوريا اسقطت تأييدها للمقاتلين العراقيين لكنها تراقب عن كثب لترى ما اذا كان رأب الصدع بينها وبين العراق وحوارها المتردد مع بعض الدول الاوروبية سيكون له أي تأثير عملي.

واستقبلت سوريا مؤخرا بعض المسؤولين الاوروبيين من بينهم وزيرا خارجية اسبانيا والنرويج ومستشار لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير كمؤشر على خروجها من العزلة المفروضة عليها لكن اغتيال الجميل الذي أدانته سوريا على الفور قد يبطيء عملية المصالحة.

كما حظيت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للعراق بإهتمام الاوساط السياسية العراقية وغير العراقية ,لكونها الاولى من نوعها منذ ربع قرن ،وبعد سقوط نظام حزب البعث العراقي في التاسع من نيسان أبريل 2003 ..ومن هنا إستحقت وصف البعض لها بأنها "تاريخية."

وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري وصف زيارة المعلم بانها "اول زيارة يقوم بها مسؤول سوري كبير بعد الإطاحة بنظام صدام حسين المقبور ، وتمثل خط بداية يفتح الطريق امام الطرفين لمعالجة جميع القضايا المعلقة بين البلدين ، وبضوء النية الصادقة والإرادة السياسية السليمة من الجانبين."

لكن بعض المحللين يرون أن أهمية الزيارة تكمن في توقيتها حيث تجيء عقب سيطرة الديمقراطيين على مجلسي الكونجرس الامريكي وإعلان الحكومة الامريكية عن إستعدادها لتقبل أفكار جديدة حول العراق ومنها الحوار مع سوريا وإيران.

ويعلق سياسيون عراقيون الآمال على هذه الزيارة وما ستثمر عنه من تغيير في الاوضاع الامنية العراقية حيث يرى عبد الكريم العنزي عضو مجلس النواب العراقي عن حزب الدعوة الاسلامية (أحد مكونات الائتلاف العراقي الموحد ) أن " الزيارة هي خطوة للامام في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين , وينبغي أن يتحول الفتور الذي كان يعتور العلاقات الى تعاون إيجابي وبناء بما يخدم البلدين."

أما حميد مجيد موسى من الكتلة العراقية فإعتبر أن " الزيارة ضرورية ومفيدة وستشكل دفعة فعالة في تطبيع وتطوير العلاقات السورية العراقية وتحسينها", مضيفا أن " هناك الكثير مما يجمعنا بسوريا والكثير من المشتركات بين البلدين."

وتابع "أعتبر أن الزيارة تعتبر عاملا ايجابيا في تحسين العلاقات وخصوصا ضبط الحدود بين البلدين ، وتحسين الوضع الامني في داخل العراق ومنع تسلل العناصر المسلحة الى داخل العراق عبر الاراضي السورية."

وكان وزير الخارجية السوري قد أعرب خلال لقائه أمس الاثنين برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن دعم حكومته لحكومة الوحدة الوطنية وإدانتها للارهاب الذي يستهدف الشعب العراقي, وقال " نريد ان نكون شركاء في الربح والخسارة وزيادة التنسيق في المجالات السياسية والامنية وتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين."

وكان المالكي قد توقع أن تكون سوريا أكثر تفهما وأول المبادرين لدعم الوضع السياسي الجديد , مشيرا الى أن " نسبة عالية من العمليات الارهابية التي تستهدف المدنيين الابرياء والمؤسسات الحكومية يتم التخطيط لها في بعض الدول المجاورة للعراق."

أما رئيس الجمهورية جلال الطالباني فقد إعتبر زيارة الوفد السوري " طياً لصفحات ماضية وتدشيناً لصفحة جديدة في العلاقات لما فيه خير ومصلحة الشعبين الشقيقين."

وشدد الطالباني خلال إستقباله وزير الخارجية السوري أمس على أن "استقرار العراق هو احد ركائز ومفاتيح الاستقرار في المنطقة كلها" ، مشيراً إلى " أهمية تعاون جميع الدول الشقيقة و الجارة في إرساء و ترسيخ دعائم الاستقرار."كما أكد المعلم من جانبه على أن "سوريا عاقدة العزم و بنية صادقة على إنجاح التعاون الثنائي مع العراق."

لكن سياسيين آخرين ربطوا بين الزيارة وبين ما تتعرض له سوريا من ضغوط أمريكية ودولية إذ قال حسين الشعلان من القائمة العراقية التي يترأسها أياد علاوي إن الزيارة " هي لجس النبض , وتأتي لزيادة الضغوط الدولية والاقليمية على سوريا , وزيادة الشكاوي من الجانب العراقي أيضا , وحتى الآن لا نعرف كيف ستؤثر الزيارة في الوضع العراقي."

وإتفق مع الشعلان على هذا الرأي الدكتور محمود عثمان من التحالف الكردستاني والذي ينظر بتشكك الى الزيارة حيث قال "إذا كانوا (السوريون) جادين في تغيير سياستهم تجاه العراق ولا يخلطون ذلك بعلاقاتهم بأمريكا فهذا سيجعل الزيارة مفيدة جدا , وهو شيء جدي وأساسي.. كيفية تعاملهم مع العراق خارج مشاكلهم مع أمريكا."

وتابع السياسي الكردي قائلا " إذا خلطوا الزيارة بمشاكلهم مع أمريكا وإنتظروا كيف ستتفاهم معهم أمريكا وبعدها يغيرون سياستهم تجاه العراق فإن هذا سيأخذ وقتا."

وفي هذا الشأن قال المالكي صراحة " إذا كانت لهذه الدولة او تلك خلافات مع الولايات المتحدة الامريكية فهذا شأن يخصها على ان تسوية هذا الخلاف يجب ألا تكون على حساب العراق."

ويرى الدليمي أن السوريين" أصحاب خبرة سياسية وهم أعرف بمصالحهم" , معتبرا أن "محاولة تحسين علاقتهم مع أمريكا من خلال العراق أمر لابأس به ."

وقال "إذا كان هذا الامر في ذهنهم فلا بأس به."

لكن سامي العسكري عضو الإئتلاف العراقي الموحد (أكبر كتلة برلمانية) يؤكد أن " الزيارة ليست مرتبطة بأمريكا ، بل تأتي في إطار حرص البلدين على إقامة علاقات طيبة مبنية على التعاون والاحترام."

وأشار العسكري الى ما أسماه " الدور السوري غير الإيجابي خلال السنوات الماضية", معربا عن أمانيه بأن تكون الزيارة " بداية لصفحة جديدة تنعكس أثارها على الوضع الامني والاقتصادي."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 22  /تشرين الثاني  /2006 -30 /شوال /1427