الحكم على صدام بالاعدام يضيف علامة بارزة في تاريخ القانون

تقول شرائع حمورابي البابلي "اذا فقأ رجل عين رجل اخر فان حكمه هو فقأ عينه.. واذا كسر رجل عظم رجل اخر فانه يكسر عظمه."

وتعود أول مساهمة للعراق في تاريخ القوانين الى 4000 سنة تقريبا الى شرائع حمورابي البابلي التي وجدت اصداء لها في التوراة "العين بالعين".

ويضيف العراق يوم الاحد فصلا اخر عندما أدين صدام وحكم عليه بالاعدام شنقا بتهمة قتل اشخاص من بلدة الدجيل. ويقول خبراء في القانون ان الحكم سيضع علامة فاصلة جديدة في تطور محاكمات جرائم الحرب الدولية منذ الاحكام التي صدرت بحق زعماء النازي في نورمبرج قبل 60 عاما.

وقال مايكل شارف استاذ القانون الدولي في جامعة كيس ويسترن ريزيرف بالولايات المتحدة والذي درب قضاة عراقيين وممثلي ادعاء في هذه القضية "ستدخل الدجيل التاريخ بوصفها محاكمة مهمة للغاية."

وقال شارف ان الشيء الاكثر اهمية هو ان الدجيل يمكن ان تمثل سابقة قانونية مهمة قد تترتب عليها نتائج بالنسبة لادارة بوش فيما يتعلق بالحد الذي يجب ان تتوقف عنده الحكومات فيما يتعلق "بالحرب على الارهاب".

واعترف صدام بأنه أمر باجراء المحاكمات التي أدت الى صدور احكام باعدام 148 شيعيا في الدجيل في اعقاب محاولة لاغتياله هناك عام 1982 على يد جماعة سرية من المسلحين الشيعة.

لكنه قال انه تصرف بموجب حقه القانوني كرئيس يحارب "ارهابيين" تدعمهم ايران في وقت كان العراق يخوض فيه حربا مع ايران. ولفت شارف الى ان بوش استخدم نفس الحجة لتبرير الحروب واحتجاز اشخاص دون محاكمة في معتقل جوانتانامو.

وقال "هذا دفع لم نسمعه منذ نورمبرج." وكان يشير الى محاكمات زعماء النازي بعد الحرب العالمية الثانية. واضاف "علينا ان نقرأ الاستنتاجات من الوقائع بعناية شديدة."

وقال خبراء قانون اخرون ان القضية شابتها عيوب كثيرة لدرجة ان اي حكم لن يكون اكثر من مجرد "عدالة المنتصر".

ومنذ ان بدأت اجراءات المحاكمة قبل عام في بغداد قتل ثلاثة من محامي الدفاع كما استقال رئيس المحكمة السابق من منصبة بسبب تدخلات سياسية وأصبحت القضية غير محل اهتمام بالنسبة للكثير من العراقيين بعد تصاعد العنف الطائفي الذي اندلع عقب الاطاحة بصدام خلال غزو قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وقال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان اعدام عدوه السابق صدام تأخر كثيرا الامر الذي أثار الشكوك في حياد المحكمة التي شكلتها ادارة الاحتلال الامريكي لمحاكمة صدام.

وأثارت حقيقة ان الحكم سيصدر قبل يومين من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الامريكي تساؤلات حول التدخلات السياسية. وقد يؤدي صدور حكم بالادانة الى البرهنة على صحة سياسة بوش في الاطاحة بصدام في وقت يواجه فيه الرئيس الامريكي انتقادات بسبب الحرب.

وقال جوناثان دريمر الذي يحاضر في المركز القانوني في جورجتاون مع التركيز على جرائم الحرب "بمفهوم اكبر فشلت القضية تماما في ان تكون حجر زاوية للديمقراطية الجديدة بالعراق."

واضاف "المحاكمات التي ينظر اليها على انها غير عادلة يمكن ان تقوض الثقة في نزاهة نظام العدالة والمؤسسات الحكومية وتشعل العواطف في مواقف الاستقطاب وقد تزيد من حالة عدم الاستقرار الوطني."

وقال شارف الذي ساعد في محاكمة رؤساء سابقين مثل سلوبودان ميلوسيفيتش وتشارلز تيلور ان كل الدعاوى القضائية المتعلقة بجرائم الحرب بما في ذلك الدجيل شابتها "الفوضى".

وقال "هناك خرافة تقول ان هذه المحاكمات تهدف الى تعزيز السلام والمصالحة. انها تؤدي في الواقع الى العكس على المدى القصير. حتى (محاكمات) نورمبرج اثارت الانقسامات انذاك وكان هناك اتهامات بالتدخل من قبل قوى الاحتلال في المانيا.

"ولكن من الاسباب التي تجعلك لا تستطيع ان تنكر محارق النازي اليوم هو ان نورمبرج خلفت 20 مجلدا من الادلة. وستكون هناك ادلة ضد صدام. وستمر اجيال قبل النظر مجددا في هذه المحاكمات والحكم على ما اذا كانت عادلة ام لا."

وقال شارف الذي زار كمبوديا مؤخرا لتقديم النصح في محاكمة قادة الخمير الحمر ان ممثلي الادعاء والقضاه هناك يدرسون قضية صدام "للتعلم من اخطائها ونجاحاتها."

ويصف صدام ومحامون المحاكمة بانها زائفة ويقول ان الامريكيين تلاعبوا في الحكم.

وتضع شرائع حمورابي قوانين لكل شيء بدءا من اسعار القمح حتى الزواج والسرقة والديون. ولا تبدي رحمة كبيرة بالقاضي الذي يخطئ في حكمه حيث يتعين عليه دفع اثني عشر مثلا للمطلوب في تلك الدعوى ولا يجلس ثانية للحكم مع القضاة.

وجاء صدور حكم المحكمة الجنائية العراقية العليا باعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين واثنين من مساعديه شنقا حتى الموت اليوم الاحد بقضية الدجيل ليسدل الستار على محاكمة استمرت أكثر من عام من خلال 41 جلسة.

لكن بقي سؤال مهم يتعلق بالاجراءات القانونية لتمييز حكم الاعدام والمدة اللازمة لذلك.

وأصدرت المحكمة أحكاما باعدام صدام بعد إدانته بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" واثنين من مساعديه، وعاقبت اربعة اخرين بالسجن بمدد مختلفة، فيما برأت محمد العزاوي احد المتهمين لعدم كفاية الأدلة.

وحسب القانون العراقي فان اية عقوبة اعدام في العراق يجب ان تخضع لعملية استئناف تلقائية.

وسيكون بامكان فريق الدفاع اجراء الاستئناف خلال مدة لا تتجاوز الثلاثين يوما اعتبارا من تاريخ النطق بالحكم.

وحسب القانون الخاص بالمحكمة فان الهيئة التمييزية والتي ستتألف من تسعة قضاة سيكون لها الحق وحسب المادة 25 من القانون في "التصديق على حكم محكمة الجنايات او قرارات قاضي التحقيق او نقضها او تعديلها."

وقال المحامي احمد رشيد عضو نقابة المحاميين العراقيين لوكالة أنباء (أصوات العراق) ان قانون المحكمة العراقية الخاصة والتي انشأت بتشريع خاص في العام 2005 وصادق عليه البرلمان العراقي المؤقت انذاك "لم يحدد وقتا محددا للهيئة التمييزية للبت في قرار تصديق الحكم الصادر."

وأضاف "وهذا معناه ان عملية النظر بالحكم في استئناف الحكم واصدار النتيجة النهائية بذلك قد تستغرق وقتا طويلا... وقد تطول الفترة لتصل الى سنة."

وسيكون على مجلس الرئاسة وحسب القانون العراقي المصادقة على قرار الاعدام قبل تنفيذه. ويتـألف مجلس الرئاسة العراقي من رئيس كردي ونائبين احدهما شيعي والاخر سني.

وقال المحامي رشيد ان "القانون لا يعطي صلاحية لمجلس الرئاسة باعفاء او تخفيف العقوبات الصادرة من المحكمة."

وأضاف "وبذلك فان تنفيذ حكم الاعدام سيصبح مسألة وقت لا غير ولا يتطلب سوى استنفاد الاجراءات التنفيذية التي لها علاقة بتنفيذ الحكم".

وحسب القانون العراقي فان جثث من ينفذ بحقهم الاعدام يجب ان تسلم الى اقارب الضحية اذا طلبوا ذلك وبخلافه فان سلطات السجن ستقوم باتمام عملية الدفن وعلى نفقة الحكومة.

ومثل صدام وسبعة من مساعديه في بغداد امام المحكمة التي تشكلت في العام 2005 للنظر بالتهم الموجهة اليه في قضية الدجيل، حيث يتهم صدام بمسؤوليته في اصدار اوامر بقتل 148 شخصا من اهالي بلدة الدجيل (60 كلم الى الشمال من بغداد) على خلفية تعرضه الى عملية اغتيال فاشلة جرت في العام 1982 اثناء مرور موكبه في البلدة انذاك.

كما يتهم صدام باصدار اوامر بتعذيب وسجن عدد كبير اخر من المتهمين من بينهم نساء واطفال تم نفيهم انذاك الى صحراء ليا في محافظة المثنى قرب الحدود العراقية السعودية اضافة الى اتهامات بتجريف مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- 54 الاحد/تشرين الثاني  /2006 -13 /شوال /1427