استعادة لذاكرة الإنسان

عقيل يوسف عيدان

الذاكرة هي قدرة الإنسان على تذكّر التجربة الشخصية والاجتماعية وحفظها وتشخيصها واستحضارها . والذاكرة هي مستودع المعلومات الذي يقوم بتصنيفها واستحضارها . ويتألّف أساس الذاكرة من الروابط والتداعيات حسب مدى التعقيد والتشابه والتباين .

وللإنسان ذاكرة قصيرة الأمد ، كثيراً ما تسمى بـ "الذاكرة العاملة" ، وأخرى طويلة الأمد . فهو يتذكّر بيسر ما وقع توّاً من أحداث ووقائع ، بينما يتذكّر بعسر ما جرى في الماضي البعيد .

وذاكرة الإنسان انتقائية ؛ فنحن نتذكّر الممتع والمستحب ونحرص على طرد المنغّصات من الذاكرة . وهنالك ذاكرة تعبيرية تخلق تصوّرات بصرية وسمعية وحركية ، وأخرى انفعالية ترتبط بقدرة الإنسان على استحضار وتشخيص الأحاسيس والعواطف .

وكثيراً ما نجد ذاكرة الأحاسيس ، أو ما يسمى بـ "ذاكرة القلب" أقوى من الذاكرة المنطقية .

والمثبت أن الأشكال المهنية لنشاط الإنسان تؤثّر في ذاكرته ، فلدى الموسيقيين تبلغ مستوى رفيعاً الذاكرة السمعية ، ولدى الفنانين التشكيليين الذاكرة البصرية ، ولدى الفلاسفة الذاكرة الكلامية المنطقية ، ولدى المؤرخين ذاكرة تسلسل الأحداث ، ولدى ذوّاقي النبيذ وخبراء العطور ذاكرة التذوق والشم ..الخ .

والذاكرة ثابتة نسبياً ، ولا"تستيقظ" إلاّ بقدر الانتفاع منها ؛ إذ يحدث لدى الإنسان ما يشبه الارتباط "العكسي" بين صور الذاكرة ، أي ما هو معلوم وبين "التشخيص" ، أي القدرة على اكتساب الجديد .

ومهمة الذاكرة هي استحضار ما تم تلقيه في الماضي وتتجلى فيه "ثغرات" الذاكرة وعدم دقتها . وخصائص الذاكرة متناقضة ظاهرياً ؛ فشحتها تُفقر نشاط الفرد ، وفيضها – أي ما يسمى بالذاكرة المتواصلة – يشكل عقبة أمام هذا النشاط .

الذكريات بالنسبة للإنسان تقرّب الماضي من الحاضر . والذكرى ، في رأى الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليم جيمس ، هو القدرة على التفكير بشأن ما عاناه من خوالج في الماضي وما لم نفكر به مباشرة قبيل ذلك . لذا فالذكريات تستحضر ما عايشناه وتنقلنا لا من الماضي إلى الحاضر فحسب ، بل ومن الحاضر إلى المستقبل أيضاً .

هناك ذكريات عفوية وغير عفوية ، مستحبة وذميمة ، مجتزأة ومنتظمة . وقد تشكّل الذكريات قيمة معنوية بالنسبة لشخصية الفرد . فعلى سبيل المثال ، ذكر الأديب العالمي ليف تولستوي «1828 - 1910» في يومياته إنه يتلذّذ بالذكريات تلذذاً لا يقل ، بل ويزيد أحياناً على تلذذه بالواقع .

فما هو سرّ قدرة الإنسان الذي تجري حياته هذا الجريان السريع على معرفة وتذكّر هذا القدر الكبير من المعلومات ؟ ولماذا يكون عالم الفرد الداخلي في كل جيل تال أغنى وأكثر تنوعاً من قبل ؟

إن مردّ هذا هو أن الإنسان – بفضل طبيعته الاجتماعية – يستوعب من المهد ويحفظ في ذاكرته ما جنته الأجيال الماضية والحاضرة من أفكار ومعارف ويطلع على الثقافة التي أنتجتها البشرية .

لقد كتب أحد المؤرخين يوماً أنه لا يعرف كيف سيكون الإنسان بعد ألف سنة ، ولكن إذا انتزعت منه الخبرة التاريخية التي اكتسبها وورثها ، فسوف ينسى كل شيء ويفقد مؤهلاته ، فيتوجّب عليه أن يبتدئ كل شيء من جديد . 

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- 54 الاحد/تشرين الثاني  /2006 -13 /شوال /1427