الفساد الاداري داء عضال

علي  حسين عبيد

يتفق المفكرون عامة والاقتصاديون على وجه الخصوص بأن مسيرة الانسان في رحلته الحياتية المتواصلة لم تخلُ من نزعة إستحواذ شرهة بلغت ذروتها في العقود الاخيرة على الصعيد العالمي حيث تنوعت وتعددت المصالح الفردية والجمعية، دولية وشركات اقتصادية ضخمة دفعت باتجاه البحث عن المصلحية المادية قبل كل شيء مما ابعدها عن الانصياع للاعراف او المثل او الاخلاق الانسانية التي تضع مصلحة ومشاعر الانسان فوق كل الاعتبارات الاخرى.

ومع مرور الوقت واستفحال ظاهرة الاستحواذ عالميا واقليميا ومحليا كان نصيب العراق واضحا في ظل هذه المتغيرات لا سيما بعد ان اجهد النظام السابق كاهل الاقتصاد العراقي بحروب مجانية وصيغ اهدار مدمرة للمال العام وشيوع ظاهرة الرشوة في مؤسسات الدولة الانتاجية والخدمية مما أسس لنمو الظاهرة وشيوعها بين طبقات المجتمع العراقي لدرجة انها باتت تشكل مظهرا مألوفا من مظاهر الحياة الاقتصادية في العراق، ومع زوال الطاغية وسلطته التي عاثت فسادا في الاقتصاد العراقي، توقع العراقيون تغيرا ملحوظا ومتسارعا في ترميم البنية التحية والفوقية للاقتصاد وشيوع حالة الازدهار بعد ان سقط الطاغوت واستلم الشعب العراقي قيادة نفسه بنفسه من خلال سلسلة متواصل من المحطات المتتالية على طريق الديمقراطية وبناء النظام الديمقراطي الذي يكفل للجميع نظامل حياتيا متطورا يستند بالدرجة الاولى الى اقتصاد عصري متطور ومتوازن، لكن ما يؤسف له حقا ان جميع التوقعات المرجوة في تحسين حال العراقيين ذهب سدى وهذا الشعب الذي يسكن على بحار من النفط ما زال حتى الآن يلهث خلف قنينة غاز صغيرة او (تنكة نفط) أصغر في الوقت الذي يعرف الداني والقاصي ان العراق يملك ثاني احتياطي نفطي في العالم، والمشكلة هي ليست في عدم الحصول على قنينة غاز ولكن في المؤشر الاقتصادي الذي تشكله هذه الحالة لدى العراقيين وغيرهم، فقد بدت علامات الوهن الاقتصادي واضحة في ظل تخبط سياسي واقتصادي يثير الغرابة والتعجب، فقد شاعت ظاهرة الفساد بين جميع المرافق الاقتصادية وفي معظم مؤسسات الدولة وفي جميع المنشآت الاقتصادية وصارت ظاهرة الاختلاص حالة طبيعية بل تشكل فرصة مهدورة لمن يترفع على الاختلاس.

 ومن بداهة القول ان نرصد هذه الحالة ببساطة ويسر، إذ ليس هناك مرفق خدمي او انتاجي يسيِّره المال العام إلا ووجدته نهبا لأيدي وعقول العاملين فيه والقائمين عليه ومع اننا نجد إستثناءً هنا او هناك إلاّ ان الشائع والمتعارف عليه بين الناس هو وجود قائمة طويلة من الأختلاسات تطول كل شيء وأي شيء يمكن ان يعود للمختلس بحفنة من المال مهما كبرت قيمتها او صغرت وكأن المشهد العراقي المتحرك في هذا المرفق الخدمي / الانتاجي أو ذاك لم يعد يحتمل غير اولئك الذين لايرون طريقا (مشروعا) لتطوير حيواتهم غير الإستحواذ على المال العام بطرق مرفوضة تفوق التصور ومما زاد الطين بلة ان كل رأس يجد نفسة بين ليلة وضحاها على قمة هذا الهرم الوظيفي او ذاك سرعان ما تتحرك في جمجمته هذه النزعة أي نزعة استغلال المنصب ماليا حتى لو كان تجاوزا على المال العام، ويظل هاجس المغادرة او الطرد من هذا المنصب يتراءى لهذا المسؤول او ذاك قاب قوسين او ادنى من دون ارادة واعية فتراه يعمل من فوره على استغلال مقصورة السفينة الأولى التي وصل إليها وارتقاها من دون استحقاق في اغلب الأحيان ويبدأ بنهش اكتاف المغلوبين على أمرهم والفقراء النائمين في الغرف الخلفية وهم يأملون بأن (القبطان)الذي يتصدر سفينهم سوف يقودهم بلا ادنى شك الى مرفأ الأحلام الذي افتقدوه منذ زمن طويل بل أمضوا عمرا كاملا في البحث عنه لكن بعد حين لن يطول سيكتشف هؤلاء البسطاء بأنهم خُدِعوا شر خدعة وان من كان سيدا على اموالهم العامة قد أثرى هو وابناؤه وأقرباؤة ومعارفه على حسابهم وهم ما زالوا كأهل الكهف في نومتهم القصيرة الطويلة في آن.

إن العراقيين(البسطاء الأمناء) منهم تحديدا يعرفون الأيدي التي تتجاسر على أموالهم بالتحديد ويعرفون أيضا العيون (المسؤولة) التي تغض البصر عن هذه السرقات العلنية للمال العام ويعرفون الأسباب التي تقف وراء هذا التغاضي أيضا، وقد كانت اللاّزمة التي ترددها ألسنة وأفئدة الناس طرّاً : (إن الحكومة مؤقتة) وان القانون غائب ومادام القط في طور السبات فإن الفئران لها كامل الحرية في العبث والفساد بغلال الإنسان وقتما تشاء وفي أي مكان.

لكن بعد ان تشكلت الحكومة العراقية الدائمة ليس هناك من عذر لاحد كائن من يكون في تحسين حال العراقيين من خلال القضاء او الحد من ظاهرة الفساد الاداري المستشرية في مؤسسات ومرافق البلد الاقتصادية، ولعلنا سنصل الى بعض البنود الاجرائية القادرة على تحقيق مثل هذا الهدف، حيث يمكن معالجة هذا الخلل الخطير من خلال:

1-     توافر الارادة الوطنية الحقيقية التي يجب ان تتصدى لهذه الظاهرة بقوة القانون الفاعل والعدالة التي لا يقف بوجهها أي شيء.

2-  واستنادا الى الاجراء الاول اعلاه يستحسن ان تصطف الى جانبه حملة توعية وطنية واخلاقية ودينية قوية وفاعلة جدا تتبناها جهات مستقلة لا غرض عندها سوى (تطبيب الاقتصاد العراقي العليل) خدمة خالصة للشعب وخالية من المصالح الفردية او الفؤوية .

3-  انعاش الدورة الاقتصادية اليومية والشهرية والسنوية في العراق من خلال تحسين المستوى المعاشي للمواطن البسيط والمتنفذ على حد سواء.

4-  تمكين الكفاءا المهمة والمناسبة من اداء دورها المطلوب في تفعيل الاقتصاد العراقي ونبذ العناصر التي لا تنظر بعين وطنية الى مستقبل محاضر البلد.

5-  تشكيل لجان شعبية مستقلة يرأسها قادة مخلصون تأخذ على عاتقها مراقبة الدوائر والمؤسسات التي تنطوي على ثغرات يمكن ان يستغلها المختلسون للتجاوز على مال الشعب.

 

وهناك العديد من المقترحات التي تتقارب مع غيرها كلها تصب في هذا الاتجاه لكن الامر الذي لايمكن تجاهله لمعالجة داء الفساد العضال هو تغليب القانون على كل شيء وملاحقة المتجاوزين والمطلوبين وتسريع تنفيذ الاحكام الصادرة بحقهم بأقصى سرعة ممكنة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 15/تشرين الاول  /2006 -21/رمضان /1427