التحالف ضد بابل

علي حسين عبيد

اذا كان من حق الكتاب والصحفيين الامريكيين ومنهم (جون كولي) أن يقدموا رؤيتهم الواضحة ومعلوماتهم الصريحة عن غزو القوات الامريكية للعراق والحقائق والنوايا التي تقف وراء هذا الغزو، فمن باب اولى أن يمنح هذا الحق لغيرهم ايضا، وسيقف الصحفي والمحلل العراقي في أعلى السلّم من حيث الاحقية وهو يرى وطنه يستباح ويحتل تحت حجج كاذبة او واهية في افضل الحالات كما اثبتت ذلك وقائع التفتيش الامريكي المبرقع بغطاء أممي.

في كتابه (التحالف ضد بابل .. الولايات المتحدة واسرائيل والعراق) يتحدث الصحفي الامريكي المعروف جون كيلي عن الاساطير والقصص الدينية القديمة ويرى انها السبب الرئيس الذي دفع باليمين الامريكي الحاكم لغزو العراق، ويعزز رؤيته هذه بالأسانيد التأريخية والوثائق والحجج التي لا تقبل النقض اضافة الى معايشته الميدانية للوقائع التي يتحدث عنها في ما يتعلق بالغزو ومجرياته والقضايا الاخرى حيث يقول عالم الاجتماع الامريكي وليام بولك الذي قدم لهذا الكتاب بأن مؤلفه كان دائما في موقع الحدث.

واذا قيض لنا ان نتفق مع رؤية جون كولي، وهي الاقرب الى الواقع (وحقائقه)، فإننا سنشك باستمرار بأن الهدف من وراء غزو العراق هو لنشر الديمقراطية في هذا البلد كما يقول اليمين الامريكي ومن عاونه في تحقيق أهدافه بهذا الخصوص، وعندما يؤكد جون كيلي كذب وهشاشة السبب الاهم الذي شكل غطاء مهما لانجاز مهمة الغزو متمثلا بأسلحة الدمار الشامل (التي أثبتت الوقائع ودلائل التفتيش خلو العراق منها)، فإن صحة ما ذهب إليه كولي حول دور الاساطير في تحقيق الغزو سيصبح أمرا مؤكدا.

عند هذا الحد سيبدو الامر برمته أكثر خطرا من الغزو نفسه ومما ألحقه من دمار في البنى المادية والنفسية للعراقيين، ذلك ان النوايا المبيتة مسبقا والمستمدة من جذور دينية متعصبة ستشكل الدافع الأقوى لهذا الغزو، أما الحديث عن المساعدة في صنع دولة عراقية تشكل صورة مشرقة للديمقراطية المشعة على دول الشرق الاوسط سيغدو الآن ضربا من الوهم او ضحكا على الذقون لأن الهدف الحقيقي (كما سيتضح لنا بعد قراءة هذا الكتاب) هو الاقتصاص من (أرض بابل) التي يرى فيها الاصوليون اليهود والمسيحيون الموالون لهم انها (أم البغايا) والآثام كما يقول جون كولي.

ولعل ما يدعم هذا الاستنتاج هو تبخر احلام العراقيين في بناء دولة القانون التي تحفظ لهم حقوقهم وتعوضهم عما حل بهم من حرمان وتضع ثرواتهم بين ايديهم، ويرادف ذلك زيف ادعاء المحتلين في نشر الديمقراطية بربوع العراق الذي تحول من دولة عصرية مرتقبة الى ساحة لتصفية الحسابات بين امريكا واعدائها. والجبهة الاولى (والبديلة عن الارض الامريكية) لمقاتلة الارهاب في العالم كما يقول بوش في أغلب خطاباته الموجهة للناخب الامريكي.

من هنا نرى أن رؤية جون كيلي عن غزو العراق هي الاقرب الى الحقائق كما ان واقع الحال يدعم بقوة ما ورد في كتاب التحالف ضد بابل.

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت  30/ايلول /2006 -6/رمضان /1427