لصوص البنزين: بحارة من غير بحر ولاسفن ولا مراسي

 

البحارة ينتشرون في بغداد!..من حقك ان تستغرب اذا ما علمت ان بين بغداد واقرب بحر وهو الخليج العربي نحو 600 كم جنوبا،لكن لاتذهب بك مخيلتك بعيدا ، فبحارة بغداد بلا سفن ولابحار ولامراسي،غير انك تستطيع رؤيتهم عند أرصفة الشوارع ومحطات الوقود.

ولكي لاتطول حيرتك نقول، تسمية البحارة تطلق على الذين يبيعون البنزين بالسوق السوداء. حيث يحصل هؤلاء بطرقهم الخاصة على البنزين باسعار مدعومة من محطات تعبئة الوقود ويبيعونه باسعار مرتفعة ويحققون ارباح خيالية.

يقول أبو هاني و هو شخص كان يعمل بهذه المهنة لكنه تخلى عنها كما يزعم" البحار هو من يقوم ببيع البنزين على الأرصفة و الطرقات."

و عن السبب في إطلاق هذه التسمية على هؤلاء الأشخاص،يقول أبو هاني" حسب علمي هناك سببان لإطلاق هذه التسمية؛ الأول ان من يقوم بهذا العمل يجازف بحياته كما يفعل البحار بالإبحار في عرض البحر، لان هذه المهنة فيها مجازفة بالحياة و خطورة تتعلق بالحصول على البنزين ثم نقله ،أما السبب الثاني فهو ان البحار عادة ما يقوم بشراء سيارة قديمة يقوم بتحوير خزان وقودها و تكبير حجمه أو إضافة خزان آخر للحصول على أكبر كمية من الوقود ، عند التزود به ، مما يجعل السيارة تبدو و كأنها لنج(سفينة صغيرة تستعمل في النقل البحري والنهري في المناطق القريبة وتستخدم الآن في تهريب النفط في البصرة) و من فيها فهو بحار ."

وعن نشوء هذه الظاهرة و تداول كلمة بحارة ، يقول أبو هاني "البداية كانت بعد سقوط نظام صدام حسين ،حيث تزدحم طوابير سيارات المواطنين امام المحطات للحصول على الوقود، فكانت هناك مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل وجدوا في شراء الوقود من هذه المحطات ثم بيعه في الشارع بأسعار أعلى بقليل من سعره على أصحاب السيارات الذين لا يريدون الوقوف في الطوابير نوعا من العمل يكسبون فيه قوتهم اليومي، و أنا كنت واحدا منهم."

و يضيف أبو هاني"و مع تطور الأمر و ازدياد أعداد السيارات وشحة الوقود و طول الطوابير الواقفة أمام المحطات،صارت مهنة مربحة بل فاحشة الربح و لا حاجة بهم بعد للبحث عن عمل، في ظل الفساد الإداري و قدرة البعض من هؤلاء الأشخاص على الاستمرار وخلق صداقات مع مديري المحطات بل و حتى مع المسؤولين عن حمايتها."

ويتابع "هذه الصداقات أتاحت لهم الفرصة للتزود بالوقود عدة مرات في اليوم بينما أصحاب السيارات يقفون في الطابور دون الحصول على شيء ،و كلما ازداد طول الطابور كلما ازداد سعر البنزين و كان الربح أكثر."

وعن الأسباب التي دعته لترك هذا العمل يقول أبو هاني " لقد تطور الأمر بنشوء سوق سوداء للبنزين أثرت على أسعار الوقود و النقل و بقية السلع،مما دفع بعض المرجعيات و رجال الدين لتحريم هذا العمل بوصفه تخريب للاقتصاد الوطني و كسب حرام لذا لم أجد بدا من تركه."

ويرى المحلل حسين علي هناك أسباب لانتشار هذه الظاهرة عدا البطالة فيقول " أعتقد أن السبب الرئيسي في انتشار هذه الظاهرة هو الجشع والربح السريع الذي لم يكن يتصوره أحد إذ أن الربح يصل الى عشرا ت الأضعاف و خاصة للكميات الكبيرة ،كما ان هذا الأمر دفع الى ظهور مافيات تخصصت في هذا العمل و تقوم بتفريق ما تحصل عليه على باعة صغار يصرفونه لهم ، وهناك سبب أخر هو عدم وجود عقاب رادع لهؤلاء حيث لم يسمع عن أحد دخل السجن ليبيعه بنزين مسروق أو غير معروف المصدر. كل هذه العوامل روجت للعمل في هذا المجال، أخذين بنظر الاعتبار أن هناك تحريم ديني ."

عندما تتجول في شوارع بغداد يشدك منظر(البحارة) باعدادهم الكبيرة وهم يقفون في المناطق المجاورة لمحطات توزيع المشتقات النفطية ( البنزينخانه) حيث تقف مئات السيارات بشكل أفعواني أمامها، أملا بالحصول على البنزين - و هم يلوحون بأيديهم لأصحاب السيارات المارة حاملين أقماعا محورة من قناني المياه المعدنية و في طرف كل واحدة منها قطعة من خرطوم ماء لكي يسكبوا البنزين من العبوات الكبيرة (الجليكانات) الى خزان السيارة ، منظر يتكرر ألاف المرات يوميا و عند كل (البنزينخانات) في بغداد إن لم نقل في كل محافظات العراق .

بحاره لابحر لهم غير البحر الذي يغرق الإنسان العراقي البسيط المضطر لشراء البنزين منهم مهما غلا ثمنه،لأنه لا يستطيع أن يتنقل أو يعمل أو حتى يشاهد التلفاز من دونه في ظل انقطاع دائم للكهرباء،وإزاء الحاجة الدائمة للبنزين هل يقف المواطن في طوابير وهمية لساعات طوال تنتهي بعدم حصوله على شيء، أم يختصر الأمر و يشتري من البحاره؟ 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 9/تموز /2006 -11  /جمادي الاخرى/1427