التدمير الخلاق 

علي حسين عبيد

يرى مراقبون كثر ان خطة المصالحة الوطنية التي اعدها رئيس الوزراء نوري المالكي هي فرصة العراقيين الاهم حتى الآن للخروج من المحنة الاخطر التي شوهت حياتهم وتأريخهم على مر العصور، اما العراقيون انفسهم فهم يعيشون  في حالة تشبه كثيرا حالة الغريق الذي يريد ان يمسك بقشة تنقذه من دوامة الغرق التي تتقاذفه يمينا وشمالا وهو يتلوى بين الموت والحياة، وهكذا ستكون مبادرة السيد نوري المالكي فرصة العراقيين حتى الآن للتخلص من محنة الغرق التي تحوم حولهم.

هذا الموضوع يقودنا للحديث عن أصحاب نظرية (التدمير الخلاق) التي تهدف الى تدمير البنى التحتية والفوقية الشاملة لمنطقة الشرق الاوسط واعادة تأسيسها وبنائها على وفق الرؤى الامريكية لعالم ديمقراطي جديد، هؤلاء ايضا، أي اصحاب هذه النظرية التدميرية الخلاّقة وجدوا في العراق باعتباره (قلب المنطقة) فرصتهم المناسبة لتطبيق نظريتهم عمليا من خلال جعل الشعب العراقي بوتقة الاختبار التي تصحح لهم اخطاء نظرية( الفوضى الخلاقة) إن وجدت هذه الاخطاء اثناء التطبيق ليتسنى لهم تعميمها لاحقا على نحو افضل في دول اخرى من الشرق الاوسط.

وهكذا نلاحظ ان الحسابات الدولية السياسية وغيرها تبحث عن فرص النجاح من خلال خلق المحن والاخطاء في مناطق مختارة من العالم، فالعراق بل الشرق الاوسط برمته كما يقول منظٍّرو (الفوضى الخلاقة) يعيش منذ نصف قرن في وضع مستقر ولكن هذا الاستقرار وقع ولا يزال تحت سطوة الاستبداد السياسي وغياب الحريات وانتفاء الديمقراطية الامر الذي يتطلب ( وفق اجندة التدمير الخلاق الامريكية) زعزعة هذا الاستقرار المقيت وتدميره تماما بغض النظر عن الخسائر التي ترافق ذلك كماً ونوعا (وهذا ما يحدث في العراق الآن) ولكن لماذا العراق ولماذا شعبه تحديدا ؟!!

هذا التساؤل سيعيدنا ثانية الى مبادرة المالكي التي تهدف الى اعادة اللحمة العراقية سياسيا واجتماعا وعلى كل الصعد الاخرى، ولذلك يمكن اعتبارها الرد المناسب على اصحاب نظرية (التدمير الخلاق) بل هي الفرصة المناسبة التي يجب ان تعيد العراقيين الى تماسكهم ووحدتهم ووعيهم الجاد بما يدور على ارض الواقع السياسي المحلي والاقليمي والدولي في وقت واحد، وذلك من خلال فهم ما يدور حولهم في الخفاء وفي العلن، واذا كانت الاقدار قد جعلت منا ارضا وشعبا بوتقة اختبار للاجندة الامريكية والحسابات الدولية، فالمطلوب منا في اضعف الايمان ان نعرف اولا اننا (بوتقة اختبار) وان هذا الوضع فُرض فرضا علينا ومطلوب منا ايضا ان نُفهٍم المعنيين من ساسة العالم بأننا على علم ومعرفة بما يخططونه لنا ومن ثم التعامل مع هذا الامر بالطرائق التي تقلل من خسائرنا البشرية والمادية وتحفظ لنا ارضنا وبلدنا، وفي مبادرة المالكي للمصالحة الوطنية فرصة مناسبة للتعامل مع هذا الواقع الجديد من خلال التماسك الوطني الخلاّق.    

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 3/تموز /2006 -/جمادي الاخرى/1427