أمريكا وإعادة بناء العراق .. تحديات الأمن والتمويل

 

تحت عنوان "إعادة إعمار العراق- تحديات الحكم والأمن وإعادة الإعمار والتمويل" صدرت دراسة جديدة عن مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي تلخص شهادة أدلى بها ديفيد إم ووكر، المراقب العام للحسابات بالولايات المتحدة الأمريكية، أمام اللجنة الفرعية للأمن القومي بمجلس الشيوخ الأمريكي كما ينقل ذلك تقرير واشنطن.

ويلقي هذا التقرير الضوء علي جهود التمويل وإعادة أعمار العراق وتحديات إعادة بناء البنية التحتية، والجهود الأمريكية لإعادة أعمار قطاعات المياه والخدمات الصحية، ودور الولايات المتحدة في الانتخابات العراقية التي أجريت في يناير 2005، وأخيرا جهود الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار الأمني في العراق.  كما ناقشت تلك الشهادة التحديات الرئيسية التي تواجهها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والعراق في سبيل إعادة إعمار العراق وتحقيق الاستقرار. وتنقسم تلك التحديات إلي أربعة تحديات وهي: تشكيل حكومة وحدة وطنية، والقضاء علي المتمردين والعنف الطائفي،  وتوفير الخدمات الرئيسية، وتأمين التمويل اللازم لسد الحاجات المستقبلية.

أولا: تأمين التمويل اللازم لسد الحاجات المستقبلية

يتحتم علي الحكومة العراقية الجديدة أن تخطط لتأمين المصادر المالية اللازمة للاستمرار في جهود إعادة إعمار العراق التي بدأتها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وتواجه الحكومة العراقية في ذلك الشأن ثلاث مشكلات:

1- احتياجات العراق أكبر من الاحتياجات المتوقعة، وتشير التقديرات الأولية التي أعدتها الأمم المتحدة والبنك الدولي فيما يخص احتياجات العراق خلال  عام 2007 إلي أن إعادة إعمار العراق سيتكلف حوالي 56 بليون دولار أمريكي.

إلا أنه من المحتمل أن تحتاج العراق إلي تمويل أكبر لسد احتياجاتها. ويرجع ذلك إلي  سوء حالة البنية التحتية نتيجة لتعرضها لعمليات النهب والسرقة التي سبقت قيام الحرب عام 2003. كما يرجع ذلك  إلي تدمير خطوط وأبراج الكهرباء وخطوط البترول اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائية.  

2- محدودية المساهمات الدولية لإعادة إعمار العراق، وحتى الآن تعتبر الولايات المتحدة هي المساهم الرئيسي في جهود إعادة إعمار العراق حيث وفرت 30 بليون دولار أمريكي أنفقتها علي  مشروعات إصلاح البنية التحتية وتدريب قوات الأمن العراقية. أما المساهمون الدوليون، فقد ساهموا بمبلغ 2.7 بليون دولار أمريكي فقط  في شكل منح ثنائية ومتعددة الجوانب من إجمالي المبلغ الذين تعهدوا بالمساهمة به ويبلغ 13.6 بليون دولار أمريكي. وتأخذ 70 بالمائة من قيمة تلك التبرعات شكل قروض مقدمة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واليابان.

3 مواجهة القيود المفروضة علي الموازنة العراقية للمساهمة في إعادة إعمار العراق.

توجد عدة قيود مفروضة علي الموازنة العراقية تعيق إعادة إعمار العراق وتتضمن تلك القيود:

- عوائد صادرات النفط الخام التي تعتمد علي مستويات التصدير وسعر السوق.

- الدعم المستمر للغذاء والطاقة، الأمر الذي أدي إلى انخفاض أسعار الطعام والبترول والكهرباء. مما ترتب عليه زيادة الاستهلاك وزيادة عمليات التهريب للبلاد المجاورة.

- زيادة المرتبات والمعاشات في الجهات الحكومية حيث تشكل تلك المرتبات والمعاشات 21 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي لعام 2005. وقد ذكر صندوق النقد الدولي أن علي الحكومة العراقية أن تراقب المرتبات والمعاشات مراقبة صارمة لاحتواء الزيادة في مرتبات موظفيها، وقد اقترح صندوق النقد الدولي إجراء إحصاء رسمي لكل موظفي الدولة في يونيو 2006 الأمر الذي سيساعد في مواجهة البطالة المقنعة.

- أخيرا الدين الخارجي حيث تدين الحكومة العراقية لضحايا الحرب علي الكويت ودائنيها الدوليين بمبلغ 84 بليون دولار أمريكي. ويقوم العراق حاليا وفقا لتوجيهات الأمم المتحدة بإيداع  5 بالمائة من أرباح عائدات تصدير النفط في صندوق التعويضات التابع للأمم المتحدة. ويقدر صندوق النقد الدولي أن الدين الخارجي للعراق وحده قد وصل في أواخر عام 2005 إلي 51 بليون دولار أمريكي.

ثانيا: معضلة توفير الخدمات الأساسية

ركزت الولايات المتحدة على توفير الخدمات الرئيسية في قطاعات الطاقة والمياه، وذلك عن طريق إصلاح المنشآت البترولية وزيادة طاقة توليد الكهرباء وتجديد محطات معالجة المياه. ورغم الجهود الأمريكية، لم تستطع الولايات المتحدة تحقيق المخطط من هذه الهداف نتيجة التحديات الأمنية والفساد الإداري. ففي قطاع البترول، تراجع إنتاج النفط الخام إلى 2 مليون برميل يوميا بعد أن وصل إلى 2.6 مليون برميل قبل الحرب. وفي قطاع الكهرباء، تراجعت طاقة التوليد الكهربائي إلى 4092 ميجاوات بعد أن وصل إلى 5400 ميجاوات.  ويرجع التدهور في قطاع الخدمات إلى الأسباب التالية:

1 -تدهور الأوضاع الأمنية مما أدي إلي تأجيل المشروعات أو إلغائها أو تقليص نطاق تلك المشروعات وزيادة تكاليف الخدمات الأمنية التي وصلت نسبتها من 16 إلي 22% من إجمالي تكلفة مشاريع إعادة بناء البنية التحتية. بالإضافة إلي ذلك، أدي تدهور الوضع الأمني إلي فرض قيود علي حركة فرق العمل المدنية وتقليل التواجد الأمريكي في مواقع إعادة الأعمار وازدياد الهجمات الموجهة ضد القوافل حيث ارتفع عدد القتلى إلي 43 في يناير 2006. كما يظهر تأثير تدهور الوضع الأمني علي قطاعات البترول والكهرباء حيث يهاجم المتمردون خطوط إنتاج النفط الخام مما يؤثر علي الوقود الذي يمد وحدات الطاقة والكهرباء.

2 - مشكلات الإدارة التي تؤثر بالسلب علي تنفيذ برنامج الولايات المتحدة لإعادة إعمار العراق. وتظهر تلك المشكلات في تحديد نطاق وتكلفة المشروعات وتنفيذ تلك المشروعات. وتتضمن تلك المشكلات انعدام الاتفاق بين الوكالات الأمريكية والمقاولين والسلطات العراقية و وجود بيئة متضخمة يتعذر معها تحديد الأسعار وعدم استقرار الأوضاع في مواقع المشروعات، وأخيرا صعوبة تحديد ملكية مواقع المشروعات.

3- عجز العراق عن تشغيل المشروعات الممولة من جانب الولايات المتحدة وصيانتها. ففي قطاع المياه والقطاع الصحي حددت الوكالات الأمريكية بعض أوجه القصور في تشغيل وصيانة المنشآت بسب وجود مشكلات في تشكيل فرق العمل وعدم كفاية قطع الغيار وعدم وجود مصادر طاقة مستقرة تدير وحدات معالجة المياه وأخيرا سوء التشغيل والصيانة. أما قطاع الكهرباء فيواجه مشكلات نتيجة استخدام زيت الوقود في المحركات التي تعمل بالغاز الطبيعي مما يؤدي إلي تقليل ناتج الطاقة من المحركات بنسبة 50% والحاجة إلي إجراء عمليات صيانة وتلف المعدات أو قصر عمرها.

4 -قصور البيانات المتعلقة بالأداء وضعف التقارير الأمر الذي يؤدي إلي صعوبة تحديد مدي التقدم الذي حققته جهود الإعمار. فعلي سبيل المثال، ذكرت التقارير الصادرة من وزارة الخارجية الأمريكية في قطاع المياه والقطاع الصحي عدد المشروعات المنتهية وكمية الطاقة المتوقع إنتاجها لوحدات معالجة المياه. إلا أن تلك التقارير لم ترد بها أية معلومات عن نطاق المشروعات الفردية وتكلفتها ولا عن كمية المياه الصالحة للشرب التي تصل إلي المستخدمين المستهدفين. وفي مجال الخدمات الصحية، اعتمدت تقديرات وزارة الخارجية المتعلقة بتقدم الخدمات الصحية علي عدد المنشآت الصحية المكتملة كمؤشر علي ازدياد الفرص المتاحة للاستفادة من تلك الخدمات. ولكن البيانات المتاحة لم تشير إلي كفاءة المعدات وفرق العمل أو جودة الخدمات الصحية المقدمة للشعب العراقي.

أما قطاع الكهرباء، فلم توضح البيانات المتاحة ما إذا كانت الطاقة المولدة مستمرة دون انقطاع خلال الفترة المحددة أم لا وما إذا كانت هناك فروق جغرافية أو إقليمية في كمية الطاقة المولدة وكمية الطاقة التي تصل للمستخدمين. هذا بالرغم من أن تقارير الوكالات الأمريكية تشير إلي كمية الطاقة الكهربائية المولدة يوميا وعدد المشروعات المنتهية ومتوسط الساعات اليومية للطاقة.

ثالثا: معضلة الحكومة العراقية الموحدة

طبقا للدراسة، فقد كان تشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق خطوة شديدة الأهمية في إطار الجهود للقضاء علي المتمردين، وضمان تحقيق الأمن والاستقرار في العراق. وأدي تأخير تشكيل حكومة عراقية فقد أدت تدعيم  الانقسامات الطائفية عندما اعتقد الكثيرون من العراقيين وجود فراغ سياسي.

ويرى التقرير أن الحكومة العراقية الحالية تواجهها أربعة أساسية:

1-تشكيل حكومات محلية فعالة، حيث تعد تلك الخطوة ذات أهمية كبيرة على طريق تحسين الحكم الذاتي ودعم الجهود لبناء عراق مستقل.

2-اقتلاع الفساد من جذوره حيث ظهر الفساد جليا في كل قطاعات الدولة، خاصة قطاع البترول. وتذكر بعض المصادر الحكومية ذهاب ما يقرب من 10% من الوقود المكرر إلي السوق السوداء، إضافة إلى تهرب حوالي 30% من الوقود المستورد لخارج العراق. كما يظهر الفساد في مجال المناقصات العامة التي لا تزال تمثل فكرا غريبا جديدا بالنسبة للكثير من الوزراء العراقيين. وأخيرا، يظهر الفساد في مجال حماية البنية التحتية حيث تتعاقد وزارة الكهرباء مع زعماء القبائل لحماية خطوط الكهرباء، ويقوم الكثير من تلك القبائل باستغلال هذه التعاقدات لخدمة مصالحها فقط.

3-حل الميليشيات حيث حظر قانون العراق الانتقالي لعام 2004 تشكيل ميلشيات لا تخضع لسلطة الحكومة المركزية العراقية أو القوات المسلحة. ومن أكبر الميليشيات العراقية: تنظيمات البيشمرجا الكردية، ومنظمة بدر الشيعية بجنوب العراق، وجيش المهدي بوسط  وجنوب العراق.

4-فض النزاعات علي الحدود، خاصة ما يتعلق بحقوق ملكية حقول البترول. وتتجلي تلك النزاعات في منطقة كركوك الغنية بالبترول، والتي يعتبرها الأكراد جزءا من الإقليم التابع للحكومة الكردية الإقليمية.

رابعا: القضاء علي المتمردين وإنهاء العنف الطائفي

يهدد ازدياد العنف الطائفي التقدم الذي تحرزه الولايات المتحدة في المجالات السياسية والأمنية حيث أعاق ازدياد نشاط المتمردين، العنف الطائفي تشكيل حكومة عراقية دائمة قادرة علي تحقيق الاستقرار وحماية المواطنين، كما أعاق تشكيل قوات أمنية عراقية قوية تنقل إليها المهام الأمنية بعد انسحاب القوات الأمريكية. وقد زادت نشاطات المتمردين وقوت شوكتهم ابتداء من يونيو 2003 حتى الآن، وزادت الهجمات الموجهة من جانبهم ضد قوات التحالف والقوات العراقية والبنية التحتية. وبشكل عام، ارتفعت حدة الهجمات بنسبة 23% من عام 2004 لعام 2005. وتظهر احدي التقييمات التي أجرتها سفارة الولايات المتحدة ببغداد، أن محافظة واحدة من ضمن 18 مقاطعة هي التي تعاني من وضع أمني متدهور تزيد فيه عمليات الاغتيال ونشاطات المتمردين، وأن هناك  ست محافظات تجري بها أعمال إرهابية بنسب معتادة، إضافة إلى ثمان محافظات يقع وضعها الأمني تحت السيطرة النسبية الحكومية، بينما تستقر الأوضاع الأمنية في ثلاث محافظات حيث تسيطر قوات الأمن العراقية علي الوضع الأمني.

ومن الجدير بالذكر أن النسبة الأكبر من المتمردين هم من السنة العرب، بينما تتكون بقية حركات التمرد من المنظمات الشيعية والمجرمين والمقاتلين الأجانب.

أما بالنسبة للعنف الطائفي، فقد زادت حدته متمثلة في التفجيرات المتكررة الموجهة ضد المدنيين والمساجد والكنائس وعمليات القتل والترهيب والتمثيل بجثث السنة والشيعة. وتعد حادثة تفجير المقام الشيعي في سامراء هي الأعنف، حيث زادت المخاوف بين العرقيين من وقوع حرب أهلية بعد هذه الحادثة.

ويظهر تأثير العنف الطائفي علي الوضع الأمني في العراق حيث أقر مدير الاستخبارات العراقية أن القوات العراقية تعاني من قصور في التعامل مع الانقسامات العرقية والطائفية داخل وحداتها. كما ذكر مدير وكالة استخبارات وزارة الدفاع أن العديد من عناصر قوات الأمن العراقية لها ميول طائفية ومصالح حزبية.

وأخيرا، تخلص الدراسة إلى ذكر أهمية استمرار الالتزام الأمريكي  ودعم المجتمع الدولي لتحقيق إنجازات حقيقية في إعادة إعمار العراق. 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد  2/تموز /2006 -/جمادي الاخرى/1427