قصة الشرارة الأولى لثورة العشرين في العراق

 

أحيا العراقيون بعامة وابناء محافظة السماوة بخاصة يوم الجمعة الذكرى السادسة والثمانين لتفجر ثورة العشرين الشعبية التحررية ضد الاحتلال البريطاني في 30 حزيران يونيو عام 1920.

ومثلما للثورات نتائج تمثلت في تأسيس الدولة العراقية الحديثة وتنصيب ملك عربي عليها (فيصل الأول بن الحسين) فإن لها مقدمات شغلت مساحة واسعة من وسط وجنوب العراق..ولهذه المقدمات أيضا شرارة هي التي توقد شعلة الثورة وتفعل مقدماتها..

والشرارة كانت هنا في السماوة ، وتحديدا في الرميثة نقطة إنطلاق الثورة التي طبخت جيدا في النجف الأشرف والكاظمية بإجتماعات رجال الدين والعشائر والشخصيا الوطنية الذين وضعوا تحرير العراق وطرد الإنجليز هدفا لاحياد عنه.. فعندما اشعلت عشيرة الظوالم فتيل الثورة كانت المرجعية الدينية في النجف متمثلة بالشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي قد أصدرت فتوى نصت على"مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والامن ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الانجليز عن قبول مطالبهم".

عن الشرارة الأولى للثورة ، قال الشيخ ناجح كامل غثيث آل حرجان حفيد الشيخ غثيث الحرجان أحد قادة الثورة وعميد قبيلة الظوالم في مدينة الرميثة "ثورة العشرين لم تقم على عاتق عشيرة واحدة من عشائر العراق، ولا على كاهل رجل واحد من رجالات العراق، ولا كانت ثورة فراتية بحتة ولكنها كانت ثورة وطنية شعبية عراقية شملت العراق من شماله الى جنوبه بعربه وكرده وسائر اقلياته ..لكن يحق لي ان اقول بأن ثورة العشرين اندلعت من عشيرة الظوالم برئاسة وقيادة وتدبير رئيسها غثيث وانتهت بعشيرة الظوالم ايضا وبرئاسة غثيث مفاوضا."

ويستند الشيخ ناجح الى واقعة انطلاق الشرارة الأولى للثورة والتي يسرد تفاصيلها بالقول.."كان الميجر ديلي حاكم لواء الديوانية السياسي من اشد الحكام البريطانيين وطأة وبطشاً على الاهالي ،وكان رؤساء عشائرها والظوالم خصوصا من اقطاب التحالف الذي تم في كربلاء في ليلة النصف من شعبان، ولما تلقى الميجر ديلي معلومات عن النجف والمشخاب وما يعقد فيها من اجتماعات سرية وما يلقى فيها من خطب حماسية وقصائد شعرية مهيجة للرأي العام قرر البطش برؤساء القبائل في الديوانية والرميثة والسماوة وعفك والدغارة قبل ان يفاجئوا السلطة بعدائهم السافر.."

"كتب الميجر ديلي الى اللفتنانت هيآت نائب الحاكم السياسي في الرميثة ان يستدعي كلا من الشيخ شعلان ابو الجون والشيخ غثيث حرجان ويرسلهما الى الديوانية مخفورين.

في هذا الوقت كانت عشيرة الظوالم مجتمعة لبناء مضيف شيخهم غثيث وكان معهم الشيخ شعلان جاء مباركا لبناء المضيف فتزامن ذلك الوقت،مع مجيء شرطيين من قبل الضابط السياسي في الرميثة يطلب حضورهما امام الميجر ديلي."

ويتابع الشيخ ناجح ان "شعلان سأل غثيث ما رأيك في هذا الطلب وبماذا نواجه مكر هؤلاء الغزاة؟ ..

فأجابه غثيث قائلا: اذهب انا معهما وتبقى انت لتخلصني من قبضتهم لانهم ينوون بنا الغدر والتنكيل، فرد عليه شعلان بقوله: انا الذي سأذهب معهم لمواجهة الحاكم الانجليزي وتبقى انت لانقاذي من السجن.

فذهب شعلان الى الرميثة قبل ظهر يوم الجمعة الموافق 29 حزيران يونيو 1920 وبرفقته اخوة الشيخ غثيث كل من ابو عيون حرجان وجنحيت كاطع ليتجليا الامر، وعند وصوله الرميثة ومثوله امام الضابط الانجليزي امر بإعتقاله واسمعه كلاما قاسيا لايمكن لرئيس قبيلة ان يتحمله فطلب الشيخ شعلان من مرافقيه بلغة شفرية (إرسلوا تسعة ليرات ذهبية وملابس ) وكان يعني إرسال تسعة رجال اشداء يبذلون الدماء رخيصة لانتشاله من مخالب السجانة اللعناء. فأختار غثيث تسعة رجال من بين الحاضرين طالبا منهم اقتحام سجن الرميثة واخراج شعلان عنوة.

ويستطرد الشيخ ناجح ".. وعند وصولهم بستان آل اسود القريب من الرميثة ذهب أحدهم ليخبر شعلان بالامر ولدى وصوله المركز طلب من الحارس ان يأذن له بالدخول، لكن الحارس منعه من الدخول، فرد عليه قائلا : سنخرجه عما قريب رغم انفك ان شاء الله، وانقلب راجعا الى جماعته فاخبرهم بما جرى مع الحارس. فنهضوا متسترين على بنادقهم واندفعوا عصر ذلك اليوم ( السبت الموافق 30 حزيران 1920 ) بقوة نحو السجن وعبروا جسر الرميثة،وصادف في ذلك الوقت وجود حطاب بالقرب منهم على الجسر فأخذ أحدهم فأسه ، وعند وصولهم المركز شهروا بنادقهم نحو الحراس وهي تمطر لظىً فقتلوا منهم اثنين واطلقوا سراح سجينهم شعلان."

ويواصل الشيخ ناجح حديثه بالقول"إتجهوا به (شعلان) صوب طريق آل عبدالله (البوحسان) وهم يطلقون النار نحو مدينة الرميثة ليشقوا طريقا لهم للخروج سالمين وهم يرددون هوساتهم الشعبية (بين الحر ممشاك براضة) فكانت هذه الرصاصات الاولى التي انطلقت في هذا اليوم الذي شهد شرارة الثورة العراقية الكبرى التي اذنت بإنتشار الثورة في انحاء البلاد فيما بعد.."

واضاف الشيخ ناجح "استمرت الثورة ستة اشهر وكبدت المحتلين اكثر من ستين الف اصابة واغراق العديد من السفن الحربية في نهر الفرات فضلا عن اسقاط عدة طائرات حربية ببنادق الثوار البسيطة وأسر المئات من الهنود والمجندين البريطانيين وقادتهم".

وقد لعبت هذه الثورة دورا كبيرا في رسم ملامح المستقبل السياسي للعراق والدولة العراقية التي توجت بتأسيس الحكم الوطني في العراق عام 1921.

المصدر: اصوات العراق

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت   1/تموز /2006 -/جمادي الاخرى/1427