مستقبل مبادرة المالكي للمصالحة مرهونة بعقدة (الخطوط الحمراء)

 

الطريق الصعب الذي اختطه رئيس الوزراء السيد نوري المالكي للمصالحة الوطنية يواجه صعوبات جدية، مع إرتفاع حدة العنف اليومي.. والإختلافات حول ( الخطوط الحمراء) بين الكتل والتيارات السياسية العراقية.

على صعيد الوضع الأمني، فإن ( المفخخات) تنفجر بواقع (5 - 7 ) سيارات يوميا مستهدفة مناطق الإزدحام بالتحديد، وعدد القتلى ( المعلنين) يراوح بين ( 50 - 60 ) قتيلا.. سواء بالتفجيرات أو عمليات القتل على الهوية التي تجرى يوميا.

مع هذا التصعيد يبدو أن حوارا "غير مباشر" حصل مع سبع مجموعات مسلحة في العراق حتى الآن، في إطار (مبادرة المصالحة الوطنية) التي أعلنها المالكي ( الأحد) الماضي.

وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء اليوم الأربعاء وجود " إتصالات كثيرة حصلت (مع جماعات مسلحة) منذ يوم إعلان مبادرة المصالحة، وهناك تعاطف كبير معها.. حتى من ميلشيات بدأت تتصل وتتحاور."

العقدة الأساسية التي ستواجهها مبادرة المالكي هي ( الخطوط الحمراء) التي يتحدث الجميع عنها،  بين موسع لتلك الخطوط.. ورافض لوجودها في المبادرة من الأساس.

ويستبعد عضو البرلمان عن ( الإئتلاف العراقي الموحد) السيد عباس البياتي " الربط بين الوضع الأمني والحوار مع الجماعات التي تهدد وتستخدم ورقة الوضع الأمني للضغط (على الحكومة) من أجل تنازلات."

وأوضح البياتي لـ ( أصوات العراق) أن إستقرار الوضع الأمني "مرهون بأربعة عوامل، هي: الوضع السياسي، وجود خطة عسكرية محكمة، دعم إقليمي، وتعاون دولي."

ووضع البياتي الجماعات المسلحة المطروحة للمصالحة موضع تساؤل "هل المقصود بهم من إرتكبوا جرائم بحق الشعب العراقي.. ؟، أم من لديهم مواقف حادة من الوضع القائم وجاهروا بالمعارضة القوية ؟."

وشدد على ضرورة أن يستثنى من الحوار والمصالحة "من تورطوا بدماء العراقيين..فالشعب

العراقي لن يرضى من قياداته وضع ايديهم في أيدي من تلوثت بدماء الجريمة."

وأوضح عضو الإئتلاف الموحد ( أكبر كتلة برلمانية) أن المسألة ليست "هل نريد المسلحين أم لا.. بل من هم هؤلاء المسلحين ؟.. وهل مطلق (جميع) المسلحين ؟"، مضيفا " نحن نريد فتح قنوات للحوار مع الكل.. بإستثناء من يرفضهم الشعب العراقي، ومن يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء."

في مقابل ذلك، إنتقد البعض وضع (خطوط حمراء) على مشاركة الجماعات المسلحة في عملية ( الحوار والمصالحة)، معتبرين ذلك "وأد للمشروع كله."

عضو مجلس النواب عن (جبهة التوافق) السيد طه اللهيبي قال لـ ( أصوات العراق) " نحن متصالحون أساسا.. لكن المشكلة في الجماعات المسلحة، وإذا كانت هناك خطوط حمراء (عليهم).. ففي رأيي أن المشروع ولد ميتا من رحم أمه."

وتساءل اللهيبي " إذا استبعدناهم ( الجماعات المسلحة).. فعلى ماذا تكون المصالحة الوطنية؟."

لكن هناك من يرد بالقول إن الجماعات المسلحة لم تعرف عن نفسها، فكيف يمكن التحاور معها.. ؟

وهنا يرد اللهيبي (عضو ثالث أكثر كتلة برلمانية) قائلا " نتعرف عليهم من خلال بياناتهم ومواقعهم على الإنترنيت ووسائل الإعلام. هم يريدون أن يجلس المحتل ويضع جدولا زمنيا للإنسحاب، وهم يؤكدون أن المشكلة ليست مع العراقيين أو مع المالكي.. بل مع المحتل الذي يرفض وضع جدول زمني للإنسحاب."

وأشار اللهيبي إلى أنه لا يتكلم باسم تلك الجماعات، وحدد الفارق " نحن مقاومة سياسية.. وهم مقاومة مسلحة."

واعتبر عضو مجلس النواب عن ( القائمة العراقية الوطنية) السيد عزت الشاهبندر أن الإستبعاد المطلق للجماعات المسلحة "مدعاة للقلق"،  مشددا على ضرورة " تصنيفها.. ثم الحكم عليها بالتعامل معها من عدمه."

وحدد الشاهبندر ثلاثة أنواع من هذه الجماعات، وهي " الجماعات المسلحة التي لها منطلقات عقائدية وأصولية وتكفيرية، وأخرى أوغلت في دماء الشعب العراقي، وثالثة تتحرك بعناوين تدعي الوطنية.. كأن تريد مقاتلة المحتل أو تدافع عن طائفة معينة."

وعلى ضوء هذا التصنيف، حدد الشاهبندر المواقف " الطائفة الأولى (من الجماعات) لا مجال لمصالحتها أبدا، والثانية يصعب على الحالة السياسية العراقية أن تستقبلهم أو تستوعبهم، أما الأخيرة.. فيمكن التحاور معها للوصول إلى حل."

وقال " إذا كانت المصالحة تستثني هؤلاء جميعا.. فهذا يدعو للقلق."

ودعا عزت الشاهبندر إلى تجاوز الجراح للمضي قدما في المصالحة الوطنية،  بقوله "حل المشكلة الأمنية لا يمكن أن يكون أمنيا أو ميدانيا.. بل بالحل السياسي، وهذه حقيقة يجب أن نتقبلها.. ويجب أن ( نكبس) على جراحنا وجراح أهلنا ( أي نضغط عليها).. ونقبل أن نتحاور مع هؤلاء."

ولفت إلى "وجود من يتبوأ مراكز في الدولة العراقية حاليا.. وكان من (حملة السلاح) في الماضي" متجنبا تسمية من أشار إليهم.

من جانبه،  يحاول نوري المالكي أن يشدد ويخفف من شروطه للحوار مع الجماعات المسلحة،  تبعا لضغوط الكتل السياسية.

ففي حديث المالكي مع الصحفيين الأجانب، والذي نقلت قناة ( العراقية) التلفزيونية الرسمية بعضا منه اليوم، أوضح أن " العفو لا يشمل الذين قتلوا العراقيين، أو قتلوا جنوداً من القوات متعددة الجنسيات."

وحدد المشمولين بالمصالحة "هم الذين إتخذوا مواقف سلبية من الحكومة، أو استخدموا الإعلام المضاد.. وقاموا بأعمال مضادة للحكومة ومارسوا التخريب."

وأضاف " كذلك يشمل العفو الذين حملوا السلاح.. لكنهم لم يتورطوا بجرائم قتل، إضافة إلى من التحقوا ببعض الأحزاب المحظورة ( كحزب البعث).. ويريدون العودة إلى الصف الوطني ويتعاملوا مع العملية السياسية."

ومع فتح باب الحوار "مع سبع مجموعات مسلحة"، قدم المالكي عربونا عمليا لتأكيد جدية دعوته.. فقد تم إطلاق وجبة أخرى من المعتقلين خلال اليومين الماضيين، وقال مستشار الأمن الوطني موفق الربيعي إن اليومين المقبلين سيشهدان إطلاق سراح ( الوجبة الأخيرة) من المعتقلين الذين سيفرج عنهم خلال شهر حزيران يونيو الجاري، في حضور رئيس الوزراء نوري المالكي.

بل مضى المالكي أبعد من ذلك،  بإعادة المعتقلين إلى وظائفهم.. وإحتساب فترة إعتقالهم خدمة لأغراض العلاوة والترفيع والتقاعد، حسبما أشار بيان لمكتب الوزراء.

وقال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء العراقي ان المالكي التقى يوم الثلاثاء بعدد من مراسلي الصحف الاجنبية واكد خلال اللقاء وجود "اتصالات كثيرة حصلت معنا في يوم اعلان مبادرة المصالحة وهناك تعاطف كبير معها حتى من قبل ميليشيات بدأت تتصل وتتحاور ونحن نرحب بهذا... ومتفائلون بامكانية اصلاح الاوضاع."

واضاف البيان ان المالكي اعرب عن امله في اجراء لقاء "مباشر مع هذه الجماعات ونتحاور معها بهدوء من اجل كسبها للعملية السياسية."

ومضى البيان يقول ان رئيس الوزراء اكد "وجود حوار مع سبع مجموعات مسلحة بصورة غير مباشرة رافضا الكشف عن اسماء هذه المجموعات قبل التاكد من رغبتها الفعلية في التحاور والمشاركة ما داموا لايريدون الكشف عن اسمائهم في هذا الوقت بالذات."

وقال البيان ان المالكي اعتبر ان رغبة الجماعات المسلحة باجراء الحوار ومحاولاتها "الاشتراك في مشروع المصالحة الوطنية يعتبر ضربة قوية للارهابيين."

وكان المالكي اعلن بداية الاسبوع الجاري عن مبادرة للحوار والمصالحة الوطنية تهدف الى كسب الجماعات المسلحة الى العملية السياسية والغاء الخطوط الحمراء امام تلك القوى والتي لديها رؤى مختلفة عن الحكومة والقوى السياسية المشتركة فيها.

وقال البيان ان المالكي اوضح خلال اللقاء "ان العفو لايشمل الذين قتلوا العراقيين او قتلوا جنودا من القوات متعددة الجنسيات لان هذه القوات جاءت الى العراق بموجب اتفاقيات دولية وهي تساهم في انجاح العملية السياسية ودعمها واسنادها."

واضاف "من يقدم على هذه الجريمة سيقدم للمحاكمة... لان الهدف من قتل العراقيين او جنود القوات متعددة الجنسيات هو اسقاط التجربة الديمقراطية والعملية السياسية."

ونقل البيان عن المالكي قوله "محاسبة المجرمين القتلة هو التزام دولي واخلاقي لايمكن ان يتغير ومن يرتكب هذه الجريمة لايشمله العفو."

وقال البيان ان المالكي اوضح ان "المشمولين بالمصالحة هم الذين اتخذوا مواقف سلبية من الحكومة او استخدموا الاعلام المضاد وقاموا باعمال مضادة للحكومة ومارسوا التخريب."

واضاف "كذلك يشمل العفو الذين حملوا السلاح لكنهم لم يتورطوا بجرائم قتل اضافة الى من التحقوا ببعض الاحزاب المحظورة كحزب البعث ويريدون العودة الى الصف الوطني ويتعاملوا مع العملية السياسية."

وقال البيان ان المالكي تحدث عن قرار الحكومة العراقية المتعلق بحل الميليشيات مبينا "ان الميلشيات جميعها مشمولة بقرار الحل وليس هناك فرق بين ميلشيا شيعية واخرى سنية."

واضاف " هناك حوارات مركزة مع الميلشيات بمختلف انواعها من اجل ايصالها الى مرحلة الحل بدون اللجوء الى القوة."

واشار المالكي ان ملف الميليشيات فيه "الكثير من التعقيد ولكن لابد من حسمه."

بدوره قال مصدر مسؤول في مجلس الوزراء العراقي اليوم الاربعاء ان اتصالات رئيس الوزراء نوري المالكي مع الجماعات المسلحة تمت من خلال طريقين الأول مباشر مع رئيس الحكومة، والثاني غير مباشر عبر وسطاء.

ورفض المصدر كشف اسماء الوسطاء.

وأضاف المصدر الذى فضل عدم نشر اسمه أن "رئيس الوزراء سيتعامل مع هذه الجماعات وفقا للخطوط الحمراء التي وضعها في مبادرة المصالحة الوطنية."

وردا على سؤال حول رفض خمس جماعات مسلحة للمبادرة، قال المصدر الذى فضل عدم ذكر اسمه "المبادرة مفتوحة ومن حق الجميع المشاركة فيها."

وكان رئيس الوزراء اعلن يوم الاحد الماضي عن مبادرته للحوار والمصالحة الوطنية، وقال عنها انها تهدف الى "اعتماد الحوار الوطني الصادق والتعامل مع كل الرؤى السياسية المخالفة لرؤى ومواقف الحكومة والقوى السياسية المشتركة في العملية السياسية."

وأضاف المالكي ان المبادرة تسعى الى "الغاء الخطوط الحمراء التي تحول دون مشاركة اي مواطن عراقي او تنظيم يرغب العمل وفق الدستور لبناء العراق ولم يرتكب جريمة."

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس  29/حزيران /2006 -/جمادي الاخرى/1427