البورصة السعودية تسرق احلام الفقراء وتعوق الاصلاح السياسي وتنشط التطرف الوهابي والسلفي وتزيد من ثروات العائلة المالكة 

يقول محللون ودبلوماسيون ان انهيارا بالبورصة وانتعاشا للوبي اسلامي أعاقا فيما يبدو التقدم في مجال الاصلاح السياسي بالمملكة العربية السعودية.

وينظر الى حكومة الملك عبد الله التي تولت الحكم العام الماضي مقدمة وعودا باجراء اصلاحات حذرة لكنها واسعة النطاق على أنها فقدت الرصيد السياسي الذي تحتاجه لدفع قضايا اكثر اثارة للجدل مثل حقوق المرأة.

وقال فهد ناظر المحلل بمعهد شؤون الخليج ومقره واشنطن ان "الثقافة السياسية تشهد تغيرا بطيئا للغاية وعليها أن تتبنى المباديء الديمقراطية من حوار وحلول وسط وتعددية. سيستغرق الامر وقتا طويلا حتى يحدث تغيير."

وأضاف "حتى ذلك الحين سيحاول الاسلاميون تخويف كل من لا ينصاع (لهم)."

وسعت السلطات جاهدة للتعامل مع انهيار للبورصة بين فبراير شباط ومايو ايار أدى الى غضب شعبي عارم في هذه المملكة التي ينعدم التمثيل الشعبي بها.

وزادت موجة من الغضب اجتاحت العالم هذا العام بشأن رسوم كاريكاتيرية نشرتها صحيفة دنمركية تسيء للنبي محمد المؤسسة الدينية قوة على قوتها. وتخشى المؤسسة الدينية من الاتجاه تدريجيا نحو العلمانية.

وقال حمزة المزيني استاذ اللغويات والاصلاحي البارز انه منذ نشر هذه الرسوم تحركت الامور بسرعة في الاتجاه الاخر حيث لا يستطيع أحد أن يفتح فمه ليتحدث عن الاصلاح وأضاف أنه قبل ذلك كان المحافظون والحركة الاصولية قد بدأوا يفقدون شعبيتهم واتجهوا الى اتخاذ موقف دفاعي.

وأدت هذه الرسوم الكاريكاتيرية الى أعمال شغب في شتى أنحاء العالم ومقاطعة سعودية للسلع الدنماركية.

وأضاف المزيني أن الحكومة تحاول أن تجد سبيلا لتخفيف حدة هذه (النزعة) العدوانية الجديدة غير أن الاسترضاء لا يفي بالغرض احيانا.

وينادي نشطاء سعوديون منذ فترة طويلة باجراء اصلاحات سياسية في المملكة وأعطت مبادرة امريكية من اجل التحول الديمقراطي في الشرق الاوسط بالاضافة الى تولي الملك عبد الله الحكم العام الماضي دفعة لمسعاهم.

غير أن ارتفاع اسعار النفط العالمية وتحالف المملكة العربية السعودية مع دول غربية يحمي الحكومة من المطالب الخارجية والداخلية باجراء مزيد من الاصلاحات السياسية الاساسية.

واضطر وزير العمل السعودي غازي القصيبي الليبرالي المعروف المقرب من الملك الى تأجيل مبادرة تسمح للنساء بالعمل في متاجر الملابس الداخلية النسائية في اللحظة الاخيرة. وكان من المقرر تطبيق القواعد الجديدة في يونيو حزيران.

وبالرغم من معارضة رجال أعمال أقلقتهم التكاليف المرتفعة لاستبدال الموظفين الاجانب من المغتربين بسعوديين (السعودة) فان متدينين محافظين استخدموا شبكة الانترنت والمساجد والاجتماعات لحشد الاراء ضد خطوة ينظرون اليها باعتبارها تحولا تدريجيا الى العلمانية.

بل ان زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن هاجم القصيبي بشخصه في شريط صوتي ظهر في ابريل نيسان قائلا ان الوزير الشاعر ينتمي الى مجموعة من المفكرين العرب الذين يحبذون التشبه بالغرب.

وتوقف الان الحديث عن الغاء حظر غير رسمي في المملكة على قيادة النساء للسيارات. كان وزراء بالحكومة وأفراد بالاسرة الحاكمة قد عبروا عن تأييدهم لالغاء هذا الحظر.

بل ان الملك الذي قدم نفسه في صورة الحاكم الاصلاحي أخبر صحفا الشهر الماضي بأنه يريدها أن تمتنع عن نشر صور مثيرة لنساء حتى لا يتعرض الرجال للاغواء ويضلوا الطريق.

يأتي كل هذا وسط انهيار للبورصة اثار غضب مئات الالاف من المواطنين السعوديين العاديين الذين شجعتهم الحكومة على امتلاك الاسهم.

وصرح مستشار سعودي لرويترز قائلا ان تعامل السلطات المالية مع الانهيار كان "سيئا للغاية" حيث سمحت وزارة الاقتصاد وهيئة سوق المال السعودية للمضاربين بدفع السوق الى مستويات غير واقعية على مدار عام 2005.

ودفعت اجراءات مفاجئة لفرض النظام في سوق المال المضاربين الاغنياء الى الانسحاب جماعيا مما قاد الى انهيار الاسعار الذي تضرر من جرائه تسعة ملايين سعودي اشتروا اسهم في ذروة حمى البورصة.

وقال دبلوماسي غربي في الرياض "مع استثمار كثيرين للمال في السوق (سوق المال) وانخفاض السعر بهذه الدرجة الكبيرة يعود الجميع لينصب تركيزهم على القضايا الاقتصادية الاساسية... الناس أقل انشغالا بالاصلاحات السياسية."

وفي ابريل نيسان أصدر الملك عبد الله اوامره بخفض اسعار الوقود المحلية بنحو 30 في المئة في محاولة لامتصاص الاستياء الشعبي الذي تم التعبير عنه من خلال منتديات مستقلة مثل الانترنت. ولا تتسامح السعودية مع الاحتجاج الشعبي.

وفي الشهر الماضي تحدث الملك الذي تجسده وسائل اعلام في صورة الاب الذي يسعى الى التحديث عن انشاء صندوق استثماري لا ينطوي على مجازفات من أجل السعوديين من ذوي الدخول المنخفضة.

وفيما يحسب نصف مواطني السعودية البالغ عددهم 17 مليون نسمة خسائرهم اثر انهيار البورصة في وقت سابق من العام عقب صعود هائل في عام 2005 يراود اخرون الامل في مزيد من الجود من الدولة التي تتوفر لديها سيولة كبيرة بفضل أسعار النفط القياسية.

وحصدت اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم ايرادات قياسية نتيجة ارتفاع أسعار النفط ورغم ذلك لا يزال عدد كبير من السعوديين يجدون أنفسهم يعيشون على الهامش رغم وعود الاصلاح ومساواة اكبر في توزيع الثروة.

ويقول مقبل انه انتقل للمنطقة قبل ستة اشهر نتيجة ارتفاع ايجارات المساكن في الاحياء الرئيسية في المدينة مما يقلص قيمة اجره من عمله كسائق بوزارة الزراعة ويبلغ الفي ريال (533 دولارا).

ويضيف "لا توجد مياه لذا اذهب الى المساجد والمتاجر للحصول على مياه من الصنابير كما ان تشغيل مبرد الهواء يحتاج كميات كبيرة من المياه لذا أرسلت أطفالي عند أقاربي" ويضيف أنه يخجل من الترحيب بضيوف في مثل هذه الاجواء الفقيرة.

واثناء الحديث يمر المهندس الذي قام بتركيب مبرد الهواء الذي يعمل بمولد كهرباء للتأكد من ان الجهاز يعمل.

ويعترف الزائر قائلا "استثمرت 50 ألف ريال في البورصة ولكني فقدتها كلها الان."

ويرد مقبل الذي يرعى ستة اطفال من بينهم طفلة تعالج في المستشفي من مشاكل في الكلى "ماذا يهمني من امر البورصة..".

وقبل اعتلائه العرش في العام الماضي حذر الملك عبدالله من خطر تنامي الفقر والبطالة اثناء زيارة لمنطقة فقيرة في عام 2002.

ولكن لا توجد احصاءات عن عدد السعوديين الذين يعانون فعلا من اجل توفير احتياجاتهم ولا يزال الموضوع من المحظورات في المملكة.

وقال المحلل تركي فدعق من الجمعية الاقتصادية السعودية "توجد مشكلة ارقام. ربما يكون هناك انخفاض طفيف في عدد الفقراء ولكن ينبغي ان نتذكر انه قبل خمسة اعوام لم يكن هناك من يريد الاعتراف بالقضية."

وخفف ارتفاع اسعار النفط وطأة المعاناة مؤقتا ولكن تخشى السلطات ان تعتقد الطبقة الدنيا ان مساعي التنمية في البلاد تجاهلتها مما يساعد تنظيم القاعدة على تجنيد افراد.

وتقدر مجلة فوربس الامريكية ثروة الملك عبد الله بنحو 21 مليار دولار وكان قد وعد في الشهر الماضي بتوفير مساكن رخيصة. كما خفض اسعار الوقود في خطوة لقيت اشادة من الطبقات الدنيا واكدت الثقل السياسي لمشكلة الفقر حاليا.

وقال اخر من سكان الحي "لم يشعر بها الاغنياء ولكن خفض سعر الوقود احدث فرقا كبيرا بالنسبة للفقراء. انها فكرة عظيمة. وانا اشكره (الملك)."

ومثل مقبل لا تعني البورصة له شيئا اذ يقول "أراها على شاشة التلفزيون ولكن ليس لدي المال لاستثمر فيها. لدينا عقارب وثعابين وفي الشتاء تشتد البرودة جدا. هبت قبل عامين عاصفة ثلجية وتساقط جليد في حجم فنجان القهوة هذا."

ويقول علي صادق الذي كان يعمل في صندوق النقد العربي في الامارات ان مشكلة السعوديين منخفضي الدخل تتصاعد ومن الصعب التبنؤ بعواقبها.

وقال "ليس هناك مايبرر وجود فقراء في دولة غنية مثل السعودية. حين يكون هناك فقراء ويرون البذخ في الانفاق يحقدون على الاخرين والحكومة لان عليهم ان يفعلوا شيئا لمساعدتهم."

وتسعى المملكة جاهدة لتنويع مواردها الاقتصادية التي تعتمد على النفط ولكن القطاع الخاص فشل في توفير فرص عمل. وتقدر نسبة البطالة رسميا بين 6 و12 في المئة ويتوق معظم السعوديين للوظائف الحكومية والمساعدات التي تقدمها الدولة.

وفشلت حملة "السعودة" التي تهدف الى احلال مواطنين سعوديين محل اكثر من ستة ملايين عامل اجنبي والتي بدات قبل عشرة اعوام في تحقيق نتائج مهمة وتنوي الحكومة جلب عمالة أكثر من اسيا من أجل التوسع الصناعي.

وقال صادق "لا يقتصر الامر على تقديم الغذاء للناس. ينبغي ان تدربهم الدولة فعليا ليكسبوا قوت يومهم. لا يعلم احد على وجه اليقين متى ستتغير وفرة النفط لذا من الافضل للحكومة ان تقيم مشروعات تتيح وظائف لقطاعات من السكان متعطلة عن العمل وغير ماهرة."

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء   13/حزيران /2006 -15 /جمادي الاول/1427